[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
تكملة حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العام على عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما .
سنة 2 هـ : في هذا العام انزل الله تعالى آية الإذن بالقتال ولم يفرضه عليهم قال تعالى : ( أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظُلِموا وإن الله على نصرهم لقدير) لذلك شارك أبو بكر رضي الله عنه مع كل غزوه غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم بل كان أبو بكر من ضمن المجلس الاستشاري في غزوة بدر وأحد قادة الجيش حيث تكلم كلاماً حسناً ، وخلال عملية الرسول صلى الله عليه وسلم الإستكشافيه قبل المعركة صحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حينما كانا يتجولان حول معسكر مكة لمعرفة عدد الجيش القرشي . وقد قاتل عبد الرحمن بن أبي بكر مع المشركين ضد المسلمين وفيهم والده .
سنة 3 هـ : حينما أنهزم أكثرية المسلمين في أحد ، ثبت مع الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلاً ، ثمانية منهم من المهاجرين في مقدمتهم الصديق رضي الله عنه ، وسبعة من الأنصار . يفتدونه بحياتهم ويتلقون سهام الأعداء دونه ، وكلهم يقول : ( وجهي دون وجهك ونفسي دون نفسك ، وعليك السلام غير مودع أي غير متروك ) . وكما حدث لأبي بكر مع ابنه في بدر تكرر المشهد ذاته في أحد ، حين طلع عبد الرحمن يقول متحدياً من يبارز ؟ فنهض الصديق رضي الله عنه شاهراً سيفه ، يريد التصدي له ، لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( شم سيفك وارجع إلى مكانك ومتعنا بنفسك ) سنة 4 هـ : خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم إلى مساكن بني النضير يطالبهم في الإسهام في دية العامريين بموجب المعاهدة بينه وبينهم ، فانتهى إلى ديارهم وذكر لهم ما جاءهم من أجله فأبدوا ارتياحا واستعداداً وأنزلوه مع أصحابه منزلاً حسناً في ظل جدار من بيت أحدهم . وخلا اليهود بعضهم إلى بعض ، وسول لهم الشيطان أن يلقوا حجارة على النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى الدور ، ونزل جبريل من الله يخبره بالأمر ، فنهض الرسول صلى الله عليه وسلم مسرعاً ، وتوجه إلى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا : نهضت ولم نشعر بك ، فأخبرهم بما همت به يهود .
سنة 5 هـ : في هذا العام أسهم الصديق رضي الله عنه إسهاماً كبيراً مع بقية المهاجرين والأنصار في حفر الخندق خلال غزوة الأحزاب ، فكان رضي الله عنه ينقل التراب في ثيابه ، فلما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى ما بالصحابة من النصب والجوع . قال : ( اللهم إن العيش عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة ) .
سنة 6 هـ : خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه في سرية إلى وادي القرى في شهر رمضان من هذا العام لتأديب بني فزاره الذين أرادوا اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أبلى أبو بكر رضي الله عنه في هذه السرية بلاء حسناً ، وفيهم امرأة ناصبت العداء للنبي هي أم قرفة وابنتها ، فجاء بهم ابن الأكوع يسوقهم إلى أبي بكر ، فنفله ابنتها ، وقد سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت أم قرفة ، فبعث بها إلى مكة ، وفدى بها أسرى من المسلمين هناك . وفي صلح الحديبية انطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه متغيظاً من بنود الصلح فرد عليه الصديق كما رد الرسول على عمر . وزاد فاستمسك بغرزه حتى تموت ، فو الله انه لعلى الحق .
سنة 7 هـ : في هذا العام خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه في سريه لتأديب بني كلاب الذين اتحدوا مع بعض القبائل العربية من بني محارب وأنمار ضد المسلمين ، فكان النصر المؤزر من نصيب المسلمين بقيادة الصديق رضي الله عنه وقد شارك أبو بكر رضي الله عنه مع المسلمين في أداء عمرة القضاء بعد أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم من شهد الحديبية بقضاء عمرته ، وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية . وهذه العمرة تسمى بأربعة أسماء هي على النحو التالي : القضاء ، والقضية ، والقصاص ، والصلح .
سنة 8 هـ : في هذا العام تم فتح مكة المكرمة ، وبعد هذا الفتح جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه بأبيه أبي قحافه يقوده وقد كُف بصره ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه ) ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله ، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت ، فأجلسه بين يديه ، ثم مسح صدره وقال : ( أسلم فأسلم ، وهنأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإسلام أبيه ، وكان رأس أبي قحافه قد اشتعل شيباً ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : غيروا من شعره ، ولا تقربوه سواداً ) .
سنة 9 هـ : في أواخر شهر ذي القعدة من هذا العام خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أميراً على الحج ، ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثره علياً رضي الله عنه ... فسار الصديق وهو أميراً على الحج ومعه علي رضي الله عنهما إلى مكة ، فأقام الناس الحج وحجت العرب والكفار على عادتهم في الجاهلية . وعلي رضي الله عنه يؤذن ببراءة ، فنادى يوم الأضحى قائلاً : لا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجله إلى مدته . ورجع المشركون ، فلام بعضهم بعضاً ، وقالوا : ما تصنعون ، وقد أسلمت قريش فأسلموا
سنة 10 هـ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب قرب وفاته .. قال : إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله ، فلم يدرك غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يعني نفسه ، فأجهش أبو بكر رضي الله عنه بالبكاء ، وقال : نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا . ثم قال : عليه الصلاة والسلام : ( إني لا أعلم أحداً كان أفضل من الصحبة يداً منه ) .. الحديث ، ثم قال : ( لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر ) متفق عليه .
سنة 11 هـ : في هذا العام أنتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى فطاشت الأحلام واضطربت الألباب والرؤى ولم يحسم الأمر بوضع الناس على الحق غير فقه وثبات أبي بكر رضي الله عنه ، إذ قال : أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، وتلا قوله تعالى : (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )) آل عمران 144 . حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : والله لكأني ما سمعت هذه الآية من قبل . فكان لثبات أبي بكر رضي الله عنه أثره الكبير في وحدة الصف الإسلامي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .
بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة
حينما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم أصيب الناس بالفزع وطاشت الأحلام واضطربت الألباب والرؤى ، ولم يحسم الأمر بوضع الناس على الحق غير فقه وثبات أبي بكر رضي الله عنه ، حيث قال : أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا على الناس قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : (( إنك ميت وإنهم ميتون )) وقوله سبحانه : (( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )) قال الطبري : وكان عمر يقول : لم يمت ؛ وكان يتوعد الناس بالقتل في ذلك . حتى رجع عمر رضي الله عنه عن ذلك وقال : والله لكأني ما سمعت هذه الآية من قبل .
وكان من واجب المسلمين بعد أن عرفوا بحقيقة الأمر أن يسرعوا باختيار خليفة لهم يلي أمر المسلمين في شتى أمورهم المختلفة . فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعده ليبايعوا سعد ابن عبادة ، فبلغ ذلك أبا بكر ، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : منا أمير ومنكم أمير ، فقال أبو بكر : منا الأمراء ومنكم الوزراء . ثم قال أبو بكر : إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين : عمر أو أبا عبيدة ، إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه قوم فقالوا : ابعث معنا أميناً فقال : لأبعثن معكم أميناً حق أمين ؛ فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ، وأنا أرضى لكم أبا عبيدة . فقام عمر ، فقال : أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلى الله عليه وسلم ! فبايعه عمر وبايعه الناس ... وجاء في صحيح البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه قال : نحن الأمراء وانتم الوزراء ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الأئمة من قريش ، وقال : أوصيكم بالأنصار خيراً أن تقبلوا من محسنهم وتتجاوزوا عن مسيئهم ، إن الله سمانا الصادقين وسماكم المفلحين ، وقد أمركم أن تكونوا معنا حيث كنا فقال : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) فتذكر الأنصار ذلك وانقادت إليه وبايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه ) وفي اليوم الثاني من بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعده دعي إلى الصلاة ، ووقف أبو بكر على المنبر ، وقام عمر وتكلم كلاماً طيباً عن فضائل أبي بكر .
فبايع الناس الصديق بيعة عامة بعد بيعة السقيفة ، ثم تكلم أبو بكر رضي الله عنه فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه : أما بعد أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانه ، والكذب خيانه ، والضعيف فيكم قوي حتى أرد عليه حقه إن شاء الله تعالى . والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله تعالى . لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله . ولم يتخلف عن البيعة إلا الذين كانوا مشغولين بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انتهوا من ذلك بايعوا ، ولم يتخلف منهم أحد سوى سعد بن عبادة رضي الله عنه الذي تأخر قليلاً من الوقت ، ثم بايع وخرج مجاهداً ، واستشهد في بلاد الشام بعد قليلٍ من خروجه رضي الله عنه .
الموظفون في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
- حنظله بن الربيع ( كاتب )
- عبد الله بن الأرقم ( كاتب )
- عبد الله بن خلف الخزاعي ( كاتب )
- معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي ( كاتب )
- أبو عبيدة عامر بن الجراح ( بيت المال )
- سعد القرظ ( مؤذن )
- زيد بن ثابت ( كاتب وفرضي )
- عبد الرحمن بن عوف ( إمارة الحج )
- أبو حثمة الأنصاري ( خارص )
وصية أبي بكر الصديق التي أمر بها أن يكون عمر بن الخطاب الخليفة من بعده
ترك أبو بكر الصديق رضي الله عنه عهد عمر مكتوباً وموثوقاً بخاتمه ، وكان نص العهد الذي حرره عثمان رضي الله عنه كما يلي :
( بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها ، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها ، حيث يؤمن الكافر ، ويوقن الفاجر ، ويصدق الكاذب ، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا ، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً ، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه ، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب ، والخير أردت ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) .
وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( دخلت على أبي بكر رضي الله عنه فقال : في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة . وقال لها : في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : يوم الاثنين . قال : فأي يوم هذا ؟ قالت : يوم الاثنين . قال : أرجو فيما بيني وبين الليل . فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه ، به ردع زعفران فقال : اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما . قلت : إن هذا خلق . قال : إن الحي أحق بالجديد من الميت ، إنما هو للمهملة . فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ، ودفن قبل أن يصبح ) ولابن سعد من طريق الزهري عن عروة عن عائشة ( أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة ، سنة ثلاث عشرة ) وروى ابن أبي شيبة وغيره ( أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وأن صهيباً صلى على عمر في المسجد ) قال البخاري : ( ودفن أبو بكر رضي الله عنه ليلاً )
وفي الختام أسال الله أن ينفعكم بهذا الموضوع وان يجزيكم خير الجزاء على قراءته , هذا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبيا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه وأزوجه والتا بعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .[/align]