حول فيضانات الباكستان
مداخلة في إذاعة القرآن بمناسبة حملة خادم الحرمين لجمع التبرعات للمتضررين في الباكستان
6 رمضان 1431هـ
شكر الله لكم وللإخوة في هذه الإذاعة الرائدة المباركة ما تقومون به من جهود موفقة أسأل الله أن يضاعف بها مثوبتكم .
أود أن أنبه ابتداء إلى أن ما يقع لإخواننا في بلاد الباكستان هو من قدر الله النافذ الذي لا ينبغي أن ينسب إلى غضب الطبيعة كما يقول بعض من لا خلاق له ، وإنما هو تقدير الحكيم العليم الذي الخلق خلقه والأمر أمره ( لا يسأل عمايفعل وهم يسألون)
والمؤمن هو الذي يَرى اللهُ منه الرضا في فرحه وترحه ، وسرائه وضرائه ، ولا خيار للعبد أساسا غير ذلك ، فقدرُ الله ماضٍ ولكن الموفق من اغتنم الأجر وحظي بغنيمة الصبر والتسليم لقدر الله .
وليعلم كل مسلم أن ما يحدث لهذه الأمة من هذه الكوارث والمصائب هو خيرٌ لها وإن كرهت ذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول كما في سنن أبى داود من حديث أَبِى مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أُمَّتِى هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِى الآخِرَةِ عَذَابُهَا فِى الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلاَزِلُ وَالْقَتْلُ ».
والأمر الثاني في الحقيقة أن المصاب الذي حل بإخواننا في الباكستان مصاب جلل ترق له القلوب وتدمع له العيون ، فقد ذهب من جراء هذه الفيضانات عشرات الآلاف وشرد مئات الألوف ، والحمد لله على كل حال .
وقد جاء بعض تقارير منظمات الإغاثة الدولية أن ما حصل في دولة الباكستان ربما كان أشد من زلزال تسونامي الشهير والذي راح ضحيته مئات الألوف من البشر .
والحقيقة أنه ينبغي للمسلم أن تكون قضايا أمته حاضرةً دائما في ذهنه ، فلا يكن همه فقط قضاءَ ملذاته وإشباع رغباته ، وماذا يشرب وماذا يأكل ، وأما آلام إخوانه وتوجع الضعفاء والمنكوبين من أبناء دينه فلا يعني له ذلك الأمر شيئا لا من قبيل ولا من دبير . ليست هذه واللهِ أخلاقَ أهل الأيمان . المسلم الحق قلب نابض بآلام أمته ، يحزن لحزنهم ويتألم لمصابهم لأنه يعلم أن بلاد المسلمين كلَّها بلادُه وإن تباعدت أقطارها وتناءت ديارها .
إذا اشـتـكى مسـلم في الهند أرّقني .... وإن بــكى مـسـلم في الصين أبـكاني
أرى بـخـارى بـلادي وهـي نـائـية .... وأســتــريــح إلى ذكــرى خــراســان
ومصر ريحانتي والشام نرجستي ...... وفـي الجـزيـرة تاريخـي وعـنـوانـي
وحـيثـما ذكـر اسـم الله فـي بـلــد ........ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني
وأصدق من هذا قول الحق جل شأنه ( إنما المؤمنون إخوة ) وقول الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم – كما في حديث النعمان بن بشير في صحيح مسلم "المسلمون كرجل واحد إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ ".
وهذه الحملة المباركة التي أمر بها خادم الحرمين وفقه الله لمرضاته هي جزء من المسؤلية الملقاة على عواتقنا جميعا ، فعلينا أن نسهم في إنجاحها بقدر ما نستطيع ، فلعلها أن تكون بابا من أبواب الفرج لإخواننا المنكوبين ، كما أرجو الله تعالى أن تكون لنا أيضا بابا من المغفرة ، خاصة ونحن في هذا الشهر المبارك ، الذي تضاعف فيه الحسنات وتكفر فيه السيئات ، وتفتح فيه أبواب الجنان ، فأين المتسابقون لطلب رضوان الله ؟ وأين الساعون لنيل جنته ورحمته .
إن العطف والرحمة والإنفاق على هؤلاء المساكين لهو من أعظم القربات وأجل العبادات ، ومما يحبه الله ويرضى عن صاحبه . وإن التخلي عن نصرة هؤلاء الضعفة لمما سيحاسب عنه العبد يوم القيامة .
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني !قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عُدته لوجدتني عنده ؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني ! قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني ! قال يا رب وكيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي "
فلننفق بسخاء وطيب نفس ومِنْ أحبِّ أموالنا فإن الله يقول ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) ، ولنقدم ما نستطيع كل حسب طاقته و{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} .
والحقيقة أن هذا هو بعض الواجب ، وعلينا أن لا ننساهم من الدعاء في صلواتنا وكذلك الأئمة في دعاء القنوت ، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء .
أسأل الله الذي هو أرحم بعباد من أنفسهم ومن أمهاتهم اللاتي ولدنهم أن يرحم إخواننا المستضعفين في بلاد الباكستان. اللهم إن بهم من البلاء واللأواء ما لا نشكوه إلا إليك فاللهم ارحم ضعفهم وتولّ أمرهم واغفر لموتاهم واشف مرضاهم واكس عاريهم وأطعم جائعهم ولا تكلهم إلى أحد من خلقك إنك أنت أرحم الراحمين .
وشكر الله إتاحة الفرصة للإدلاء بهذه الكلمات في هذه الكربة والنازلة والله يتولانا وإياكم بما يتولى به عباده الصالحين .
| 
|
08-17-2010, 06:59 PM
حول فيضانات الباكستان للشيخ عبدالله بن محمد العسكر
العرض العادي
