خير رادع عن المعاصي
إن كنت تشكو من بُعدك عن الله تعالى وتشعر بالنفاق، وقد غرتك الدنيا بزخرفها ولا تستطيع الخلاص من الذنوب .. فإن العلاج الشافي لجميع ذنوبك وشهواتك، والسبيل لاستقامتك على الطريق إلى ربِّك عزَّ وجلَّ، وطوق النجــــاة الذي سيقودك إلى شاطي الأمــــان بجنة الرحمن ..
هو الخوف، أعظم ســــائق إلى الله ..
والخوف واجب من الواجبــات التي يأثم تاركها .. يقول تعالى {..فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 175]، وقال تعالي {..وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}[البقرة: 40] .. يقول ابن القيم عن منزلة الخوف "وهي من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد" [مدارج السالكين (15:1)] ..
فعلينا أن نخاف من ربِّنا عزَّ وجلَّ ونهابه ونُجِله، الخوف الذي يردعنا عن معصيته ويحثنا على طاعته .. وليس الخوف الذي يجعلنا نيأس من رحمته سبحـــانه ..
فالخوف هو الجناح الثاني للمؤمن مع جناح الرجـــاء، كما يقول ابن القيم "القلب في سيره إلى الله عزَّ وجلَّ بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر .. ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناج الخوف" [مدارج السالكين (15:7)] ..
يقول الله عزَّ وجلَّ {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}[الأنعام: 15,16]
ومن منا لم يعص ربَّه ويُخطيء في حقه جلَّ جلاله؟!!
وللخوف فضائل عِدة، منها إنه ..
1) يُحقق الإيمان ويُرضي عنك الرحمن .. فلو ملأ الخوف قلبك، ستُحقق معنى الإيمان الحقيقي؛ يقول تعالى {..فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 175].. ويرضي الله عزَّ وجلََّ عنك إن كنت تخشاه؛ يقول تعالى {..رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}[البينة: 8].
2) يورث الإخلاص .. فمن يخشي الله سيكون صادقًا مخلصًا، لا يرائي النــاس .. وهذه صفة أهل الجنة، الذين يقصدون بأفعالهم وجه الله تعالى وحده .. كما يقول تعالى عنهم {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}[الإنسان: 9,10].
3) صفة لأولي الألبــــاب ..الذين يخافون ربهم ويخشون عذابه، كما يقول تعالى {..وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 21].
4) أعظم رادع عن المعصية .. فعندما يعلم المرء عقوبة المعصية في الدنيا وشدة عذاب ربِّه في الآخرة، سيردعه هذا الخوف عن فعلها ..
كان هارون الرشيد يقول: ما رأت عيناي مثل فضيل بن عياض، دخلت عليه، فقال لي:"فرِّغ قلبك للحزن وللخوف حتى يسكناه، فيقطعاك عن المعاصي، ويباعداك من النار"[سير أعلام النبلاء (15:458)]
) من أعظم أسبــــاب المغفرة .. يقول تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}[الملك: 12].. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي قال "كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا. فلما مات فُعِلَ به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟، قال: يا رب خشيتك (وفي رواية: مخافتك يا رب)، فغفر له"[صحيح البخاري].
6) يطرد الدنيـــا من قلبك .. قال إبراهيم بن سفيان "إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها" [مدراج السالكين (1:513)] .. فعندما يستحضر المرء الآخرة في قلبه ويستشعر اقتراب آجله، لن يهتم للدنيـــا بما فيها؛ لأنه سيخشى أن يُقابل ربِّه بقلب ملوث بالشهوات وحب الدنيـــــا.
7) يحرق الشهوات ويُبددهــا .. فالخوف من الله عزَّ وجلَّ واستشعارك برؤيته لك في كل وقت وحين، سيردعك عن الوقوع تحت أثر الشهوات .. كما قال النبي عن السبعة الذين يظلهم الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم : "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخـــــــــاف الله"[متفق عليه].
8) سبيــــل الهدايــة والبُعد عن الضلال .. قال بشر للفضيل: عظني يرحمك الله، فقال "من خاف الله تعالى دلَّه الخوف على كل خير" [الزواجر عن اقتراف الكبائر (1:52)] .. وكان ذو النون يقول "الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا عن الطريق" [مدارج السالكين (1:513)].
يقوي إيمـــانـــــك .. فالخوف يُزيد من إيمانك ويُلقي المهابة في صدور أعدائك، فلن تخشى مع الله أحد .. كان الفضيل يقول "من خاف الله، لم يضره أحد، ومن خاف غير الله، لم ينفعه أحد" [سير أعلام النبلاء (15:444)].
10) أعظم سبيــــل للنجـــــاة .. فمن خاف في الدنيا، أمِنَ يوم القيامة .. أما إذا أمِنَ في الدنيــا، فليحذر الخوف يوم القيامة .. قال رسول الله "وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين؛ إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة"[رواه ابن حبان وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب والترهيب (3376)] ..
عن إبراهيم التيمي، قال: "ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا: {..الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ..}[فاطر: 34] .. وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا: {..إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور: 26]" [حلية الأولياء (2:175)].
11) يُبلِّغ منــــازل الأبرار .. فقد قال تعالى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن: 46]، وقال رسول الله "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة"[رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فمن خاف ربَّه، واصل السعي بالليل والنهار حتى يُبلَّغ الجنة بإذن الله.
12) السبيل للتمكين في الأرض .. فالخوف من الله عزَّ وجلَّ هو السبب الرئيس للتمكين في الأرض .. يقول تعالى {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 14].
فهل كلما حدثتك نفسك بالمعصية، استشعرت أن الله ناظرٌ إليك ومُطلِّعٌ عليك ..
أم إنك جريء على معصية الله؟!
يـــا أيها المسلم، لا تُعطِّل التمكين لدين الله في الأرض بمعاصيــــك!
منقووووووووووووووووول