سئل العلامة الشيخ : محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – (( هل يجوز تفسير القرآن الكريم بالنظريات الحديثة )) ؟
فأجاب بقوله : (( تفسير القرآن بالنظريات العلمية له خطورته ، وذلك أننا إذا فسرنا القرآن بتلك النظريات ، ثم جاءت نظريات أخرى بخلافها ، معنى ذلك أن القرآن صار غير صحيح في نظر أعداء الإسلام ، أما في نظر المسلمين فإنهم يقولون : (( إن الخطأ من تصور هذا الذي فسر القرآن بذلك )) ، لكن أعداء المسلمين يتربصون به الدوائر ، ولهذا أنا أحذر غاية التحذير من التسرع في تفسير القرآن بهذه الأمور العلمية ، ولندع هذا الأمر للواقع ، إذا ثبت في الواقع فلا حاجة إلى أن نقول : (( القرآن قد أثبته )) ، فالقرآن نزل للعبادة والأخلاق والتدبر ، يقول الله عز وجل : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }ص29 ، وليس لمثل هذه الأمور التي تدرك بالتجارب ويدركها الناس بعلومهم ، ثم إنه قد يكون خطرا عظيما فادحا في تنزيل القرآن عليها ، وأضرب لهذا مثلا : قوله تعالى : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ }الرحمن33 ، لما حصل صعود الناس إلى القمر ذهب بعض الناس ليفسر هذه الآية ، ونزلها على ما حدث وقال : (( إن المراد بالسلطان العلم )) وأنهم بعلمهم نفذوا من أقطار الأرض ، وتعدوا الجاذبية ، وهذا خطأ ، ولا يجوز أن يفسر القرآن به وذلك لأنك إذ فسرت القرآن بمعنى ، فمقتضى ذلك أنك شهدت بأن الله أراده ، وهذه شهادة عظيمة ستسأل عنها ، ومن تدبر وجد أن هذا التفسير باطل ، لأن الآية سيقت في بيان أحوال الناس ، وما يئول إليه أمرهم ، اقرأ سورة الرحمن تجد أن هذه الآية ذكرت بعد قوله تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{27} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{28} .
فلنسأل هل هؤلاء القوم نفذوا من أقطار السماوات ؟
الجواب : لا ، والله يقول : { إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } الآية .
ثانيا : هل أرسل عليهم شواظ من نار ونحاس ؟
لا ، إذن فالآية لا يصح أن تفسر بما فسر به هؤلاء ونقول : (( إن وصول هؤلاء إلى ما وصلوا إليه ، هو من العلوم التجريبية التي أدركوها بتجاربهم ، أما أن نحرف القرآن لنخضعه للدلالة على هذا ، فهذا ليس بصحيح ولا يجوز )) .
المصدر : (( كتاب العلم – ص : 142 – 143 )) ..