البحث عن زوج «مقطوع من شجرة»
فتيات يعتقدن أنه الحل المثالي لتجنب المشاكل
الاثنيـن 13 شـوال 1429 هـ 13 اكتوبر 2008
الرباط: لطيفة العروسني
الزواج والاستقرار العائلي، حلم تتطلع اليه معظم الفتيات،الا انه وخلافا للسابق، اصبح خطوة محفوفة بالخوف من الفشل، في ظل ارتفاع معدلات الطلاق الذي يقع احيانا لأسباب واهية. وتشير الاحصاءات الى ان تدخل الاهل في حياة الزوجين أحد اسباب نشوب الخلافات التي تؤدي الى الطلاق في المغرب.
لكن وبما ان تدخل الاهل في كل كبيرة وصغيرة، أمر لا بد منه ومن الصعب القضاء عليه تماما، بل يعتبره البعض واجبا، لا يحق الاعتراض عليه، ترى بعض الفتيات ان الحل يكمن في البحث عن زوج «مقطوع من شجرة»، أي لا اب، ولا أم، ولا اخوة. فهل هذا الشرط معقول؟ وهل يضع حدا للمشاكل والخلافات بين الازواج، ام أنه مجرد شماعة؟.
من خلال الآراء والشهادات، يتبين ان هناك من تؤيد ومن تعارض الفكرة، الا ان الخيط الرفيع الذي يجمع بينهن والتي لا يتم التعبير عنه بصراحة، هي ان المرأة عموما لا ترتاح الى عائلة الزوج مهما كانت هذه الاخيرة مسالمة وبعيدة.
تقول سعاد الناصري، وهي فتاة غير متزوجة،
انها بالفعل تبحث عن زوج «مقطوع من شجرة»، والسبب، حسب رأيها، ان اخت خطيبها السابق، هي التي كانت سببا في فسخ خطبتها لأني ببساطة لم اعجبها، وعملت كل ما في وسعها للتفريق بيننا، بحجة انني متوسطة الجمال، وكبيرة في السن، أي ان هناك احتمالا بأن لا انجب له اطفالا، مما جعل خطيبي السابق يتهرب تدريجيا من الارتباط بي، بعدما كان متحمسا له في البداية، وفعل المستحيل للتقرب مني. ألا يحق لي اذن البحث عن زوج لا عائلة له؟.
وأكدت الناصري ان الرجل المغربي، مهما بلغ درجة وعيه، يظل مرتبطا بأهله، ويتأثر برأيهم، على اعتبار انهم من دمه وحريصون على مصلحته اكثر من عائلة الزوجة.
واذا كانت الناصري اتخدت قرارها من منطلق تجربة شخصية، فأمينة، تؤيدها الرأي، من منطلق تجربة عاشتها اختها المتزوجة، والتي ذاقت مرارة العيش بسبب تدخل اهل زوجها في كل تفاصيل حياتهما بشكل غير طبيعي، كاد يؤدي الى الطلاق. والسبب أن أختها، كما تقول، كانت تسكن في بيت مشترك مع اهل زوجها،الامر الذي ضايقهم كثيرا، فاستعملت الحماة وبناتها مختلف الحيل لدفعها الى ترك البيت، بما في ذلك اتهامها بممارسة الشعوذة. ولم تتوقف المشاكل بالرغم من انتقال أختها للعيش في بيت مستقل. وتضيف امينة "أفضل الارتباط بزوج لا عائلة له، فعلى الاقل ستبقى الخلافات منحصرة بيني وبينه".
اما سلمى،
فتعارض بشدة هذا الرأي، وتقول ان الارتباط بزوج مقطوع من شجرة يعني ربط مصيرك بشخص لديه عقدة نقص، فإن كان تعرض لليتم على سبيل المثال، فهذه الحادثة ستؤثر في نفسيته وطباعه، وقد تؤثر في علاقته بأطفاله في المستقبل. وتشير: قد تجدين نفسك امام شخصية غير اجتماعية وانطوائية تميل الى الحزن والعزلة، وهذه كلها امور ستؤثر في السير الطبيعي لحياة الزوجين». وتقول سلمى: ان الفتاة التي تفكر بهذه الطريقة شخصية غير سوية في نظرها، لانه بقدر ما نحب عائلتنا ونتمنى ألا نحرم منها، فنفس الشيء يجب ان نتمناه للاخرين. أما بالنسبة للصدام مع عائلة الزوج فيمكن التغلب عليه وتجاوزه بتحكيم العقل، وبالاحترام المتبادل، وحسن الاختيار من البداية.
وفي نفس السياق، تقول كوثر
ان رغبة بعض الفتيات الارتباط بزوج لا اهل له، نابعة من احساس ظرفي اساسه التخوف من المشاكل، ووعيهن بعدم القدرة على مواجهتها فهذه كلها انطباعات تكشف عن قصر نظر، قد نندم عليها اذا ما تحققت، فهل تقبل الفتاة بأن يكون اطفالها من دون جد او جدة، او اعمام وخالات؟ طبعا لا، فالعائلة تعتبر سندنا في هذه الحياة، ومن دونها نشعر بالعزلة، وطبعا الحديث هنا عن عائلة محترمة ومن اصل طيب.
ويقول سعيد،
وهو متزوج، ان مصدر المشاكل، ليس عائلة الزوج فقط، فأحيانا كثيرة تكون عائلة الزوجة، أي امها واخواتها سببا في حدوث الخلافات، لذلك لابد من النظر الى الامور بشكل مختلف، وليس من منطلق الانانية ورفض الاخرين. يقول: «صحيح اننا ننزعج كثيرا بتدخل الاخرين في حياتنا، الا انه لا يجب ان تصل الامور الى تمني الارتباط ممن لا عائلة له، لكن في المقابل اتفهم من لديها هذه الرغبة، فهذه الفتاة في الغالب، عاشت معاناة اسرية اثرت في نفسيتها، ولا تريدها ان تتكرر من جديد مع زوجها واطفالها، وان كانت ستكتشف في المستقبل بانها مخطئة، فكل انسان يحتاج الى الدعم العائلي، عندما تواجهه صعوبات في الحياة، وأقصد الدعم النفسي، والمادي كذلك.
ومقابل هذه الآراء، ما هي وجهة نظر المتخصصين في علم النفس حول هذا الموضوع؟ يقول الدكتور سعيد البحير لـ«الشرق الأوسط» ان الرغبة التي تعبر عنها بعض الفتيات في الارتباط بزوج لا اهل له، خوفا من المشاكل التي قد يتسبب فيها تدخل العائلة، لا يعكس الحقيقة من وجهة النظر النفسية، فالسبب الحقيقي هو حب التملك الذي يسيطر على بعض النساء اكثر من الرجال. فالمرأة، كما يقول، تحب ان يكون زوجها ملكاً لها وحدها، ولا يعرف احدا غيرها، بما في ذلك اسرته وعائلته، لذلك تتطلع الى الارتباط بشخص لا يشاركها في حبه أحد، ليس بغرض تفادي المشاكل كما تدعي.
ويؤكد البحير ان حب التملك هذا يسيطر على الام ايضا، التي ترفض ان تأتي امرأة اخرى وتستحوذ على اهتمام ابنها.
وأوضح بحير ان مثل هذه الافكار تعد بنظره تقليدية، فالفتاة اصبحت اليوم متعلمة، وواعية، وبإمكانها البحث عن وسائل لتدبير العلاقة مع عائلة الزوج، في اطار من التفاهم، عن طريق التخلي عن الانانية حتى تحافظ على شمل العائلة، لان هذا يصب في مصلحة الجميع.
واشار أيضا إلى ان بعض النساء، وبمجرد زواجهن، يعملن كل ما في وسعهن من اجل عزل الزوج عن محيطه العائلي. وقد يصل الأمر إلى تشويه صورة ابويه واخوانه واخواته، عن طريق توجيه النقد المستمر لسلوكهم. قد ينجحن في ذلك، الا ان الامر في الغالب لا يدوم طويلا، قبل ان يفطن الزوج ويتمرد على كل القيود التي تكبله بها الزوجة، وتكون هي اولى ضحاياه، حين يكتشف انها السبب في ابتعاده عن العائلة التي تربى في احضانها.
ويؤكد بحير ان الحياة العصرية التي نعيشها جعلتنا نميل الى الفردية، فالزوجة تريد الذهاب الى المطعم، او قضاء عطلتها الصيفية هي وزوجها والاطفال، ان وجدوا، ولا تريد لأحد آخر ان يشاركهما حياتهما وأنشطتها. أما إذا كان الرجل «المقطوع من شجرة» هو الزوج المثالي، فيرد بحير، ان هذا الاعتقاد خطأ، فالعلاقات الانسانية لا يجب ان تخضع لمثل هذه الشروط الغريبة، لأن غياب العائلة في حياة الزوج قد يؤثر بشكل سلبي في علاقته بالاخرين، ليصل أحيانا الى حد الشعور بعقدة نقص، مما يؤكد ان الحل ليس في رفض الاخرين ونبذ وجودهم، بل في التكيف والانسجام معهم.