ليــالي رمضــانية كل ما يخص الشهر الفضيل

إضافة رد
كاتب الموضوع أميرة الورد مشاركات 348 المشاهدات 15861  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
قديم 08-18-2010, 04:12 AM   #171
معلومات العضو
أميرة الورد

[..نـقـــاء الـزبــرجــــد..]

الصورة الرمزية أميرة الورد
رقم العضوية : 3091
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مجموع المشاركات : 4,455
قوة التقييم : 34
أميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to behold


فائده :

قال العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله :
رضاعة الأم أنفع للولد وليس كل أحد يستطيع شراء وتأمين هذه الحاجات , فيجوز لها الفطر و لايلزمها شراء اللبن من الخارج لكي تصوم ا.هـ
(التعليق على زاد المعاد ).
منقووول
التوقيع : أميرة الورد
استغفرالله العظيم ,,, الذي لاإله إلا هو,,,,,, الحي القيوم ,,, وأتوب إليه .
طهروا مسامعكم بالقرآن الكريم
أميرة الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-18-2010, 04:17 AM   #172
معلومات العضو
أميرة الورد

[..نـقـــاء الـزبــرجــــد..]

الصورة الرمزية أميرة الورد
رقم العضوية : 3091
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مجموع المشاركات : 4,455
قوة التقييم : 34
أميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to behold


مقاصد الصيام
خباب بن مروان الحمد





الحمد لله ذي الطول والآلاء ، وصلَّى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل والأنبياء ، وعلى آله وصحابته الأتقياء ، أمَّا بعد:
فإنَّ دين الإسلام دين مبني بعد إفراد الله بالعبادة على الحكمة والخير العميم ، ولهذا لم يشرع ـ سبحانه وتعالى ـ أحكام هذا الدين دون فوائد مرجوَّة ، ومقاصد جليلة ، فإنَّ لهذه الشريعة الإسلامية تكاليف سامية المقاصد ، نبيلة الفوائد ، بديعة الأسرار.
ومن المعلوم أنََّ من أسمائه ـ سبحانه وتعالى ـ: الحكيم ، ومقتضى هذا الاسم أنَّه متَّصفٌ بالحكمة ، فكلُّ ما شرعه الله وقدَّره وأمر به فهو لحكمة بالغة.
فهو ـ سبحانه ـ لم يكلِّفنا بالعبادات لأجل الإشقاق علينا ، أو لنكون قائمين بتطبيقها فحسب ، أو لحاجته ـ تعالى ـ لنا، كيف وهو يقول:(والله الغني وأنتم الفقراء) بل شرعها ـ تعالى ـ لمصلحتنا وتربيتنا ، لتكون هذه العبادات زاداً لنا على طريق الهدى، وفي هذا يقول الإمام البيضاوي ـ رحمه الله ـ:( إنَّ الاستقراء دلَّ على أنَّ الله ـ سبحانه ـ شرع أحكامه لمصالح العباد) (المنهاج:صـ233).

وتلك الحكم والمعاني السامقة لا تفهم إلاَّ بالبحث والاستقراء والتتبع ؛ لما يسمِّيه علماء الإسلام بـ:(فقه المقاصد الشرعية)، ومن المتيقَّن أنَّ الأحكام إذا ربطت بعللها ومقاصدها اقتنع الناس بها ، وكان لها دورٌ كبير في تأديتها على الوجه اللاَّئق بها ؛ فإنَّ كثيراً من الناس يلتزمون العبادات ، بيدَ أنَّهم قد يفقدون روحها ومعانيها، ولعلَّ من أسباب ذلك ضعف علمهم بمقاصدها؛ فيؤدُّون عباداتهم وكأنَّها عادات وتقاليد ورثوها عن آبائهم ؛ فلا يشعرون بلذَّتها وحلاوتها ، ولا يستفيدون من القيام بها على الوجه المطلوب.

لهذا كان من المناسب أن أعرِّجَ على ذكر شيء من مقاصد الصوم ، وحِكَمه الباهرة ، وخاصَّة أنَّ أهل العلم كانوا يولون لعلم مقاصد الشريعة مرتبة عالية ، ورحم الله الإمام ابن تيمية حين قال:(من فهم حكمة الشارع كان هو الفقيه حقَّاً) (بيان الدليل على بطلان التحليل: صـ351) بل إنَّه ـ رحمه الله ـ يرى:أنَّ معرفة مقاصد الشريعة هي خاصَّة الفقه في الدين ، فيقول:(خاصَّة الفقه في الدين...معرفة حكمة الشريعة ومقاصدها ومحاسنها) (الفتاوى :11/354)
فمن المهم أن نعقل تلك الحقيقة الربانية ، ونعلم أنَّ من تمام العبودية لرب الخلق والبرية ، أن تكون عباداتنا خالصة لوجهه الكريم ، وعلى سنَّة خير المرسلين محمد بن عبد الله عليه من ربنا أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وأن تكون تلك العبادات معينة على زيادة الإيمان ، ليكون لها تأثيرٌ جليٌّ على النفوس والأبدان، وإلا كانت عباداتنا عادات ، وحينها فليخشَ المسلم على نفسه من مشابهة أهل النفاق ، الذين يصلون ويركعون ويحجون ومع ذلك لا يُكتب لهم في رصيد الدرجات حسنات ، بل معاصٍ وسيئات ، وسبب ذلك أن تلك العبادات لم تخالط سويداء قلوبهم، فصيَّرتهم إلى ماصيَّرتهم:(صمٌّ بكم عمي فهم لا يعقلون).
كما أنَّه من اللازم لنا حيث أنَّنا عبيد لله ـ سبحانه ـ أن نقرَّ بوجوب التسليم للنصوص الشرعية ، سواءٌ أدركت الحكمة أو لم تُدرك ، وأن نعلم أنَّ تلك العبادات شرف لنا ، ورفعة لمقامنا عند ربِّنا، بل إنَّ من تمام حرِّيتنا لله كمال عبوديتنا له سبحانه ، وقد أحسن القاضي عياض حين قال:

ومـمّـَا زادني شـرفاً وتـيـهـاً *** وكدت بأخمصي أطؤ الثريَّا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيَّرت أحمد لي نبـيـاً
ومن هنا ، فإنَّ الصوم شرع لمعانٍ سامقة، وحكم برَّاقة، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ:(والمقصود:أنَّ مصالح الصوم لمَّا كانت مشهودة بالعقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، شرعه الله لعباده رحمة بهم ، وإحساناً إليهم ، وحمية لهم وجُنَّة)(زاد المعاد2/30) ولعلي أطرِّز مقالي هذا بشيء من تلك الفوائد والحكم ليتبًّين من خلاله روعة الشريعة الإسلامية ، ومحاسنها ؛ فمن تلك المقاصد والحكم:

1ـ تحقيق التقوى بعبودية الله ـ عزَّ وجل ـ:
وذلك لأنَّه عبادة يتقرب بها العبد لربِّه بترك محبوباته ، وقمع شهواته ، فيضبط نفسه بالتقوى ومراقبة الله ـ سبحانه وتعالى ـ في كل مكان وزمان ، ولهذا يقول المولى سبحانه:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
وإذا تأمَّلنا أمره ـ تعالى ـ لعلَّنا نستنتج أنَّ هذا ـ والله أعلم ـ من باب التسلية للمؤمنين حين أوجب عليهم الصيام ، فبيَّن لهم أنَّه قد فرض الصيام على من كان قبلهم من الأمم في الدهور المنصرمة، فلا يتعجبوا حين فرض عليهم الصوم، ثمَّ قال تعالى:( لعلكم تتقون) وهذا هو المقصد الأسمى ، في حكمة مشروعية الصيام.(فهو لجام المتَّقين ، وجُنَّة المحاربين ، ورياضة الأبرار والمقرَّبين ، وهو لربِّ العالمين من بين سائرالأعمال ، فإنَّ الصائم لا يفعل شيئاً ، وإنَّما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده ، فهو ترك محبوبات النفس وتلذُُّّذاتها إيثاراً لمحبَّة الله ومرضاته ، وهو سرٌّ بين العبد وربه لا يطَّلع عليه سواه ، والعباد قد يطَّلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة ، وأمَّا كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده ، فهو أمر لا يطَّلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم) كما يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد(2/29).
ولهذا فإنَّ من تقوى المسلمين الصائمين لربِّهم أنَّهم لو ضربوا على أن يفطروا في شهر رمضان لغير عذر لم يفعلوا ، لعلمهم بكراهية الله لإفطارهم في هذا الشهر ، ولا ريب أنَّ هذا كما قال ابن رجب:(من علامات الإيمان حيث يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أنَّ الله يكرهه)( لطائف المعارف/صـ288) بل إنَّ هذا من أبلغ حكم الصيام لتدريب النفس على التقوى ومحاسبة النفس على التقصير والنقص.
وصدق الله ـ ومن أصدق من الله قيلاً ـ حين قال عن حكمة تشريع الصوم:( لعلَّكم تتقون)، فإنَّ من أعظم العبادات التي يتدرب بها العبد على ممارسة التقوى والتكيف معها هي عبادة الصيام، ولأجل ذا صار من أعظم الطاعات وأجل القربات ، ليكون الصائم مقبلاً على الله تعالى ، خاضعاً بين يديه ، ومجاهداً نفسه ومحاسباً لها في تقصيره ، فتكون نتيجة من نتائج التقوى ، وقد قال ميمون بن مهران ـ رحمه الله ـ:(لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه) ذكره أبو نعيم في الحلية ، وابن أبي شيبة في المصنف.
وحينئذٍ يرتقي الإنسان لمسالك العبودية ، ومدارج التميز ، لأنَّه حفظ هذه الأمانة ، وجعلها منتصبة تجاه عينيه ، ولذا صار الصيام سراً بين العبد وربه ؛ لأنَّه قد يخلو الإنسان بنفسه فيكون عنده مثلاً شيء من الطعام ، فتتحرك غريزة الأكل لديه ، فيقمعها بسلطان التقوى ، ويلجمها بلجام المراقبة، فإنَّ عبادة الصوم هي عبادة السر، ولهذا يقول الله ـ تعالى ـ في الحديث القدسي الصحيح:(كل عمل ابن آدم له إلاَّ الصوم فإنَّه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ) أخرجه الشيخان.
فيكون هذا الترك لأجله ـ تعالى ـ طريقاً موصلاً بنا إلى الجنة ومكفِّراً لذنوبنا، وقد قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم:(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه البخاري ومسلم ، ومعنى إيماناً: أي إيماناً بوجوبه ، ومعنى احتساباً: استشعاراً بالأجر عند ربِّه، كما قاله العز بن عبدالسلام في كتابه مقاصد الصيام(صـ34)
ويكفي أنَّ العبد المؤمن يشعر بصيامه أنَّه عبد لله حقَّاً، فإنَّ كمال الحرية في تمام العبودية لله ، فلا يأكل الإنسان إلا إذا ابتدأ الوقت الذي بيَّنه الله أنَّه وقت للإفطار ، ولا يصوم إلاَّ إذا ابتدأ وقت الصيام ، فهي عبودية كاملة لله ، وأمانة يؤدِّيها العبد لربِّه ، ولهذا يقول المصطفى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ:(إنَّ الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته) أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود بسند حسن.
والحقيقة أنَّ هناك بعض المسلمين يفرِّط في حفظ هذه الأمانة التي استرعاه الله إيَّاها، (فقد حصل من الإنكليز أكثر من مرَّة امتحان العمَّال المسلمين بين الصيام وبين خيانة الله فيه ، وذلك بإغرائهم بمضاعفة الأجور للمفطرين حتَّى إذا انتهى الشهر عكسوا الأمر ، فضاعفوا أجور الصائمين ، ونقصوا المفطرين أو طردوهم ، مع التصريح لهم أنَّهم خونة خانوا دينهم) كتاب (الصوم مدرسة تربِّي الروح للشيخ: عبدالرحمن الدوسري/ صـ36)
والشاهد من هذا أنَّ المسلم ينبغي أن يلازم صيامه بتقوى الله في السِّر والعلن ، وأن يكون صيامه على منهاج النبوَّة والسنَّة المحمدية ، ولهذا فمن يصوم زيادة على ما قدَّره الشارع الحكيم ـ كمن يصوم من الفجر إلى العشاء ـ فإنَّه ليس من الصوم الذي شرعه الله واتُّقِيَ به، وكذلك من يفطر بعد صيامه على ما حرَّم الله كمن يفطر على الدخان أو الخمر أوغير ذلك من المسميات الخبيثة ، فإنَّه لا يعتبر ممَّن جرَّه صيامه للتقوى وملازمة مراقبة الله ، وإن كان صيامه ولا شك وفطره على محرَّم أحسن حالاً ممن لا يصوم ويأكل المحرم.
وقد ذكر العلماء أنَّ الفارابي ـ وهو فيلسوف معروف كانت له طريقة ضالة في العقيدة وكان موسيقاراً مشهوراً يجيد العزف على آلات الموسيقى والطرب المحرمة ـ قد لزم في آخر عمره الصيام ، إلاَّ أنَّ صومه لم يجرَّه للتقوى ؛ لأنَّه كان يفطر على الخمر المعتَّق ـ والعياذ بالله ـ فأين الفائدة إذاً من ذاك الصيام ، إلاَّ الوقوع فيما حرَّم الله ؟!

2ـ تزكية النفس:
من مقاصد الصيام الجليلة أنَّّ فيه تزكية للنفس وتنقية لها من الأخلاق الرذيلة ؛ خاصَّة أنَّه شرع في شهر من خصوصيَّاته تصفيد الشياطين ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قال:(إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنَّة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين) أخرجه البخاري ومسلم.
ولهذا يضيِّق الصوم مجاري الشيطان في بدن الإنسان ـ وكما هو معلوم ـ فإنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، إلاَّ أنَّه بالصيام يضعف نفوذه ، فإذا أكل المرء أو شرب انبسطت نفسه للشهوات ، وضعفت إرادتها ، وقلَّت رغبتها في العبادات، وفي الحديث:(إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) زاد بعضهم:(فضيِّقوا مجاريه بالصوم) والزيادة هذه باطلة لا أصل لها، ولكن العلماء قالوا: إنَّ التضييق عليه يكون بتضييق مجاريه بالجوع ومنه الصوم ، فالجوع يكسر الشهوة ، ومجرى الشهوات الشيطان ، ولهذا كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يوصي الشباب ـ والذين تموج بهم عواصف الشهوات ، وتكون غرائزهم مهيأة لاقترافها أكثر من غيرهم ـ بالزواج ؛ فإن لم يستطيعوا إليه سبيلاً ، فإنَّ أنجع طريق لهم مقيِّدة لشهواتهم وكسر حدَّتها ؛ الصوم ؛ فيقول ـ عليه السلام ـ:(يا معشر الشباب : من استطاع منكم الباءة فليتزوج ؛ فإنَّه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنَّه له وجاء) أخرجه البخاري(4/101) ومسلم(1400)
يقول ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ :(وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة ، والقوى الباطنة ، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحَّتها ؛ فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات)(زاد المعاد2/29)
ويقول الإمام الكمال بن الهمام ـ أحد فقهاء الحنفية ـ في فوائد الصوم:( أنَّ الصوم يسكن النفس الأمَّارة بالسوء ويكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج ؛ ولذلك قيل: إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء ، وإذا شبعت جاعت كلُّها)ا.هـ من فتح القدير.
ومن جميل ما اطَّلعت عليه من أبحاث أحد علماء الإعجاز العلمي أنَّه ذكر في سبب ترغيب رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ للمسلمين أن يصوموا الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر هجري ،أنَّ البحر يمد في هذه الأيام لضوء القمر بقدرة الله ـ عزَّ وجل ـ ويصيب البحر الجزر في الليالي الظلماء ، وكذلك الدم فإنَّه يزيد ضخه في هذه الأيام فأمر ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالصيام ؛ لأنَّ الشيطان يزيد من عتوِّه ، وكلام هذا العالم جيد ولا يعارض النصوص ؛ ولله الحمد والمنة.
شاهد المقال: أنَّ للصوم تأثيراً كبيراً في دفع الشهوات وكسر حدَّتها ، ولهذا يقول المصطفى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(الصوم جُنَّة) أخرجه البخاري(4/87،94) ومسلم:(1151) ومعنى جُنَّة: أي درعٌ واقية من الإثم في الدنيا ، ومن النار في الآخرة ، وفي الحديث الآخر:(الصيام جنة من النار كجنَّة أحدكم من القتال) أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبَّان عن عثمان بن أبي العاص ، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع(3879) ، وفي الحديث الآخر:(الصيام جنَّة ، وهو حصن من حصون المؤمن ) أخرجه الطبراني عن أبي أمامة ، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع:(3881)
ويعجبني ما قاله الشيخ الدكتور: مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ حين ذكر حديث:(الصوم جنَّة) ثم عقَّب قائلاً: فقد قدَّم الحكمة من الصيام ثمَّ بيَّن آدابه ، ليكون أوقع في النفس وأعمق أثراً ، وليكون المؤمن أكثر اطمئناناً إلى العبادة حين يؤدِّيها ، وإلى التشريع حين ينفذه) (أحكام الصيام وفلسفته: للسباعي/ صـ 53)
وإذا كبَح الصوم المعاصي نال العبد منزلة راقية في العبودية لله ؛ لأنَّ الصوم ـ الذي يراد به مجرد الإمساك عن الطعام والشراب ـ يستطيعه كثير من الناس ، بيدَ أنَّه ـ سبحانه ـ أراد من عباده أن يكون صومهم منقياً لهم من المعاصي وما دار في فلكها، وقد ذكرالإمام ابن حجر العسقلاني أنَّ العلماء:(اتفقوا أنَّ المراد بالصيام صيام من سلم صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً)والحقيقة أنَّ الناس انقسموا في الصيام إلى عدَّة أقسام: فمنهم من يكون صيامه الإمساك عن الأكل والشرب فقط ، إلاَّ أنَّه مرتكب للفواحش مطلق بصرَه لما حرَّم الله من النظر إلى النساء اللاَّتي لا يحللن له ، وبعضهم قد أرخى لأذنه لكي تستمع للأغاني المحرمة ، ولا يخفى على ذي لبٍّ ما فيها من الفسق والكلام الفاحش ، وبعضهم أطلق لفمه العنان فينطق بالكلام الساقط ، والعبارات الرذيلة ، والغيبة والنميمة والكذب ؛ فهل هذا صيام من أراد جنَّة الرضوان ؟
وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ حين قال:(رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظُّه من قيامه السهر والتعب)أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة(2/373،441) وابن ماجه في سننه برقم(1690) بسندٍ جيد ، وانظر صحيح الترغيب(1070).
إذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمت
فحظِّي إذاً من صومي الجوع والظما فإن قلت : إني صمت يومي فما صمت
ولهذا فإنَّ هؤلاء الذين فرَّطوا بصيامهم يعتبرون محرومين في شهر الصوم ، مفلسين في شهر الجود والإحسان ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مرَّة لأصحابه :(أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم:(المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا ، فيُعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ثمَّ طرح في النار) أخرجه مسلم.
والمقصد: أنَه ينبغي على المرء أن يكون بكليَّته صائماً عمَّا حرَّم الله في شهر رمضان وفي غيره من الشهور ؛ فإنَّ رمضان هو المحطة السنوية للغسيل الروحي ، وليس يعني ذلك أنَّ المسلم إذا صام عن المحرمات في رمضان ، أنَّه يجوز له أن يقترف ما حرَّم الله من المعاصي والموبقات في غير هذا الشهر ؛ فليكن رمضان زاداً إيمانياً لكل الشهور القادمة من بعده ، ودورة تربوية يزداد فيها رصيد العمل الصالح ، ويكثر فيه محاسبة النفس ومنعها من الحرام ، وقد قال الله:( فأمَّا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإنَّ الجنَّة هي المأوى).
أمَّا إذا كان صوم المسلم عن المحرمات في هذا الشهر ، ومن ثمَّ إذا أدبرت شمس اليوم الأخير منه ، عاد إليها كما لو أنَّ شيئاً لم يكن ؛ فإنَّه لا يناسبه إلاَّ ما قاله الإمام أحمد والفضيل بن عياض: بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلاَّ في رمضان.
فليتَّق الله هؤلاء وليخشوا نقمته ، وليعلموا أنَّ ذلك لن ينجيهم من عقاب الله وحسابه، وممَّا يعجب له المطَّلع على أحوال بعض العوام حيث يحفظ هؤلاء حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ :(الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهنَّ ) ثم يقفون عند هذا الحد، وينسون أو يتناسون تكملة هذا الحديث:( إذا اجتنبت الكبائر).
فليدرك الإنسان نفسه ، وليجدد توبته لربه وليبتعد عن منكرات الأخلاق والأقوال والأعمال؛ فإنَّ رسول الهدى ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول:(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)أخرجه البخاري. ويقول:(فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ؛ فإن سابَّه أحد أو شاتمه فليقل:إني صائم) أخرجه البخاري ومسلم.
وقد ذكر الإمام ابن رجب ـ رحمه الله ـ أنَّ بعض السلف قال:(أهون الصيام ترك الشراب والطعام ، وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ، ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء!!) لطائف المعارف(صـ/292)
وقد وقعت أثناء بحثي في هذا الموضوع على كلام جيد للإمام أبي حامد الغزالي ـ وإن كان فيه شيء من النَّفَس الصوفي ـ حيث قال في كتابه إحياء علوم الدين:(اعلم أنَّ الصوم ثلاث درجات : صوم العموم ، وصوم الخصوص ، وصوم خصوص الخصوص . فأمَّا صوم العموم فهو كفُّ البطن والفرج عن قضاء الشهوة ، وأمَّا صوم الخصوص فهو كفُّ السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام ، وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عمَّا سوى الله عزَّ وجلَّ بالكلية)إحياء علوم الدين(1/328) فالحذر كلَّ الحذر من إبطال الصيام بالموبقات ، وقد كان بعض العلماء يرى أنَّ الغيبة تبطل الصيام ويحتاج المرء لقضاء هذا اليوم الذي فاته.
قال مجاهد بن جبر المكي ـ رحمه الله ـ:(خصلتان تفسدان الصيام: الغيبة والكذب ، وقال سفيان الثوري: الغيبة تفسد الصوم)إحياء علوم الدين(1/329)
صحيح أنَّ القول الراجح أنَّ الغيبة لا تفطر الصائم ؛ بمعنى أنَّ من اغتاب لا يلزمه قضاء يوم مكان ذلك اليوم الذي اغتاب فيه ، بيد أنَّ شهر رمضان تعظَّم فيه ارتكاب المعصية باعتبار لأنَّه اقترف هذه المعاصي في زمن شريف ، ولهذا ما على من فعل ذلك إلاَّ كثرة الاستغفار، ودعاء الله ـ عز وجل ـ أن يتوب عليه وأن يغفر له ذنبه ، وقد روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ:(الغيبة تخرق الصيام ، والاستغفار يرقعه ، فمن استطاع منكم أن يجيء بصوم مرقع فليفعل).علَّق الإمام ابن رجب على هذا الأثر قائلاً: (فصيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع، وعمل صالح له شافع، كم نخرق صيامنا بسهام الكلام ، ثمَّ نرقعه ، وقد اتسع الخرق على الراقع والمقصود أنَّ من أراد الصوم الحقيقي فليحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه وفرحه برؤيته:

أهل الخصوص من الصوام صومهم *** صون اللسان عن البهتان والكذب
والعارفون وأهل الأنس صومهم *** صون القلوب عن الأغيار والحجب)
لطائف المعارف/صـ314

3ـ تذكر المحرومين ومواساتهم:

إنَّ الصيـام مواسـاة وإحســانٌ *** قـضـى بــذلــك قـرآن وبــرهـان
نعم الصيام مع المعروف تبذله *** وليس فيه مع الحرمان حرمـان
من مقاصد الصيام الجليلة أنَّ فيه تجربة لمقاساة الحرمان والجوع ، وتذكُّر الفقراء الذين يقاسون الحرمان أبد الدهر ، فيتذكر العبد إخوانه الفقراء وكيف أنَّهم يعانون الأمرَّين من الجوع والعطش ، قال العلامة ابن الهمام عن الصائم:(إنَّه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ، ذكر مَنْ هذا حالُه في عموم الأوقات ، فتسارع الرقة عليه)(فتح القدير2/42)، ومن تدبر ذلك هيَّأ قلبه لمواساة الفقراء بالمال والإطعام والتصدق والبذل والجود والإحسان ؛ لأنَّهم إخوانه المؤمنون ، وهذا من أعظم التكافل الاجتماعي ، والذي يجعل العبد يشعر بشعور معاناة أخيه الفقير ومعدوم المال، وقد ذكر ابن رجب ـ رحمه الله ـ عن بعض السلف أنَّه سئل :( لِمَ شُرِع الصيام؟ فقال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع.)لطائف المعارف/صـ314.
ورحم الله الإمام القسطلاني حين كتب:(وإنَّما يجد ذوق التعب من نازله ، ويعرف قدر الضرر من واصله ، وفي مثل ذلك قيل:
لا يعرف الشوق إلاَّ من يكابده *** ولا الصبابة إلاَّ من يعانيها)
(مدارك المرام في مسالك الصيام/ للقسطلاَّني/صـ74)
فما أجمل مقصد الشارع الحكيم في مشروعية الصوم ، ولا ريب أنَّه يسبب تآلف أرواح الصائمين ، وليس شيء أقوى من هذه الإرادة المتينة ، فأين نحن إذاً من شعورنا بمعاناة إخوانٍ لنا فراشهم الأرض ، ولحافهم السماء ، وأكلهم ضئيل ، وزادهم أقلُّ من القليل ، أفلا يليق بنا أن نشعر بمعاناتهم ، ونكون ممَّن يواسيهم ، خاصَّة أنَّ العلماء ذكروا أنَّ من أسماء هذا الشهر:(شهر المواساة) حيث يواسي فيه الأغنياء ، إخوانهم الفقراء والمعدمين. ونتأسَّى برسول الهدى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حيث إنَّه كما ذكر ابن عبَّاس ـ رضي الله عنه ـ قال:(كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان ) أخرجه البخاري (1902) ومسلم(2308)
ولهذا استحبَّ العلماء تفطير الصائمين المساكين خصوصاً ، والمسلمين الموسرين عموماً لإطعامهم ، والشعور بالتكافل الاجتماعي فيما بينهم ، وتوثيق الروابط الاجتماعية لديهم ؛ فقد أخرج البيهقي بسنده عن أمِّ عمارة بنت كعب الأنصارية أنَّ النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ دخل عليها فدعت له بطعام فقال لها : كلي ، فقالت: إني صائمة ، فقال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ:(إنَّ الصائم إذا أُكِل عنده صلَّت عليه الملائكة حتَّى يفرغوا) السنن الكبرى(4/305) وفي رواية الترمذي وزاد:(وربَّما قال: حتَّى يشبعوا) أخرجه الترمذي وحسَّنه. وليس معنى تفطيرالصائم هو أن تعطي صاحبك أوالفقير بضع تمرات ورطبات وماء، بل معنى ذلك أن تفطر الصائم وتشبعه كما ذكر الإمام ابن تيمية ، حيث قال:( والمراد بتفطيره أن يُشبعه)(الاختيارات الفقهية/ ص109) ويستدل لذلك بما في الحديث المذكور آنفاً.
ومن الأحاديث الدالَّة على استحباب تفطير الصائم ، قوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ:(من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنَّه لا ينقص من أجر الصائم شيء)أخرجه الإمام أحمد(2/174) وصحَّحه الألباني في الإرواء(1415) ، ومنها حديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ، مرفوعاً إلى رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ:(من سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتَّى يدخل الجنَّة).
والمراد أنَّ من بيده شيئاً من المال الفائض فليقدم شيئاً منه لإخوانه الذين لا يجدون ما يأكلون وما يطعمون ، وإنَّ من خير التصدق ؛ التصدق في شهر الصوم ، حيث يضاعف الله فيه الدرجات ، ويزيد الحسنات ، ومن هذا المنطلق فإنَّ أهل العلم كانوا يستحبُّون استحباباً كبيراً التصدق في هذا الشهر، قال الإمام الشافعي: أحبُّ للرجل الزيادة بالجود في رمضان ، اقتداءً برسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم!(لطائف المعارف/صـ315)

4ـ حفظ الصِّحَّة:
من حِكَمِ الصيام ؛ أنَّ فيه فوائد صحية كثيرة وفيه راحة للبدن ، وإجازة للجهاز الهضمي لإعطائه فترة من الزمن يستريح فيها من الامتلاء والتفريغ فيحصل له استجمام وراحة يستعيد بها نشاطه وقوته ، ولا شك أنَّ المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء، كما قال طبيب العرب الحارث بن كلدة.
وليس من شكٍّ أنَّ الصوم فيه صحَّة وراحة للإنسان ، وأنَّه مقاوم لأمراض عدَّة قد تجتاح جسم الإنسان ، أو أنَّه يخفف من وطئتها إذا ابتلي بها الجسم ، ومن فوائد الصيام الصحية : الوقاية من الأمراض وخاصة أمراض المعدة ، وزيادة الوزن ، وزيادة الدهون ، وزيادة الضغط ، والسكري ، والتهاب المفاصل.
ولهذا فإنَّ بقراط الملقب بأبي الطب اليوناني قد استعمل الصوم كعلاج خلال الأيام الأولى من المرض ، وكان يصف أنواعاً مختلفة من الصوم تتناسب مع المرض الذي يصاب به الشخص المريض(انظر: الصوم علاج كلِّ الأمراض ـ للدكتورة: أميَّة لحُّود: صـ8).
تقول الدكتورة(أميَّة لحود):(لقد أجريت عدَّة تجارب على بعض الطلاب ، أثبتت أنَّ الصوم لفترة قصيرة يزيد في قدرة هؤلاء الطلاب الذكائية والفكرية ، ويجعل منهم طلاباَ يملكون منهم قدرة أكثر على استيعاب دروسهم وحفظها ، أمَّا السبب لكل هذا فهو أنَّ الصوم يتيح للجسم أن يطرح كل السموم المتراكمة ، فيصبح الدم نقياً ، ويتغذى به الدماغ بطريقة أفضل) (الصوم علاج كل الأمراض/ صـ19ـ20)
ولا ريب أنَّ ذلك يوضح عظمة الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ في أنَّه ما شرع لنا شيئاً إلا وفيه من سبل الخير والنفع الشيء الكثير.
ولقد وعى الأطباء أهمية الصوم وصاروا يقدمونه على كثير من أنواع الأدوية والعلاج ، فيقول الدكتور(نيكولاي):(إنَّه من المهم أن نطلب من المريض أن يصوم ويخسر بعضاً من وزنه من أجل أن يحصل على الشفاء التام ، خير من أن نملأ بطنه بالعقاقير والأدوية وجميع أنواع الغذاء).
بل إنَّ الدكتور(وولف بايير)الألماني وضع كتاباً عنوانه:(العلاج بالصوم علاج المعجزات) وأكَّد أنَّ الصوم ، هو الواسطة الأكثر فعالية من أجل القضاء على كل الأمراض، وساوى أهمية الصوم بأهمية الجراحة).
وقد ذكرالشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ عن بعض أطباء الإفرنج أنَّه قال:(صيام شهر في السنة يذيب الفضلات الميتة في البدن منذ سنة) تفسير المنار(2/145)
وفي هذا يقول الدكتور: محمد محمد أبو شوك في مقالة له:(الصوم والجهاز العصبي):(فإلى من يتردَّدون إلى عيادات الأطبَّاء ، طلباً لدواء يذهب عنهم التوتر العصبي ، والأرق ، والكآبة ، وغيرها من الأمراض ، التي تذهب بالعقول ؛ هاكم رمضان ، لو تمسَّكتم بروحانيته ، وما يضفيه على نفوسكم من خير لما احتجتم في يوم من الأيام ، إلى ما لا نهاية له من علاج ودواء) بيدَ أنَّ بعض الناس لا يعطون لهذا الشهر مقصده من ذلك لترويض النفس على التقلُّل من الأكل ، كما ذكر الإمام الغزالي بأنَّ(مقصود الصوم الخواء ، وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى)إحياء علوم الدين(1/230)
والعجب حين تجد كثيراً من الناس حين يقدم هذا الشهر المبارك يذهب إلى السوق ويشتري من الحاجيات ما يفوق شراءه لأكثر من ثلاثة أشهر ، من المأكولات والمشروبات والحلويات وما إلى ذلك ، وكأنَّ هذا الشهر شهر أكلات ووجبات ! ولهذا زادت كثير من أمراض الناس لكثرة أكلهم ، حتَّى إنَّ الإنسان لو ذهب إلى المسشفيات لوجد أنَّ أكثرها من قسم الباطنية والأمراض المتعلقة بكثرة الأكل والشرب ، حتَّى إنَّه صار ملحوظاً كثرة السمنة والترهل بسبب كثرة المطعومات وإدخال الطعام على الطعام ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول:(وكلوا واشربوا ولا تسرفوا). قال بعض العلماء :(جمع الله بهذه الآية الطبَّ كلَّه)
وقد كان أسلافنا الكبار ينهون عن كثرة الأكل ؛ فقد قال لقمان لابنه:(يا بني ! إذا امتلأت المعدة ، نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة). وقال حاتم الطائي وهو المشهور بكرمه:

فإنَّك إن أعطيت بطنك سؤله *** وفرجك نالا منتهى الذمِّ أجمعا
ولهذا فقد ذكر علماء الطبِّ أنَّ تناول الفطور حتَّى الشعور بالتخمة يؤدِّي إلى إفساد الفوائد الصحية للصوم ، ولهذا فإنَّه ينبغي على المسلم أن يكون محافظاً على تلك الفوائد المجنية من شهر الصيام ، ولا يفسدها بكثرة الأكل والإسراف في المشتريات من المطعومات ، ولقد قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني:(من الإسراف الأكل فوق الشبع ، ومن الإسراف الاستكثار من المباحات والألوان ، ومن الإسراف أن يضع على المائدة من ألوا ن الطعام فوق ما يحتاج إليه الأكل)(كتاب الكسب للشيباني/ صـ 79ـ83).
فهل يعي المسلمون أنَّ هذا من الإسراف؟! وإنَّ المرء ليستغرب من الكثير من أبناء المسلمين ، حين يجدهم يتهافتون على الأكل من أصناف عديدة بعد صيامهم ، وكأنَّهم لم يأكلوا مدَّة شهر، ولو نصحهم أحد بتخفيف ما يأكلونه ، وعدم الإسراف فيما يقدِّمونه من مطعم ومشرب ، لضجُّوا وأكثروا ، وقالوا ألا تعلم أنَّنا قد صمنا عشر ساعات فأكثر ، ولم نطعم أكلاً ولا شراباً؟ فعجباً من هؤلاء، وحقَّ أن يقال فيهم مقولة الشيخ:أحمد شهيد الحلبي باللهجة الشاميَّة:(نأكل بالأرطال ، ونشرب بالأسطال ، بدنا نكون أبطال ، هذا شيء بطَّال!!)

5ـ تقوية الإرادة وتحقيق الصبر:
من مقاصد الصيام التحلي بفضيلة الصبر ، وتقوية الإرادة ، فالصيام كما قال السباعي ـ يرحمه الله ـ (رجولة مستعلنة وإرادة مستعلية) (أحكام الصيام / صـ89) وحين خرج قوم طالوت معه للجهاد في سبيل الله ومقاتلة عدو الله جالوت ، ابتلى الله ـ عز وجل ـ قوم طالوت بالصوم والإمساك عن الشرب من النهر ، وأنَّ من شرب منه لم يستطع أن يجاهد شهوة نفسه ويصبر عليها ؛ فكيف يريد أن يجاهد الكفار أعداء الله ـ عز وجل ـ ، ومن مرَّ من هذا النهر وصبر وصابر على الصوم فإنّهَ سينال شرف الجهاد في سبيل الله ، والانتصار على الكفار.
ولهذا قال تعالى:(فلما فصل طالوت بالجنود قال إنَّ الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلاَّ من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلاً منهم ) وهؤلاء القليل الذين لم يشربوا من هذا النهر وصبروا على ذلك هم الذين نالوا العز والمجد والنصر على قوم جالوت الكافرين.
ومن هنا فإنَّ الصوم من أعظم المدارس التربوية التي تعين المرء على التربي على فضيلة الصبر والمصابرة ، كيف وأنَّه تعالى قال:(واستعينوا بالصبر والصلاة) وقد فسَّر بعض العلماء الصبر المقصود بالآية بأنَّه:الصوم ، قال ابن رجب :(فإنَّ الصيام من الصبر، وقد قال الله ـ تعالى ـ:(إنَّما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب)) لطائف المعارف/صـ283) وقد جمع الله في هذه المدرسة أنواع الصبر الثلاثة التي ذكرها العلماء وهي:
أ ـ الصبر على طاعة الله ، بأن تصبر نفسك على هذه الطاعة ، وتصومها إيماناً بالله ، وابتغاء لدرجاته ، واحتساباً لثوابه .
ب ـ الصبر على معصية الله ، وذلك بأن يتعود العبد على الصوم عمَّا حرَّم الله ـ عزَّ وجل ـ في هذا الوقت من أكل المفطرات التي تفسد صومه ، أو الصبر على المعاصي والفواحش والذنوب وموبقات الأعمال ؛ فكلما أراد أن يفعل العبد معصية تذكر أنَّه في صوم وعبادة فيصبر نفسه على عدم فعلها ابتغاء لثوابه سبحانه.
ج ـ الصبر على أقدار الله ، وهذا أمر واقع في الصوم فإنَّ الله عزَّ وجل قد قدَّر على المسلمين الصيام ، وألزمهم به ، فيلزمهم أن يطيعوا الله ، ويستسلموا لأوامره ، وينقادوا لأقداره ، ومن ذلك ما يلاقيه المسلم من الجوع والعطش في تأدية هذه العبادة.
وقد ورد كما عند الترمذي وحسَّنه ، وابن ماجه:(إنَّ الصوم نصف الصبر) وجاء في الحديث:(صوم شهر الصبر ، وثلاثة أيام من كل شهر ، يذهبن وحر الصدر) أخرجه البزار عن علي وابن عباس ، وأخرجه الطبراني والبغوي عن النمر بن تولب (انظر صحيح الجامع الصغير(3804))ومعنى وحر الصدر:أي غشَّه ووساوسه، وقيل: الحقد والغيظ، والله أعلم.
فإذا صبر الإنسان على ذلك فإنَّ الله يوفيه أجره بالثواب الجزيل ، والخير العميم ، وقد قال تعالى:( ذلك بأنَّهم لا يصيبهم ظماٌ ولا نصبٌ ولا مخمصة في سبيل الله ولا ينالون من عدوٍّ نيلاً إلاَّ كُتِبَ لهم به عمل صالح).
وحيث أنَّ الصوم مدرسة للصبر ، فهو أيضاً مدرسة لتربية الإرادة ، (وقد وضع أحد المفكرين الألمان كتاباً في تقوية الإرادة ، فجعل الصوم هو الأساس ، وذهب فيه إلى أن الصوم هو الوسيلة الفعَّالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد ، فيعيش المرء وهو قوي الإرادة ، متصلب العزيمة)(الصوم مدرسة تربي الروح ـ للشيخ: عبدالرحمن الدوسري).

6ـ التدريب على الدقَّة والنظام واحترام المواعيد:
ويكفي شاهداً على ذلك قوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ :(إذا أذن بلال فلا تمسكوا ، ولكن أمسكوا إذا أذَّن ابن أم مكتوم ) أخرجه البخاري ومسلم ، والفرق بين أذان ابن أم مكتوم وأذان بلال كما في الحديث:(ما بينهما إلاَّ أن ينزل هذا ويصعد هذا)!
فلنتأمَّل هذه الدِّقة في كيفية الإمساك عن الطعام وقت الصوم من خلال هذا الحديث ، لكي تتربى النفوس على دقة المواعيد ، وعلى الاهتمام بالأوقات ، إلاَّ أنَّه ويا للأسف قد دارت رحى الأيام واستلقت على القاع القمم ، فصرت ترى الكفرة والملحدين ، يطبقون هذا الخلق الجميل فيما بينهم ، فهذا هرتزل خطَّط بأن يقيم منظمة صهيونية خلال خمسين سنة فأفلح ومن معه في إنشائها بل أقام دولة كاملة(إسرائيل) في أقل من خمسين سنة !
فيتوجب علينا أن نستفيد من الهدي النبوي في أهمية الانضباط في المواعيد ، والاهتمام بترتيب الأوقات ، ليكون ذلك ديدننا مدى العمر.

7ـ تجديد الطاقة ، وتوجيه الهمَّة نحو العمل:
ومن مقاصد هذا الشهر تعويد البدن على العمل والحركة والنشاط ، وكثرة الطاعات ، وألوان العبادات ، وأشكال البر والخيرات ؛ ذلك أنَّ في هذا الشهر حيوية واضحة ، ودورة إيمانية تربوية لائحة.
ويعجبني ما قاله الدكتور: بدران الحسن في مقال له بعنوان:( رمضان وتوحيده الأمَّة ثقافياً واجتماعياً) حيث يقول:(إنَّ رمضان يعلِّم الناس الإنجاز العملي ، والإعراض عن الخوض في ما لا ينفع من القول ، أو بتعبير مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ إنَّ رمضان يعلِّمنا ( المنطق العملي) فنتحوَّل من القول وفق ما يقول القرآن ، إلى العمل بما يقول)ا.هـ.
ومن يلاحظ كثيراً من دور المسلمين وبيوتهم خلال هذا الشهر، فسيجد فيها الركود والتثاقل عن العمل ، أو أنَّ بعضهم يبدأ هذا الشهر بهمَّة وثابة ، وعزمة تواقة لكل خير ، وما أن تمضي خمسة أيام أو عشرة حتَّى تجد الركود قد سرى في جسمه ، والكلل بان على محياه ، والملل صار طابعه في العمل.
لكنَّ الملاحظ في حياة الصحابة والسلف الصالح ؛ قوَّة النشاط في تحري الخير ، وكثرة العمل الصالح في هذا الشهر ، ومن ذلك الغزوات والسرايا الكثيرة التي خرجت للجهاد في سبيل الله ، ومنها معركة بدر في اليوم السابع عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة ، وفتح مكة في اليوم العاشر من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ، وقد كان هذا في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ ثم أتت من بعده الفتوحات الإسلامية العظيمة ، التي شرَّفت وجه الأمة الإسلامية بكثرتها لإدخال الناس في سبيل الله ، وتحطيم الطواغيت التي تحول بين عوام الكفار وبين الدخول في الإسلام ، ومن هذه الغزوات وقعة البويب في السنة الثالثة عشرة من الهجرة ، وفتح النوبة في السنة الحادية والثلاثين من الهجرة ، وفتح الأندلس في الثانية والتسعين من الهجرة ، والفتوح الإسلامية للمسلمين في فرنسا في السنة الثانية بعد المائة من الهجرة ، وفتح عمورية في السنة الثالثة والعشرين بعد المائتين الهجرية ، وتوالت الفتوحات بعد ذلك بفتح حارم ، وصفد ، والمعركة العظيمة عين جالوت ، وفتح أنطاكية ، وفتح أرمينيا الصغرى ، ومعركة شقحب ، وفتح جزيرة قبرص في عهد المماليك ، وفتح البوسنة والهرسك ، وفتح بلاد الصرب وعاصمتها بلغراد.
كلُّ ذلك دليل واضح على أنَّ شهر رمضان ، شهر عبادة وعمل وفتوح وانتصارات ، لا شهر رفاهية ، وكثرة وجبات ، والتفنن في الأكلات ، حتَّى إنَّه لو قدم قادم من دولة كافرة ورأى كثرة ذهاب الناس للأسواق قبل بداية شهر رمضان ؛ لظنَّ أنَّ الشهر القادم شهر عيد وأعراس واحتفالات وتجمعات ، فنسأل الله المزيد من عفوه.
والمراد أنَّه ينبغي على أهل الصيام أن يشدوا عزائمهم في السير نحو كلِّ طاعة، ويواصلوا عملهم الصالح في هذا الشهر ، ويواكبوا مع تلك الأعمال الصالحة ، حسن الخلق والبشاشة في وجوه الخلق ، وقد أخرج الإمام أحمد في المسند بسند حسن أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال:(إنَّ الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) ، فما البال وأهل الصيام صائمون في شهر رمضان ، فماذا سيدركون مع صومهم وحسن خلقهم من الأجور الكثيرة ، والحسنات الغزيرة من الكريم المتعال ـ سبحانه وبحمده ـ ؟

نسأله ـ سبحانه ـ التوفيق والسداد ، والهدى والرشاد ، وعلى الله الاتِّكال ، ومنه الاستمداد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم أجمعين.


منقووول
أميرة الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-18-2010, 04:22 AM   #173
معلومات العضو
أميرة الورد

[..نـقـــاء الـزبــرجــــد..]

الصورة الرمزية أميرة الورد
رقم العضوية : 3091
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مجموع المشاركات : 4,455
قوة التقييم : 34
أميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to behold

هكذا رمضان وإلا فـَلا..!!!


للعلامة الدكتور:
محمد بن محمد المختار بن أحمد مزيد الشنقيطي - المدرس بالحرم النبوي الشريف وجامع الملك سعود بجدة..
ــــــــ




الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين ، وعلى آله وصحبه ، ومن سار على سبيله ونهجه ، واستن بسنته إلى يوم الدين ؛ أما بعد :

فاليوم -إن شاء الله- سيكون حديثنا عن شهر رمضان المبارك ، نسأل الله بعزته وجلاله أن يبارك لنا في شعبان ، وأن يبلغنا بفضله ومنه وكرمه شهر رمضان .

ولاشك أن المؤمن أحوج ما يكون إلى أن يعرف حرمة هذا الشهر العظيم ، وهذا الركن من أركان الإسلام الذي شرعه الله عز وجل لكي يسلكوا سبيلا إلى أحب الأشياء إليه وأعظمها قربة وزلفى لديه ألا وهو تقوى الله ، فصيام شهر رمضان المبارك طريق إلى التقوى ، وما خرج العبد من الدنيا بشيء أحب إلى الله وأكرم على الله من تقواه ، ومن اتقى الله –U- ؛ فقد أصاب سعادة الدنيا والآخرة ، وأفلح وأنجح وربحت تجارته ، والمتقون هم أولياء الله ، والمتقون هم صفوة الله من خلقه -جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وفضله .

هذا الشهر العظيم يتهيأ المؤمن بدخوله ، والقيام بحقه وحقوقه ، فيقف على آخر أعتاب شهر شعبان وهو لا يدري هل يدرك شهر الصيام أو يدركه ، ويقف وكله أمل في الله أن يبارك له في عمره ، وأن ينسئ له في أجله حتى يزاد الشهر ، حتى يزاد هذا الشهر في صحيفة عمله .

يقف المؤمن اليوم وهو أحوج ما يكون إلى أن يهيئ النفس إلى هذه الكمالات والباقيات الصالحات في شهر الصيام والقيام ، وما من عبد يلتمس طاعة الله –U- ويرغب في محبته إلا فتح الله أبواب الخير في وجهه ، وما من عبد صلحت لله سريرته وزكت لله نيته أنه يريد الطاعة إلا أعانه الله ووفقه، وسدده وأرشده ؛ خاصة إذا أراد الطاعة من قلبه خالصة لوجه ربه؛ وخاصة إذا أراد الطاعة، فسلك في تطبيقها والعمل بها سبيل السنة والصواب ، واقتفى أثر رسول الله وسنته في قوله وعمله ، وعبادته لربه، فسار على الصراط المستقيم، والسبيل القويم، يلتمس مرضاة ربه الحليم الرحيم .

يقف المؤمن اليوم وهو أحوج ما يكون أن يعرّف بفريضة الصيام ، ومن عرف حقيقتها وعرف ما لها من حرمة حريٌّ به أن يوفق بتوفيق الله –U- للقيام بالصيام والقيام على الوجه الذي يرضي الله .

والسعيد من وقف اليوم وهو يتذكر أنه مقبل على موسم من مواسم الرحمات ، وأن هذا الموسم تمنى الصالحون وابتهل المتقون أن يبلغهم الله أيامه ولياليه .

فهذا رسول الأمة يقف بين يدي ربه خاشعا متخشعا متضرعا يسأله فيقول : ((اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان )) كان يسأل ربه أن يبلغه رمضان ، وهذا يدل على أنه غاية، وأنه هدف منشود ، وأنه أمنية لعباد الله الصالحين .

من عرف أن الصيام ركن من أركان الإسلام تقال به العثرات ، وتغفر به السيئات؛ فإنه يتمنى شهر رمضان من قلبه ، ويضرع صادقا إلى ربه، أن يزاد في صحيفة عمله شهر آخر حتى يكون أعلى لدرجته ، وأعظم في مثوبته .

نريد أن نعرف ما هو الصيام ، وما هي منزلته عند الملك العلام سبحانه ذي الجلال والإكرام .

نقف أمام كلمة طيبة مباركة ، أمام كلمة ما تأملها مسلم ولا نظر فيها إلا عرف فضل هذا الشهر العظيم، وعرف فضل عبادة الصيام بالخصوص ؛ يقول : (( يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي )) .

((كل عمل ابن آدم )) ما ترك شيئا إلا جعل الله جزاءه ، ما ترك شيئا من الأعمال الصالحة إلا وعد الله سبحانه وتعالى الذي لا يخلف الميعاد أنه يجزي صاحبه الحسنة بعشرة أمثالها، وهذا أقل ما يكون من الجزاء ، وإلا فقد يضاعف أضعافا كثيرة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فكم من عامل ينال من عمله الحسنات التي يُبوأ بها أعالي الدرجات التي لم تخطر له على بال (( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يلقي لها بالا يكتب الله له بها إلى يوم يلقاه )) .

((الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي )) تأمل أن الله –تعالى- قال : (( إلا الصوم )) فلم يبين كم جزاءه ، وكم مثوبته ، بل بدأ قبل أن يبين المثوبة ببيان فضله وشرفه فقال : (( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) .

اختلف العلماء في قوله : (( إلا الصوم فإنه لي )) فمن أهل العلم من يقول : إلا الصوم فإنه تمحض خالصا لله سبحانه وتعالى ، فالصلاة التي هي أفضل الأعمال يمكن أن يصليها الإنسان رياء ، ويمكن أن يصليها سمعة ، ولكن الصوم لا يمكن أن يصوم إلا لوجه الله ، لأنه يمكنه أن يتوارى عن الأنظار ، ويمكنه أن يختبئ وراء الأستار، ويمكنه أن يذوق لذته طيلة النهار، ولكنه يعلم باطلاع الملك القهار ، وأن الله يسمعه ويراه، وأنه لا تخفى عليه خافية، فتمحض مخلصا لله .

(( إلا الصوم فإنه لي )) قال بعض العلماء : فإنه لي أي جزاؤه لي، وكل الجزاء من الله سبحانه وتعالى ولكن خصه لعظيم فضله وشرفه ومكانته .

(( إلا الصوم فإنه لي )) لا يستطيع الملك أن يكتب كم أجر هذا الصوم؛ لأن الأمر لله وسيأتي يوم القيامة فيرى العبد جزاءه عن صيامه عند ربه سبحانه وتعالى .

في هذا دليل على أن شرف الأعمال وعظم الجزاء فيها موقوف على التوحيد والإخلاص، وأن أصدق الناس إخلاصا وعبودية لله سبحانه وتعالى في صلاته وزكاته وحجه وعمرته وعبادته وجميع شأنه أرفع عند الله قدرا ، وأعظم عند الله أجرا ، نعم إنهم الذين أرادوا الله ولم يريدوا شيئا سواه ، إنهم الذين صدقوا مع الله -جل في علاه- فرفع الله قدر الصوم وأعظم جزاءه ، قال بعض العلماء : إن العبد يقف بين يدي الله تكثر عليه المظالم وتكثر عليه حقوق الناس ولكن الله يريد أن يرحمه ويريد أن يلطف به، فإذا بالمظالم والخصومات عليه كثيرة فيضاعف الله أجر صيامه حتى تقضى جميع الحقوق والمظالم ، قالوا وهذا معنى قوله : ((الصوم جنة)) أي أنه وقاية للعبد من النار ، فمظالم الناس تنتهي بالإنسان إلى النار كما في الحديث الصحيح : (( أتدرون من المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا دينار له ولا درهم ، قال إنما المفلس من يأتي يوم القيامة وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيؤخذ من حسناته على قدر مظلمته حتى إذا فنيت حسناته أُخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم أمر به فطرح في النار )) . فإذا كان الصوم يضاعف في الجزاء خلّص الله عبده بفضله، ونجاه بكرمه وجوده وإحسانه.

(( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) ثم انظر وتأمل قوله : (( كل عمل ابن آدم )) كل الطاعات الحسنة بعشر أمثالها بين الله جزاءها في هاتين الجملتين: أما الصوم فشرفه الله وفضله وكرمه ورفع قدره حينما بيّن في أكثر من جملة خصائصه وفضله .

(( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) ثم بين حقيقته وبين السبب الذي جعل العبد ينال هذه المنزلة ((يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ))، من ترك شيئا لله تولى الله جزاءه، ومن ترك شيئا لله تولى الله مثوبته ، ومن ترك شيئا لله تولى الله سبحانه وتعالى الفضل والإحسان إليه في الدنيا والآخرة .

إنه الصوم مدرسة المؤمنين ، إنه الصوم نزهة المتقين ، إنه الصوم مرتع الصالحين ، إنه الصوم الذي أخذ بمجامع القلوب والقوالب إلى ربها ، هذّب الأخلاق، وقوم المسلم حتى في كلامه (( فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن سابه أحد أو خاصمه أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم )) .

إنه الصوم الذي زكى القلوب { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } فيقول رسول الله : (( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) ثم بين في بداية الحديث أن التقوى في القلب، فقال : (( التقوى ههنا التقوى ههنا )) ويشير إلى قلبه – صلوات الله وسلامه عليه- .

هذا الصوم إذا تأمله المسلم ونظر إلى حقيقته وجد أنه مدرسة إيمانية قصد من وراءه الخير الكثير، فما ضاق سبل الشيطان في شهر أعظم من شهر رمضان، ولا فتحت الرحمة على العباد في موسم أعظم من شهر رمضان ، ولا أصبح العباد ما بين مهتدٍ وهاد في مثل شهر رمضان، ولا أصبحت النفوس زكية مقبلة إلى ربها مطمئنة راضية مرضية في مثل حالها في شهر الصيام والقيام حينما تصفد الشياطين، وتفتح أبواب الجنان ، وتغلّق أبواب النيران ، وينادي منادي الرحمن : يا با غي الخير أقبل.

إن الصوم مدرسة لأعظم الأشياء وأعزها وأكرمها عند الله وهو الإخلاص، ثلاثون أو تسع وعشرون يوما يصومه العبد لكي يتعلم كيف يعامل الله U ، لكي يتعلم كيف يكون عبدا لله لا لأحد سواه، ثلاثون أو تسع وعشرون يوما يعيشها المؤمن لكي يحقق معنى لا إله إلا الله ، تنقل من الغش والكذب والنفاق والرياء لكي يعامل الله وحده ، أليس باستطاعته أن يتوارى عن الناس فيأكل ويشرب ، نعم باستطاعته أن يفعل ذلك ، ولكن كلما حدثته النفس الأمارة بالسوء أن يفعل ذلك ناداها نداءً صادقا إني أخاف الله رب العالمين .

تعلمه هذه الأيام أن يترك الرياء، أن يترك النفاق، أن يترك الغش والكذب ، وأن يخلص لوجه ربه .

ثلاثون أو تسع وعشرون يوما تمر على العبد تهذب أخلاقه، وتقوم سبيله، وتصحح طريقه لله سبحانه وتعالى ، فهو إذا امتنع من الأكل والشرب والشهوة في شيء أحله الله له ، إذا امتنع من الأكل والشرب في شيء ملّكه الله إياه حلالا طيبا حري به أن لا يأكل الحرام ، وحري به أن لا يمد يده إلى ما حرّمه الله عليه ، فمن ترك طعامه لوجه الله وهو قادر على أن يطعم حريٌّ به أن يترك طعام غيره فلا يأكل أموال اليتامى، ولا يأكل أموال الأرامل والثكالى، ولا يأكل الربا ، ولا يأكل الأمور المحرمة عليه ، وإذا امتنع عن شرابه الطيب المباح حري به أن لا يقذف في جوفه شرابا حرّمه الله عليه ، وحري به أن لا يضع في فمه لقمة إلا وهو يضع الجنة والنار بين عينيه، لكي يعلم هل هي حلال فيأكلها أو حرام فيجتنبها .

(( يدع طعامه وشرابه من أجلي )): تجوع الأمعاء وتظمأ الأحشاء في مرضاة الله سبحانه وتعالى، تمر على الإنسان ساعات النهار لكي تذكّره بالأكباد الجائعة، وبالأحشاء الظامئة ، إنها تذكرك بجروح المسلمين وآلامهم وأسقامهم وكوارثهم ، تذكّره بالضعفاء والبؤساء والفقراء والمعوزين والمنكوبين، فيا له من شهر يذكّر بفجائع المسلمين ، ويذكّر بجراحاتهم وآلامهم حينما يحرّك النفس المؤمنة المطمئنة أن تتذكّر حال إخوانها ممن لا يملك قليلا ولا كثيرا ، ولذلك لا يلبث المسلم إذا كان صادقاً في إسلامه، ولا يلبث المسلم إذا كان قويا في إيمانه إلا أن يتفطر قلبه وفؤاده على كل مؤمن تراه في نكبة، لأنها تتحرك في قلبه بواعث الرحمة ، ولذلك يقول كما في الصحيح : (( إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة )) ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء كما في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام ، فتحت أبواب الرحمة فيتراحم المسلمون ، يرحم الأغنياء الفقراء ، ويرحم الأقوياء الضعفاء .

يتذكّر المسلم في تلك الأيام الطيبة حاجة إخوانه ، من الناس من إذا جاع في أيام رمضان الأول لا يتمالك أن يأخذ من حُرّ ماله ما يكف به النار عن وجهه يوم القيامة .

من الناس من إذا طرقه رمضان حرّكه لكي يكفكف دموع اليتامى ، ويجبر قلوب الأرامل والثكالى ، لا يتمالك نفسه، ويدل على ذلك حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- في الصحيح قال : (( كان رسول الله -وإذا قال الصحابي كان رسول الله –r- فقد صدق وبر ، وإذا قال قال رسول الله فقد صدق وبر فهنيئا لعين رأت وهنيئا لأذن سمعت ، وهنيئا لألسن تكلمت ونطقت - كان رسول الله تدل على الدوام والاستمرار ، وأنه أكثر من شهر من رمضان ، وأنه كان شأنه وحاله في رمضان كذلك ، كان رسول الله –r- في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة )) ما سئل شيئا إلا أعطاه ، يقول : يا أبا ذر، أترى أحدا –انظر إلى جبل أحد أكثر من أربع كيلو مترات- أتُرى أحدا فنظر إلى أحد قال: ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا تمسي علي ثالثة أو رابعة وعندي منه دينار أو درهم - صلوات الله وسلامه عليه - يقول ابن عباس –رضي الله عنهما- : (( كان رسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون إذا كان في رمضان )) .

فتفتح أبواب الرحمة لأن المؤتسين برسول الله وأصحاب القلوب الرحيمة تستجيب لربها وتصدق بوعده وموعوده سبحانه وتعالى ، ولذلك سميت الصدقة صدقة؛ لأنها تدل على صدق الإيمان ، وتدل على تصديق بوعد الرحمن ، فلا يتصدق إلا المصدّقون الصادقون في إيمانهم - جعلنا الله وإياكم منهم - كيف يتعب الإنسان على جمع ماله فيتصبب عرقه ويتعب ويكدح حتى يجني الدنانير والدراهم ، فإذا نظر إلى عورة من عورات المسلمين انكشفت، أو جروح نزفت، أو آهات أو صيحات من أرامل المسلمين ومن أيتامهم ومن ضعفائهم جاءه الشيطان فوعده الفقر وقال له : كيف تنفق هذا المال فقد سهرت وتعبت ونصبت ، كيف تعطي المال وقد فعلت وفعلت ، فإذا به يتذكر أن الذي أعطاه هو الله ، وأن الذي يخلف عليه هو الله ، وأنه ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما : (( اللهم أعط منفقا خلفا ))، فلا يملك نفسه حتى يأخذ ذلك المال ويعطيه لكي يسد حاجة أخيه ، ويدخل السرور على الحزين ، ويجبر كسر المكسور بإذن الله سبحانه وتعالى فيكون ذلك من أصدق ما يكون إيمانا وعبودية لله سبحانه وتعالى، ولذلك ما كف الله النار عن وجه العبد بشيء مثل الصدقة ، فقال r : (( اتقوا النار ولو بشق تمرة )) الله أكبر شق تمرة قد يحجب الإنسان عن النار ، الصدقة القليلة قد تحرّم العبد عن النار ، قال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح : دخلت امرأة على عائشة –رضي الله عنها- ومعها طفلتان فاستطعمتها فأعطتها ثلاث تمرات فأعطت كل صبية تمرة ثم أخذت التمرة الثالثة تريد أن تأكلها الأم المسكينة الحاملة المتعبة المنهكة المحتاجة الذي أصابها ذل المسألة أخذت التمرة الثالثة تريد أن تأكلها فاستطعمتها إحدى البنتين يعني أكلت البنت تمرتها ثم جاءت على تمرة أمها فاستطعمتها إحدى البنتين تمرتها فأطعمتها إياه فعجبت عائشة –رضي الله عنها- من صنيعها فلما دخل رسول الله أخبرته، فنزل الوحي على رسول الله من أجل تمرة لكنها صدقة ممن صدّق وصدَق في إيمانه ويقين فنزل جبريل من أجل تمرة لكي يقول رسول الله : (( أتعجبين مما صنعت إن الله حرمها على النار بتمرتها تلك )) .

فيعيش المؤمن في شهر الصيام بواعث الخير والإحسان لإخوانه المسلمين ، يتذكر المحتاجين، يتذكر المعسرين، ويرجو من الله أن يجعله باب خير فيقضي دين المديون، ويكفكف دموع اليتامى ويجبر قلوب الأرامل والثكالى .

مدرسة في شهر الصيام للجود والسخاء ، ألا ليت شعري من هو السعيد الموفق المرحوم بإذن الله ، من مرت عليه أيام رمضان فصدق فيها مع الله في جوده وسخائه ، فكفل الأيتام، كفل الأرامل وغيره من المحتاجين والمواسين وواساهم ، من هو الموفق السعيد الذي بحث في شهر رمضان عن الفقراء في قرابته ولحمته ونسبه ، بل حتى ولو لم يكونوا فقراء فكانت عليهم ديون فسدد ديونهم، وقضى حوائجهم فوصل رحمه، واتقى ربه وابتغى ما عند الله ، هنيئا ثم هنيئا لمن صام لله، وعرف ماذا يريد الله من صيامه ، نعم لم تجع الأحشاء ، لم تجع الأمعاء ولم تظمأ الأحشاء لكي يؤدي الإنسان هذه العبادة مجردة، فيدخل شهر رمضان وإذا به من أغفل الناس حتى عن جارهم الفقير –نسأل الله السلامة والعافية- بل من منهم من يقيم الولائم ولا يلتفت لأقرب الناس إليه ، والمحروم من حرم ، اللهم لا تجعلنا محرومين من رحمتك .

هذا الشهر الكريم مدرسة للصبر، والصبر من أعلى مراتب العبودية لله ، أحب الله الصابرين ووعدهم بمعيّته فقال : { والله يحب الصابرين } وقال سبحانه : { إن الله مع الصابرين } وبين فضلهم وشرفهم وعلو درجتهم فقال : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } وبغير حساب من الله ليست بالهينة ، ولذلك ليس هناك أقوى من المؤمن إذا قوّاه الله بالصبر حتى قال عمر -رضي الله عنه وأرضاه- : وجدنا ألذ عيشنا بالصبر ، فالصابرون هم أحباب الله ، فالصابرون هم أولياء الله ، وإذا أراد الله بعبده خيرا ابتلاه لكي يصبر ويحتسب الأجر عند الله سبحانه وتعالى ، فكم من منكوب في نفسه وجسده بالآلام والأمراض والأسقام لا يشتكي إلا إلى ربه ، وكم من مكلوم في زوجه وأهله وولده يمسي ويصبح على فجائع تروّع القلوب في أولاده وأطفاله ، وكم من مكروب منكوب مبتلى في رزقه وعيشه فلا يطلب مالا ولا يريد عملا إلا قفل في وجهه ، وكم وكم من أناس إذا صدقوا مع الله صدق الله معهم ، ولن يصدقوا بشيء أعظم من الصبر ، الصبر روح من الله سبحانه وتعالى يؤيد بها أولياءه ، ولا يعطي الله الصبر إلا لمن يريد به خير الدنيا والآخرة .

بالصبر اتسع الضيق بإذن الله سبحانه وتعالى ، وبالصبر عادت الأحزان والأشجان أفراحا بإذن الله سبحانه وتعالى ، بالصبر قويت شكيمة المؤمن وقويت عزيمته؛ لأنه يعلم أن الله معه ، وأن الله لن يخذله ، ولذلك كان علي يقول : ألا وإن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الروح من الجسد ، ألا لا إيمان لمن لا صبر له ، ألا لا إيمان لمن لا صبر له)) فيقول : يسلي الصابرين بما لهم عند رب العالمين ((ومن يصبر يصبره الله )) وإذا بها ثلاثون يوما أو تسع وعشرون يعلم الإنسان هذه الخصلة الشريفة العزيزة المنيفة التي يصلب بها عوده أمام شدائد الدهر والنكبات والفجائع ، يعلّم كيف يصبر حتى يخرج من رمضان فإذا رأى المكروب قال الحمد لله على كل حال ، ونعوذ بالله من حال أهل النار .

يصوم العبد المؤمن لكي يعلّم الصبر ، ولذلك سمي شهر رمضان بشهر الصبر ، وكان جزاء رمضان عظيما؛ لأنه يقوم على الصبر ، ففيه الصبر عن معصية الله ، وفيه الصبر فلا يغتاب ولا يسخط ولا يجهل ، وفيه الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى وهذا من أعلى المراتب وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى .

فرمضان مدرسة يعلّم الإنسان من خلالها كيف يصبر ، وما صبر على شدائد الدنيا وفتنها ومحنها مثل المؤمنين ، ولا ثبت أمام النكبات والملمات أهل دين أعظم من ثبات أهل الإسلام ، ولا قويت شكيمة أمة أعظم من شكيمة أمة الإسلام ، فليس هذا بضرب من الكلام الذي لا حقيقة له ، فمن قرأ التاريخ أدرك أنها أمة صابرة ، وأنها أمة معلمة من ربها لا تحتاج لأحد أن يعلمها ، وأنها أمة زكت وزكاها مولاها حينما جعلها خير أمة أخرجت للناس ، ولن تجد عبدا يبوأ في هذه الدنيا مبوأ صدق فترتفع مكانته وتعلو منزلته ويحبه ربه بشيء أعظم من الصبر ، إنه الثمن الذي يدفعه الإنسان لكي ينال سلعة الله الغالية بفضله ورحمته سبحانه ، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة ، دخلها الصابرون وارتفعت الدرجات فيها للصابرين ، والملائكة يدخلون على أهل الجنة من كل باب {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } وقال الله عن أهل الصبر : { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور } فنسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يفرغ علينا صبرا، وأن يثبت أقدامنا وأن ينصرنا على القوم الظالمين.

يعيش المسلمون أيام رمضان لكي يعلّم هذه الأخلاق الفاضلة ، ويتربوا على هذه المعاني السامية ، يعلم المسلم الصبر بملامح جميلة جليلة أجمل ما تجد وأكمل ما تجد تعليما حينما تنظر إلى شرائع الإسلام ، ولا ينبؤك مثل خبير ، والله سبحانه هو الذي يعلّم وهو الذي يهدي سبحانه وتعالى ، فعلم آدم الأسماء وعلم داود وفهم سليمان ، علم العلماء وعلم الأنبياء سبحانه وتعالى، هذا التعليم تجد في شرائع الإسلام الصبر في شريعة الصوم في مقامات جميلة ، الصابر أحوج ما يحتاج إليه أن يستشعر حسن العاقبة ، وأن بعد العسر اليسر ، وأن بعد الشدة الرخاء ، وأن بعد الضيق السعة ، وأن لكل شيء قدرا ، لا يستطيع أن يزيد على قدره ، تأمل رحمك الله ساعات الصوم يبتدئ في أول اليوم من فجره وجعل الله ابتداء الفجر في ساعة الغالب فيها الجو على أحسن وأفضل ما يكون ، ثم يشتد النهار حتى يبلغ الذروة ، فإذا كانت أيام الصوم في شدة الصيف والحر والقر أصاب الإنسان من التعب والنصب والجهد ما لا يعلمه إلا الله عز وجل ، فمعناه أن كل كربة تأتيه فتشتد وتصل إلى أعلى درجة، وإلى الغاية التي جعلها الله بقدرته وعظمته لن تستطيع أن تجاوزها ، فمهما كان عليك من ضيق ومن شدة ومن بلاء وكربة فلن يستطيع أن يجاوز أمرا حده الله سبحانه وتعالى، فيصل الإنسان إلى أقصى النهار فيشتد ظمؤه ويشتد نصبه فتأتي الرحمة من الله فتنكسر وهيج الشمس وتنكسر شدة النهار ثم بعد ذلك لا يصل قبل المغرب إلا وقد بلغت الروح ما بلغت ، خاصة إذا كان صاحب عمل وخاصة إذا كان سحوره قليلا وخاصة في أيام الشدة والضعف فلا يصل إلى آخر النهار إلا وقد ضاقت عليه نفسه ضيقا طبيعيا جبليا بشريا ، لكنها ما تضيق مع الإيمان ، فهو ثلاثون يوم أو تسع وعشرون يوم كل يوم يصل إلى شدة ثم إذا به قد غابت عليه شمسه وأصاب فطوره، فذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله .

الثلاثون يوم أو تسعة وعشرين يوم بعض الخبراء في النفوس وطبائع النفوس أن الإنسان إذا أمضى لو عشرين يوم على حالة يتعلم منها ، فما بالك إذا مر عليه شهر كامل تصبح النفس على يقين أنه إذا اشتد الكرب فبعده الفرج ، وأنه إذا ضاقت الأمور فإن الله يوسّعه، فإن الله سبحانه وتعالى سيأتي بالفرج من عنده .

ثم تأمل رحمك الله تلك المدرسة الجميلة الجليلة في عبادة الصوم من تراحم المسلمين وتوادّهم وتعاطفهم ، تأمل رحمك الله عبادة الصوم من بدايتها إلى نهايتها، فأنت تنتقل إلى من مَعْلم إلى مَعْلم ، ومن مشهد إلى مشهد ، ومن مدرسة إلى مدرسة تزيد في إيمانك وتثبتك في جنانك وتدلك على عظمة هذا الرب سبحانه وتعالى .

الله أكبر إذا وقف الناس عند غروب الشمس فدنت الشمس من الغروب، وحانت ساعة الإفطار ، تلك الساعة التي يربح فيها المتاجرون الصادقون المؤمنون، ويخيب عندها المفطرون المضيعون المحرومون -والعياذ بالله-.

يقف الناس في آخر النهار عند دنو الشمس لمغيبها وإذا بالإنسان جميع ما مر عليه من التعب والنصب كأنه لا يشعر به ، وهذه سمة وعلامة في طاعة الله كلها ، فلن تتعب في طاعة ولن تنصب في طاعة إلا وقفت في آخرها محمود العاقبة ، والعاقبة للمتقين ، والعاقبة للتقوى ، شهد الله أنه ما من عبد يطيعه إلا جعل الله له العاقبة الحميدة ، ولذلك المرد الجميل والمخرج الجميل والمآل الجليل لا يكون إلا بفضل الله ثم بالطاعة ، ومن هنا أطبق الحكماء والعقلاء على أنه ليست العبرة بالبدايات وإنها العبرة بالنهايات ، ولذلك جعل الله الحكمة في النظر إلى آخر الشيء { أفلا يتدبرون القرآن } التدبر ما هو ؟ دبر الشيء آخره فجعل الله الحكمة في النظر للعواقب ، ومن هنا تجد سمة عجيبة أن الإنسان لا ينظر إلى البداية، ولا ينظر إلى الحالة الذي هو فيه، ولكن يسأل نفسه إلى أي شيء ينتهي ، وإلى أي شيء ينقضي .

كأن شيئا لم يكن إذا انقضى وما مضى مما مضى فقد مضى

فإذا كنت بهذه النفس تستشعر دائما في أي طاعة أنك ستؤول إلى رحمة الله وإلى عفو الله وإلى مغفرة الله لن تبال بأي شيء تناله في سبيل ذلك ، ومن هنا تتربى النفس على هذه القوة المستمدة من اليقين بالله سبحانه وتعالى وهي التي ثبت بها أهل الثبات -جعلنا الله وإياكم منهم إلى الممات - وبها رابط المرابطون ، وثبت المجدون ونالوا بها مرضاة الله في الدنيا والآخرة ، في شهر الصيام ينبغي للمسلم أن يحرص على أن يؤدي عبادته على أكمل وأفضل وأجمل ما يكون عليه الأداء ، فيسرّ في قرارة نفسه أنه عاقد العزم بإذن الله على أن يصوم صيام رسول الله ، فيمتنع عن طعامه وشرابه وشهوته ، ويبتعد عن كل شيء ينقص أجره في الصيام ، ويلتمس كل شيء يزيد من أجره عند الله سبحانه وتعالى، ساعات قليلة، أياما معدودات يقول الله سبحانه وتعالى ولكنها فاضلات كاملات عظيمة الأجر عند الله سبحانه وتعالى وهل هناك مثوبة أعظم من تكف بها النار عنك ، لاشك أنها أعظم مثوبة {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز }، ففيها أعظم نعمة تكون سببا للفوز بإذن الله عز وجل.

وذكر بعض العلماء في قول النبي : (( الصيام جنة )) أن العبد إذا جاز على النار نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها وأن يسلمنا وإياكم منها فإن الله يجعل الصوم جنة له فكل من عبث في صومه وأضاع حق ربه لم يأمن أن تخدشه النار على قدر تفريطه وتضييعه ، فالذين يضيّعون صيام رمضان سيكون لهم من كلاليب النار، وسيكون لهم من بلائها على قدر ما ضيعوا إلا أن يرحمهم الله برحمته ، ولذلك ينبغي للمسلم أن يدخل شهر رمضان عاقدا العزم على أن يصوم صيام رسول الله ، فلا يرضى بأداء الحق فقط ، بل يسعى إلى الأكمل والأفضل .

الصائم ونعم الصائم الذي صام لله قلباً وقالباً ، صام لله في قلبه فلم يدخله الشحناء ولا البغضاء ولا الحقد على المسلمين ، ولا سوء الظن بهم ، ولا التهمة ، صام لله قلبا حينما أخلص لله وأراد ما عند الله وابتغى وجه الله يتمنى أن صيامه بينه وبين الله لا يعلم به أحد، صام لله قالبا حينما امتنع عما أمر بالامتناع عنه ، سواء كان من الأمور التي تتعلق بمطعمه أو مشربه أو شهوته ، ولذلك تجده أعف الناس لساناً وأعف الناس جارحةً ، وأبعدهم عما لا يرضي الله وأكثرهم صيانةً في حدود الله ومحارم الله ، فإذا أردت أن يعظم أجرك وأن يثقل ميزانك تتحرى السنة .

من هدي رسول الله تبييت النية في الليل قال : (( من لم يبيت النية في الليل فلا صوم له )) .

ومن هدي رسول الله الحرص على السحور قال r : (( تسحروا فإن في السحور بركة )).

والفرق بيننا وبين أهل الكتاب طعمة السحر ، فيحرص على أن يتسحر ، وأن يصيب السنة وهدي رسول الله ، وأن يحرص على أداء صلاة الفجر مع الجماعة ، وأن يحرص على الكمالات والجلوس للإشراق إن أمكن ، وأن يحرص على الضحى وصلاة الضحى وأذكار الصباح فيستفتح يومه بالربح والفلاح والصلاح ومناجاة الله سبحانه وتعالى ، ثم ينطلق إلى عمله طيّب النفس منشرح الصدر يخاف أن يظلم مسلما أو يؤذي مسلما أو يتعرض لأحد بسوء، فلا يشتم ولا يسخط ولا يجهل ، فإذا تسلط عليه أحد بالسوء فسابه أو شاتمه أو قاتله قال : إني صائم، إني صائم ، قال بعض العلماء في قوله –عليه الصلاة والسلام- : (( فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم )) قالوا فليقل لنفسه لا تجيبي هذا فإني امرؤ صائم ومعناه أن الصوم يمنع من مجاراة الجهال في جهلهم ويمنع الإنسان عن أن يتلبس باللغط والسخط ، بل هو على أفضل وأكمل ما يكون عليه المتكلم، يحرص على ذكر الله فتجده دائم الاستغفار والتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير وغير ذلك من ذكر الله ، يحرص على أن يؤدي السنن والرغائب والفضائل على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى ، رحيما بأهله رحيما ببيته يعلم أبناءه وصغاره يعوّدهم على الصوم ويتفقد أولاده في البيت في هذه الفريضة، فيعينهم على الصوم ويوقظهم للسحور ويتابعهم، ويحفظ لهم صومهم، فإذا رأى خللا أو فسادا أصلحه، وإذا رأى خطأ صوبه ، فيكون أبا على أكمل ما يكون عليه الأب الصالح ، ويرسم لأولاده وأهله وحبه وزوجه ومن تحت رعايته من الموظفين والعُمّال المثال الفاضل حينما يرونه في شهر الصيام مقبلا على ربه على أحسن وأفضل ما يكون عليه الإقبال .

كذلك أيضا إذا دنا آخر يومه اشتغل بذكر الله عز وجل قبل فطوره ، وهيأ نفسه لرحمة الله ، فإن العبد إذا صام لوجه الله كانت له فرحتان : فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه ، وقد أخبر النبي عن هذه الفرحة عند لقاء الله عز وجل فقال : (( للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه )) .

تأمل قوله : (( فرحة عند لقاء ربه )) أولا أنه قال : فرحة وهذه في لسان العرب نكرة تدل على أنها فرحة كبيرة ، وإذا قيل: فرحة وفرح ليس كقولهم الفرحة أو الفرح بل جاءت بصفة دالة على أنها فرحة قد بلغت غاية الفرحة ونهايته - فنسأل الله بعزته وجلاله أن يجعل لنا ولكم أوفر الحظ والنصيب -.

فرحة بين يدي ربه عند لقاء ربه ، فإذا حزن الناس يوم الحزن فرح الصائمون، وإذا أصاب السوء الناس يوم المساءة يوم يقوم الناس لرب العالمين وجد الصائم الإحسان من ربه .

(( فرحة عند لقاء ربه )) وما حمل العبد هما ولا غما ولا كربا أعظم من الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى .

قد آلم القلب أني جاهل مالي *** عند الإله أراض هو أم قالي
وأن ذلك مخبوء إلى يوم اللقا *** ومقفول عليه بأقفال





اللهم ارحم في موقف العرض عليك ذل مقامنا ، ونسأل الله أن يرحم ذل مقامنا بين يديك ، فأخبر أن الصائم بين يدي الله في فرحة ، وأنه يجد الفرحة أحوج مما يحتاج إليها يوم يقوم الناس لرب العالمين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ذهبت الأفراح وأسبابها ولم يبق إلا فرح واحد هو الذي يأذن به رب العالمين ، ومن هنا يستبشر وهو يقرّب فطوره بعاجل الفرحة التي تذكره بالفرحة العظمى عند لقاء الله سبحانه وتعالى ، فلا يملك عند فطره من أن يلهج بالدعاء بربه أن ينجّيه في آخرته، وأن يتمم له تلك الفرحة في موقفه بين يدي ربه ، يقف الصائم متأسيا برسول الله بالدعاء عند آخر يومه فيدعو لنفسه ويحرص على الكمال في الدعاء .

أولاً : تقف لا تستشعر أن لك فضل على الله فالفضل كله لله ، تأمل أن الله قادر أن يبتلينا بمرض يحول بيننا وبين الصوم ، فالله على كل شيء قدير ، من الذي متّعك بالصحة والعافية ، ثم من الذي هداك لهذه العبادة ودلّك عليها ، ثم من الذي وفقك وشرح صدرك وجعلك من أهلها ، ثم ثم تذكر نعم الله فلا تلبث أن تلهج بالثناء على الله حامدا شاكرا له على فضله ، فإذا انتهيت من حمده وشكره تذللت بين يديه تسأله من فواتح الرحمة وخيراتها وبركاتها عليك في دينك ودنياك وآخرتك ، فالصائم دعوته لا ترد عند فطره ، فهي ساعة ساعة رحمة، يذكر المسلم فيها نفسه وأهله وولده ووالديه ومن له حق عليه والمسلمين والمسلمات، فإذا دنت ساعة الغروب أقبل الرابحون الصائمون المفلحون على ربهم بالدعوات الصادقة، أقبل الرحماء فذكروا إخوانهم المسلمين بصالح الدعوات فعجل بالابتهال إلى الله سبحانه وتعالى فإذا أفطر التمس السنة في فطره ، فعجل الفطر كما ثبت في الحديث عن النبي : (( أن أحب العباد إلى الله أعجلهم فطرا )) وكان هذا من هديه عليه الصلاة والسلام ، وتحرى السنة فلا يفطر إلا بعد أن يتأكد من الغروب ، يصون دينه يصون عبادته، يبتعد عن تتبع الرخص وعن التساهل في أمور الدين، صبرت الساعات ألا يصبر ثواني معدودات ، صبرت الساعات ألا يصبر دقائق قليلة، فيكون على أكمل وأفضل ما يكون عليه المؤدي لعبادته ، ثم إذا وفقه الله لإتمام صومه وحمد الله وشكره وصلى صلاته وأصاب طعامه حمد الله سبحانه وتعالى الذي أطعمه وسقاه وكفاه وآواه ، وإن استطاع أن ينال الأفضل باتباع السنة فيفطّر إخوانه الجائعين ، ويرحم البؤساء والمحتاجين ، فيقوم على فطرهم والإحسان إليهم فهذا أعظم في أجره وأثقل في ميزانه ، فإذا صلى العشاء تحرى السنة والحرص على إحياء ليالي رمضان ، واجتهد بأن يقوم الليل وأن يصدق مع الله في ابتهاله وصلواته ، فيأتي إلى عبادة الليل وهي القيام وبعد أن فرغ من عبادة النهار والصيام أقبل على عبادة القيام ، استشعر حديث رسول الله : (( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدم من ذنبه )) فيرجو من الله أن يغفر ذنبه ، وأن يجعله من عتقائه من النار ، فكم من قائم أصبح كيوم ولدته أمه بلا ذنب ولا خطيئة ، فقيام رمضان من الفضائل والرغائب التي حرص عليها رسول الله ، فإذا أراد أن يقوم حرص أولا على الإخلاص ، يقوم في مسجده يتمنى أن أحدا لم يطلع على صلاته ، فلا يقوم رياء ولا سمعة، ولا من أجل أن تراه الناس ، يصلي بالليل، وإنما يقوم لله وفي الله وابتغاء ما عند الله –U- ، وإذا كان إيمانا حرص على استشعار نعمة الله عز وجل الذي فضله وشرفه وقدمه ، فحرص على أن يخلص لله في قراءته ، ويعطي كتاب الله عز وجل الحظ الأوفر من ضبطه وإتقانه وصيانته ، يبكي لوعده ووعيده، وتخويفه وتهديده ، يبكي من قرارة قلبه صادقا لا كاذبا ، مخلصا لا مرائيا ولا مصنّعا ، ثم يحبر كتاب الله تحبيرا ، يرجو من الله أجرا كثيرا ، لا يريد كثرة المصلين ولا يريد شعبية وراءه ولا يريد أن تسجل قراءته ، ولا يريد أن تنتشر ، يتمنى أن هذه القراءة بينه وبين الله يتمنى أن تفتح لها أبواب السماوات ، فإذا خرج بهذا القلب التقي النقي السوي الرضي جعل الله لقراءته الأثر والبركة والخير ، وأثر فيمن يسمع قراءته ، وكان مباركا على نفسه وعلى من يصلي بهم ، واتقى الله عز وجل في تقدّمه على إخوانه لكي ينال بهم أعالي المراتب ، فهو إمامهم وهو المقدم، وقد ائتمنوا على أعز شيء من دينهم بعد التوحيد وهو الصلاة ، فيتقي الله ويستحي من الله سبحانه وتعالى ويخرج من بيته من أجل أن يزين قراءته لفلان وعلان ، يستحي من الله سبحانه وتعالىأن يضيع حرمة كتابه فيتلو الكتاب للناس لا لرب الجنة والناس ، يستحي من الله أن يتقعر ويتشدق في كتاب الله سبحانه وتعالى يلتمس أن يصنّع به ويقال فلان قارئ يخاف من الله سبحانه وتعالى أشد الخوف فيخشى من الله في ذلك ويسأل الله أن يعيذه من الفتن حتى إذا دخل محرابه دخل دخول الخاشعين ، دخل وكأنه يرى رسول الله أمامه يصلي فيقرأ كقراءته ويخشع في قراءته وركوعه وسجوده ويسجد كسجوده ويركع كركوعه ، عندها يكون أعظم الناس أجرا وأكملهم طاعة لله وبرا بالتأسي بالسنة والبعد عن الرياء وعن الأمور المحدثة ، وإذا جاء يقنت في دعائه ووتره حرص أولا في صلاته على التخفيف على الناس وتحبيب الناس في عبادتهم ، عليه أن يستشعر من هم هؤلاء الناس الذين تركوا أعمالهم وتركوا الدنيا وجاءوا يصلون بين يدي الله سبحانه وتعالى ، تستشعر أن فيهم المريض وفيهم السقيم وفيهم الكبير وفيهم الشيخ وفيهم الهرم وفيهم صاحب الحاجة فيحببهم في الطاعة لا يبغضهم فيها ، ويحببهم في الصلاة ولا ينفّرهم منها ، يخاف من الله يقول: يا رب لا تجعلني منفرا ، اللهم اجعلني مبشرا ميسرا لا منفرا ولا معسرا ، فيضرع إلى الله من الحول والقوة ، ويسأل الله المدد والتوفيق ، فيأتي في إمامته على أفضل وأكمل ما تكون عليه الإمام ، فإذا قنت قنت صادقا من قلبه، واختار جوامع الدعاء بلا إطالة ولا تكلف ولا تشدق، وإنما التمس السنة وهدي النبي ، إذا جاء يدعو بحث في سنة النبي الصحيحة؛ لماذا كان يدعو رسول الله ؛ لأن هذه هي النصيحة للأمة ، ونصيحة للسنة ولرسول الله ، ما يأتي بشيء من عنده ، يأتي إماما على أكمل ما يكون عليه الإمام ، فدعا بكلمات طيبات مباركات يعلم معناها، ويستشعر دلالتها ويتأسى برسول الله في دعائها ، ثم إذا كان المسلم في قيامه حرص على اتباع هدي النبي بتدبر القرآن، وتفهمه ؛ فإن الله ما أنزل القرآن إلا للتدبر { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } فيحرص على تدبر القرآن ، أعظم الناس أجرا في القرآن من تدبره ، وأعظم الناس أجرا في القرآن من خشع من تلاوته، فخشع لله قلبه، وذرفت من خشية الله عيناه ، فيحرص على أن يتأثر بالقرآن ، إذا كنت مأموما تهيئ من نفسك أن الله يكلمك بهذا القرآن، يخاطبك بهذا القرآن، وهو كلام الله سبحانه وتعالى تستشعر أن الله يأمرك وأن الله ينهاك، وأن كلام الله موجه إليك ، أنت المعني حينما يقال لك: أقم الصلاة، وأنت المعني حينما يقال لك : اتق الله وأنت المعني حينما تؤمر بحق الله في توحيده وتؤمر بحق الله في صلاته والزكاة والصوم والحج وهكذا بقية شرائع الإسلام
__________________

م / ن
أميرة الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-18-2010, 04:28 AM   #174
معلومات العضو
أميرة الورد

[..نـقـــاء الـزبــرجــــد..]

الصورة الرمزية أميرة الورد
رقم العضوية : 3091
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مجموع المشاركات : 4,455
قوة التقييم : 34
أميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to behold

مَا بَالُ رَمَضَان ؛ لَمْ يَعُدْ شَهْرَ انْتِصَارَاتٍ كَمَا كَان


مَا بَالُ رَمَضَانَ لَمْ يَعُدْ شَهْرَ انْتِصَارَاتٍ كَمَا كَان 00؟!
وَيجِيبُ رَمَضَانُ قَائِلاً : أَنَا كَمَا أَنَا لَمْ أَتَغَيَّرْ ، إِنَّ نُفُوسَكُمْ هِيَ الَّتي تَغَيَّرَتْ 00{ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتىَّ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ...}

{الرَّعْد/11}
قَدْ يَقُولُ قَائِل : لِمَ لاَ يَنْصُرُنَا اللهُ كَمَا نَصَرَ الصَّحَابَة 00؟!!
وَهَذَا أَقُولُ لَهُ : وَمَنْ نحْنُ حَتىَّ نُقَارَنَ بِالصَّحَابَة ، الَّذِينَ نَظَرُواْ إِلى الدُّنيَا فَعَبَرُوهَا وَحَمِدُواْ اللهَ عَلَى السَّلاَمَة ، أَمَّا المُسْلِمُونَ اليَوْمَ فَنَظَرُواْ إِلى الدُّنيَا فَعَمَرُوهَا حَتىَّ نَسُواْ يَوْمَ القِيَامَة 00!!

م/ن
أميرة الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-18-2010, 04:42 AM   #175
معلومات العضو
أميرة الورد

[..نـقـــاء الـزبــرجــــد..]

الصورة الرمزية أميرة الورد
رقم العضوية : 3091
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مجموع المشاركات : 4,455
قوة التقييم : 34
أميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to behold

قول " رمضان كريم " غير صحيح .... العلامة العثيمين


سئل فضيلة الشيخ محمد العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: حينما يقع الصائم في معصية من المعاصي وينهى عنها يقول: «رمضان كريم» فما حكم هذه الكلمة؟ وما حكم هذا التصرف؟


فأجاب فضيلته بقوله: حكم ذلك أن هذه الكلمة «رمضان كريم» غير صحيحة، وإنما يقال: «رمضان مبارك» وما أشبه ذلك، لأن رمضان ليس هو الذي يعطي حتى يكون كريماً، وإنما الله تعالى هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهراً فاضلاً، ووقتاً لأداء ركن من أركان الإسلام، وكأن هذا القائل يظن أنه لشرف الزمان يجوز فيه فعل المعاصي، وهذا خلاف ما قاله أهل العلم بأن السيئات تعظم في الزمان والمكان الفاضل، عكس ما يتصوره هذا القائل، وقالوا: يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل في كل وقت وفي كل مكان، لاسيما في الأوقات الفاضلة والأماكن الفاضلة، وقد قال الله عز وجل: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فالحكمة من فرض الصوم تقوى الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» فالصيام عبادة لله، وتربية للنفس وصيانة لها عن محارم الله، وليس كما قال هذا الجاهل: إن هذا الشهر لشرفه وبركته يسوغ فيه فعل المعاصي.
[ فتاوى العثيمين - المجلد العشرون ص (93 ) ]
أميرة الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-18-2010, 04:52 AM   #176
معلومات العضو
أميرة الورد

[..نـقـــاء الـزبــرجــــد..]

الصورة الرمزية أميرة الورد
رقم العضوية : 3091
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مجموع المشاركات : 4,455
قوة التقييم : 34
أميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to behold




الصوم والصحة النفسية
الدكتور.جمال ماضي ابو العزائم

كلما اقترب شهر الصوم يشعر أفراد العالم الاسلامي بسعادة دافقة تعم هذا الوطن الواسع وتعبر عن الفرحة لدى أعضائه من الصغار والشباب والكادحين العاملين والمعمرين فريضة الصيام وفرح برمضان أيامه ولياليه وأعياده .
واذا اردنا أن نحلل هذه الظاهرة فعلينا أن نركز الأضواء على التغيير في الحياة الاجتماعية مع اقتراب شهر الصوم ودلالات ذلك التغيير وهناك نقاط يمكننا ان نركز عليها:
أولا: يترقب الناس هذا الشهر بالاستعداد له الاستعداد لاحياء لياليه في الأسرة والاستعداد للتجمع سويا وقت الافطار وعند السحور ومع الأحباب والاستعداد للتزاور وقضاء الليالي مع الأقارب والأخوان والجيران والاستعداد لتعمير المساجد وقضاء أوقات الصلاة بين جوانبها وصلاة التراويح بعد صلاة العشاء وقراءة القرآن وتدارسه ،والانسان خلق ميالا ومحبا للجماعة والظاهرة الرئيسية في شهر الصوم هي تنبيه دافع حب الجماعة والتنبيه للتجمع مع شهر الصوم تنبه شامل للمجتمع والأسرة في وقت واحد ولعمل واحد والقيام لرب واحد والامتناع عن عمل واحد والاتيان بهذا العمل في ميعاد واحد وأن شهر الصوم لأكبر مؤثر على تنبيه حب الجماعة وحب الوطن والوطن هنا هو الاسلام وحب الوطن من الايمان والجماعة هنا هم المسلمون " انما المؤمنون أخوة " فكان الصبر والصوم وتنبيه دافع وغريزة التجمع انما يوصل الى أعلى مقامات الأخوة والى أعلى مقامات السلوك والوطنية الحقه والجماعات والتجمع في ميدان الصحة النفسية هي قمة الشعور بالسعادة والرضا والهدوء والبعد عن الخوف والقلق خاصة اذا كانت الجماعة تقوم كلها بعمل واحد وبهدف واحد رافعة وجهها لرب واحد متدارسه لكتاب واحد " ما فرطنا في الكتاب من شيء " وهناك تعم الصحة النفسية وتشيع أحاسيس الرضا والطمأنينة .




ثانيا : ينال أولادنا منا وبالأخص مع شهر الصوم اهتماما كبيرا وأنهم يجتمعون معنا عند الأفطار وعند السحور وتتجمع الأسر وهي تستعد للصلاة في المنزل أو في المساجد وتستعد الأسر بالتزاور وتستعد أكثر وهي تستعد للاحتفال بالعيد ولبس الجديد وكان لهذا التغيير في نظام الأسرة واجتماع أفرادها مع الآباء والأمهات وقيام هؤلاء بواجبهم تجاه الأسرة والاهتمام بأفرادها أثره على الصحة النفسية فالأسرة المتوافقة المتحابة والتي يقوم فيها الأب والأم بأدوارهم الوظيفية من الرحمة والعطف والحنان والتربية والمصاحبة أسر سعيدة مطمئنة ولذا فشهر الصوم له أثره على ربط أفراد الأسرة بعضهم ببعض وما أجمل كذلك أن ترى بعض الأسر وقد تجمعوا يقرؤون القرآن ويتدارسون معانيه في حلقات جمعية تزيد من تعلقهم ببعضهم ببعض مع المثل والقيم والأخلاق.



ثالثا : أن عملية الصوم نفسها والامتناع عن الطعام والشراب والتغيير الذي يظهر مع بدء الصوم على دوافع الأكل والشرب والصمود والصبر على ترويض هذه الدوافع أبان شهر الصوم ما هو الا مزيد من حكم الانسان في دوافعه والاعتدال بها الى التوسط والبعد بها عن الأسراف مصداقا لقوله تعالى : وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا أنه لا يحب المسرفين " هذا الترويض لهذه الدوافع يؤدي بها الى التصالح مع قوى النفس الانسانية . والانسان الذي تصطلح قوى وطاقات ضميره مع قوة وطاقات دوافعه يعيش بعيد عن الصراع ، هذا الصراع الذي يؤدي الى الاضطرابات النفسية المختلفة ولننظر لقوله تعالى " واذا النفوس زوجت " واصطلحت وتعايشت فانها تعمل لاسعاد الانسان ... تأكل في توسط وتشرب بغير نهم وتتزاوج مع القيم والقانون وتجتمع تبني وتزيد الانتاج وتفرح مع الجماعة.



رابعا: ان عملية الصوم تؤدي الى الصحة الجسمية فهي عودة بالجسم الانساني الى الراحة لمعدته ولاعضائه المختلفة ودافع الى التوسط بعيدا عن الانهاك والتراكمات المختلفة في أعضاء الجسم للمواد الغذائية التي تزيد عن حاجته، هذه المواد الدهنية التي تضني الدورة الدموية وتسبب الأمراض المختلفة والتي يحاربها الصوم بفلسفته وتؤدي الى تمتع الانسان بالصحة الجسمية. والصحة الجسمية عنوان على الصحة النفسية . العقل السليم في الجسم السليم . واذا دققنا البحث نجد للصوم أثره على معظم أعضاء الجسم .



خامسا: والصيام الحق ذلك الصيام الذي يزيد التأمل ويدعو الى التركيز وينتقل بالانسان الى وفرة العمل ولا يكن ذلك الا اذا قام الصائم بتطبيق الشريعة الغراء تطبيقا دقيقا : " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع واذا أكلنا لا نشبع " اين الذين يطبقون هذا النهج حتى نرى أثر صيامهم على صحتهم النفسية ، فقد كان لشهر رمضان في حياة المسلمين الأوائل جولات في القتال تعد مثلا فريدا من وفرة الانتاج وانطلاق الانسان المسلم حتى يصل الفرد المقاتل الى عشرة أمثال طاقته وأكثر

م/ن
أميرة الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-18-2010, 04:56 AM   #177
معلومات العضو
أميرة الورد

[..نـقـــاء الـزبــرجــــد..]

الصورة الرمزية أميرة الورد
رقم العضوية : 3091
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مجموع المشاركات : 4,455
قوة التقييم : 34
أميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to behold



قال سفيان الثوري -رحمه الله- :-

( من سُر بالدنيا .. نُزع خوف الأخرة من قلبه )
أميرة الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-18-2010, 05:01 AM   #178
معلومات العضو
أميرة الورد

[..نـقـــاء الـزبــرجــــد..]

الصورة الرمزية أميرة الورد
رقم العضوية : 3091
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مجموع المشاركات : 4,455
قوة التقييم : 34
أميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to behold




الأخوّة

إذا المرْءُ إنْ أرضيتُهُ كان لي أخاً و إنْ أسهُ عاداني وما هوَ لي بأخْ

فلا خيرَ في وِدِّ امرئٍ ليس صافياً تراهُ بأدرانِ المساوي قد اتَّسخْ

و لا خيرَ في وِدٍّ يكونُ تكلُّفـاً و لا في ودودٍ حيثُ لنتَ لهُ شَمَخْ

و ما الودُّ إلا ما تكنَّفَهُ الحشا متى تهزُزِ الأحداثُ أحداثَهُ رَسَخْ

لا أدري من القائل :
أميرة الورد
أميرة الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-18-2010, 05:10 AM   #179
معلومات العضو
أميرة الورد

[..نـقـــاء الـزبــرجــــد..]

الصورة الرمزية أميرة الورد
رقم العضوية : 3091
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مجموع المشاركات : 4,455
قوة التقييم : 34
أميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to behold

الشيخ بن باز ـ وسارق الغاز



أعزائي الكرام إليكم هذه القصة الحقيقية عن عالم الأمة شيخنا ابن باز قدس الله روحه في الجنة .حدثني صاحبي ابوعبدالله من مكه عندما زارني بالرياض وكنانتحدث عن الشيخ ومواقفة الرائعة تجاه أمته بهذه القصة قائلاً:

عندما كنت معتكفا في بيت الله الحرام بالعشر الأواخر من رمضان وبعد صلاةالفجر نحضر كل يوم درس للشيخ ابن عثيمين رحمه الله وسأل احد الطلاب الشيخ عن مسألة فيها شبهة وعن رأي ابن باز فيها فأجاب الشيخ السائل وأثنى على الشيخ ابن باز رحمهما الله جميعا.وبينما كنت استمع للدرس فإذا رجل بجانبي في اواخر الثلاثينات تقريبا عيناه تذرفان الدمع بشكل غزير وارتفع صوت نشيجةحتى أحس به الطلاب.
وعندما فرغ الشيخ ابن عثيمين من درسه وأنفض المجلس ونظرت للشاب الذي كان بجواري يبكي فإذا هوفي حال حزينة ومعه المصحف فأقتربت منه اكثر ودفعني فضولي فسألته بعد ان سلمت عليه كيف حالك أخي.مايبكيك؟

فأجاب بلغة مكسره نوعا ما:جزاك الله خيرا وعاودت سؤاله مرة أخرى ما يبكيك أخي فقال بنبرة حزينة لا لاشي انما تذكرت ابن باز فبكيت.واتضح لي من حديثه انه من دولة باكستان او افغانستان وكان يرتدي الزي السعودي

وأردف قائلاً كانت لي مع الشيخ قصة وهي أنني كنت قبل عشر سنوات أعمل حارسا في احد مصانع البلك بمدينة الطائف وجاءتني رساله من باكستان بأن والدتي في حالة خطره ويلزم اجراء عملية لزرع كلية لها وتكلفةالعملية 7000 الاف ريال سعودي ولم يكن عندي سوى 1000 الف ريال ولم أجد يعطيني مالا فطلبت من المصنع سلفة ورفضوا.. فقالوا لي أن والدتي الآن في حال خطره واذا لم تجري العملية خلال اسبوع ربما تموت وحالتها في تدهور وكنت ابكي طوال اليوم فهذه أمي التي ربتني وسهرت علي.

وامام هذا الظرف القاسي قررت القفز بأحد المنازل المجاورة للمصنع الساعةالثانية ليلا وبعد قفزي لسور المنزل بلحظات لم اشعر الا برجال الشرطة يمسكون بي ويرمون بي بسيارتهم وأظلمت الدنيا بعدها في عيني.

وفجأة وقبل صلاةالفجر اذا برجال الشرطة يرجعونني لنفس المنزل الذي كنت انوي سرقة اسطوانات الغاز منه وأدخلوني للمجلس ثم انصرف رجال الشرطة فإذا بأحد الشباب يقدم لي طعاماً وقال كل بسم الله.ولم أصدق ما أنا فيه.وعندما أذن الفجر قالو لي توضأ للصلاة وكنت وقتها بالمجلس خائفا اترقب.فإذا برجل كبير السن يقوده احد الشباب يدخل علي بالمجلس وكان يرتدي بشتاً وأمسك بيدي وسلم علي قائلاً:
هل أكلت قلت له نعم وأمسك بيدي اليمنى وأخذني معه للمسجد وصلينا الفجر وبعدها رأيت الرجل المسن الذي امسك بيدي يجلس على كرسي بمقدمة المسجد والتف حوله المصلين وكثير من الطلاب فأخذ الشيخ يتكلم ويحدث عليهم ووضعت يدي على رأسي من الخجل والخوف!!!

يا آآآآالله ماذا فعلت؟سرقت منزل الشيخ ابن باز وكنت أعرفه بأسمه فقدكان مشهورا عندنا بباكستان.وعند فراغ الشيخ من الدرس أخذنوني للمنزل مرةاخرى وأمسك الشيخ بيدي وتناولنا الأفطار بحضور كثيرمن الشباب وأجلسني الشيخ بجواره وأثناء الأكل قال لي الشيخ ما اسمك؟ قلت له مرتضى. قال لي لم سرقت فأخبرته بالقصة فقال حسنا سنعطيك 9000 الاف ريال قلت له المطلوب 7000 الاف قال الباقي مصروف لك ولكن لا تعاود السرقة مرة اخرى يا ولدي.فأخذت المال وشكرته ودعوت له.وسافرت لباكستان وأجرت والدتي العملية وتعافت بحمد الله.وعدت بعد خمسة اشهر للسعودية وتوجهت للرياض ابحث عن الشيخ وذهبت اليه بمنزله فعرفته بنفسي وعرفني وسألني عن والدتي وأعطيته مبلغ 1500 ريال قال ما هذا؟قلت الباقي فقال هولك وقلت للشيخ ياشيخ لي طلب عندك فقال ما هو يا ولدي.قلت أريدك ان اعمل عندك خادما او اي شيء ارجوك ياشيخ لا ترد طلبي حفظك الله.فقال حسنا وبالفعل اصبحت أعمل بمنزل الشيخ حتى وفاته رحمه الله...

وقد أخبرني احد الشباب المقربين من الشيخ عن قصتي قائلاً:اتعرف انك عندما قفزت للمنزل كان الشيخ يصلي الليل وسمع صوتا في الحوش وضغط على الجرس الذي يستخدمة الشيخ لإيقاظ أهل بيته للصلوات المفروضة فقط.فأستيقضوا جميعا واستغربوا ذلك وأخبرهم أنه سمع صوتا فأبلغوا أحد الحراس واتصل على الشرطة وحضروا عل الفور وأمسكوا بك.وعندما علم الشيخ بذلك قال ما الخبر قالو له لص حاول السرقة وذهبوا به للشرطة فقال الشيخ وهوغاضب ( لا لا هاتوه الآن من الشرطة ؟ اكيد ما سرق الا هومحتاج )ثم حدث ما صار في القصة .قلت لصاحبي وقد بدت الشمس بالشروق هون عليك الأمة كلها بكت على فراقه

منقووول




أيا ابن باز عليك من الله سرباً
من الرحمات تنعم بذاك المرقدِ

أيا علم الهدى طبت حياً وميتاً
بجنة الرحمن تُرجى وصدق المقعدِ

رحماك ربي هذا عبدك قد أتى
يرجو السعادة فأكرم يا خير مسعدِ


اللهم ارحم الشيخ العلامة بن بـــاز والحِقه بالفردوس الأعلى يا رب العالمين
أميرة الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-18-2010, 05:16 AM   #180
معلومات العضو
أميرة الورد

[..نـقـــاء الـزبــرجــــد..]

الصورة الرمزية أميرة الورد
رقم العضوية : 3091
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مجموع المشاركات : 4,455
قوة التقييم : 34
أميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to beholdأميرة الورد is a splendid one to behold

قال ابن دقيق العيد :

ما تكلمت كلمة .. ولا فعلت فعلا .. إلا أعددت له جوابا بين يدي الله



اللهم ثبتنا على صراطك المستقيم حتى نلقاك،
واختم لنا بخاتمة السعداء. اللهم آآآمين




أحبتي في الله :

أراكم قريـبآ بإذن الله
فكونوا بالقرب
أميرة الورد
أميرة الورد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع




Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والتعليقات على الأخبار والردود المطروحة لا تعبّر عن رأي ( منتديات قبيلة عتيبه ) بل تعبّر عن رأي كاتبها