ظهور الشركـ في هذه الأمة
هذه من العلامات التي ظهرت ، وهي في ازدياد
فقد وقع الشركـ في هذه الأمة ، ولحقت قبائل منها بالمشركين
وعبدوا الأوثان ، وبنوا المشاهد على القبور
وعبدوها من دون الله
وقصدوها للتبركـ والتقبيل والتعظيم
وقدموا لها النذور ، وأقاموا لها الأعياد
وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة أو أعظم شركاً .
روى أبو داوود والترمذي عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا وُضع السيف في أمتي ، لم يُرفع عنها إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ) رواه أبو داوود .
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة ) .
و [ ذو الخلصة ] : طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية .
[ أليات ] : جمع الألية ، والمراد بها هي هنا أعجازهن ، أي أن أعجازهن تضطرب في أطرافهن كما كن يفعلن في الجاهلية .
[ الخلصة ] : بفتح الخاء المعجمة واللام بعدها مهملة ، وهذا هو الأشهر في ضبطها ، والخلصة نبات له حب أحمر ، كخرز العقيق .
و [ ذو الخلصة ] : اسم للبيت الذي كان فيه الصنم . وقيل : اسم البيت : الخلصة ، واسم الصنم : ذو الخلصة .
و [ ذو الخلصة ] : اسم لصنمين كل منهما يدعى ذا الخلصة ، أحدهما لدوس ، والثاني لخثعم وغيرهم من العرب .
فأما صنم دوس ، فهو المراد في هذا الحديث ، ولا يزال مكان هذا الصنم معروفاً إلى الآن في بلاد زهران ( جنوب الطائف )
في مكان يقال له : ( ثروق ) من بلاد دوس
ويقع ذو الخلصة قريباً من قرية تسمى ( رمس ) بفتح الراء والميم
وكان ذو الخلصة يقع فوق تل صخري مرتفع
يحده من الشرق شعب ذي الخلصة ، ومن الغرب تهامة
ولا يزال على هذا التل بعض الصخور الكبيرة المستعملة في البناء
وهي تدل على أنه كان يوجد في ذلكـ المكان بناء قوي .
وأما صنم خثعم ، فيسمى أيضاً ذا الخلصة
وهو بيت بنته قبيلتان من العرب هما : خثعم وبجيلة يضاهئون به الكعبة
وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي في مئة وخمسين فارساً
فهدموه وأحرقوه .
وصنم خثعم يقع في تبالة بين مكة واليمن على مسيرة سبع ليال من مكة
وقد بُني في مكانه مسجد جامع لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم .
وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
فإن قبيلة دوس وما حولها من العرب قد افتتنوا بذي الخلصة
عندما عاد الجهل إلى تلكـ البلاد
فأعادوا سيرتها الأولى ، وعبدوها من دون الله
حتى قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالدعوة إلى التوحيد
وجدد ما اندرس من الدين
وعاد الإسلام إلى جزيرة العرب
فقام الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمه الله
وبعث جماعة من الدعاة إلى ذي الخلصة ، فخربوها ، وهدموا بعض بنائها
ولما انتهى حكم آل سعود على الحجاز في تلكـ الفترة
عاد الجهال إلى عبادتها مرة أخرى
ثم لما استولى الملكـ عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله على الحجاز
أمر عامله عليها
فأرسل جماعةً من جيشه ، فهدموها ، وأزالوا أثرها ، ولله الحمد والمنة .
ولا يزال هناكـ صور من الشركـ في بعض البلدان
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : ( لا يذهب الليل والنهار حتى تُعبد اللات والعزى ) .فقالت عائشة : يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله : " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره المشركون " [ الصف : 9 ] أن ذلكـ تاماً ، قال : ( إنه سيكون من ذلكـ ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحاً طيبة ، فتوفي كل من في قلبه مثقال حبة خردلٍ من إيمان ، فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم ) . رواه مسلم .
ومظاهر الشركـ كثيرة
فليست محصورة في عبادة الأحجار والأشجار والقبور
بل تتعدى ذلكـ إلى اتخاذ الطواغيت أنداداً مع الله تعالى
يشرعون للناس من عند أنفسهم ، ويلزمون بالتحاكم إلى شريعتهم ، وتركـ شريعة الله
فينصبون أنفسهم آلهة مع الله تعالى وتقدس
كما قال تعالى : " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله " [ التوبة : 31 ]
أي : جعلوا علماءهم وعبادهم آلهة يشرعون لهم ، فإنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا .
وإذا كان هذا في التحليل والتحريم
فكيف بمن نبذوا الإسلام وراءهم ظهرياً
واعتنقوا المذاهب الإلحادية ، من علمانية ، وشيوعية ، واشتراكية ، وقومية
ثم يزعمون أنهم مسلمون .