والسبب الثانــي : آثار الذنوب والمعاصــي على الأمه . إن صحائف التاريخ خير شاهد على عجيب تأثير المعاصي في الأمم، لقد كانت أمة الإسلام في سالف دهرها أمة موفورة الكرامة، عزيزة الجانب، مرهوبة القوة، عظيمة الشوكة، لكنها أضاعت أمر الله، وأقْصت شريعته من حياتها، وراجت أسواق الشرك في أصقاع كثيرة في العالم الإسلامي ـ وهذه الأمة أمة التوحيد ـ فصار أمرها إلى إدبار وعزها إلى ذل، وجثم على صدرها ليل طويل من الاستعمار الكافر، ولولا أنها الأمة الخاتمة لأصبحت تاريخاً دابراً تحكيه الأجيال. وليس الذي حل بنا ويحل ظلماً من ربنا، كلا وحاشا، فهو القائل في الحديث القدسي الصحيح: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا))، وإنما هي السنن الربانية النافذة التي لا تحابي أحداً،" إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ثوبان مرفوعاً: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها))، قلنا: يا رسول الله، أمن قلة منا يومئذٍ؟ قال: ((أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن))، قالوا: وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا وكراهة الموت)).
إننا ـ معاشر المسلمين ـ اليوم نئن تحت وطأة الذلّ المسلّط علينا، وكثير من المسلمين لا يزالون غافلين عن سبب البلاء الذي بيّنه رسولنا في غير ما حديث صحيح، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليهم ذلاً لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم))
ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إننا كنا قوماً أذلة فأعزنا الله بهذا الدين، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).
من هنا كانت البداية، ومن هنا يكون البدء، ومن تركِنا لديننا كانت بدايةُ رحلة الذلِّ والضياع في تاريخ أمة الإسلام، ومن الرجوع إلى ديننا وتوبتنا إلى ربنا يكون البدء إذا أردنا العودة إلى العزة القعساء والشرف المفقود.
إن كلَّ تائب منّا من معاصيه عليه أن يعلم أنه يكتب بذلك سطراً في سِفْر مجد أمة التوحيد.
وللحـديث بقيــه ..،