نهايتان متغايرتان !!
الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه وبعد :
أيها الإخوة والأخوات : دعوني أذكر لكم ابتداءً هاتين القصتين :
الأولى : جاء في سيرة الإمام المحدث أبي زرعة الرازي – رحمه الله – ما أورده ابن الجوزي في :(صفة الصفوة ص424 ) عن أبي جعفر التستري قال : حضرنا أبا زرعة وهو في السَّوْق ( أي: عند احتضاره ) وعنده أبو حاتم وابن وارَةَ الرازي والمنذرُ بن شاذان ، وكلُّ هؤلاء من أئمة الحديث الكبار ، فذكروا حديث التلقين ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) واستحيوا من أبي زرعة أن يلقنوه وهو العالم الجليل القدر ، فقالوا: تعالوا نذكر الحديث ، أي: كأنهم يتذاكرون الحديث وسنده وقصدُهم بذلك أن يسمعوه ، فقال ابن وارة : حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح ، ثم تلكأ وجعل يقول: ابن أبي ابن أبي... - ولم يجاوزه - ، فقال أبو حاتم : حدثنا بُندار حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح ثم توقف ، فقال عند ذلك أبو زرعة وهو في النـزع يعاني سكرات الموت : حدثنا بُندار حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد عن صالح ابن أبي غريب عن كثيّر بنِ مرة عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : " من كان آخرُ كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ثم فاضت روحه إلى بارئها !! رحمه الله وغفر له .
القصة الثانية : ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب ( المحتضرين ص228 ) عن عبد العزيز بن أبي رواد قال :: حضرت رجلا في النـزع فجعلتُ أقول له : قل لا إله إلا الله وأكررها عليه ،فلما كان في آخر ذلك قلت له : قل لا إله إلا الله ، فقال :كم تقول؟! ( أي ما أكثر ما تقولها لي!! ) ثم قال - ويا بؤس ما قال - : إني كافر بما تقول !! وقُبض على ذلك ، فسألتُ امرأته عن أمره فقالت : كان مدمنَ خمر! فكان عبد العزيز بن أبي رواد يقول : اتقوا الذنوب فإنما هي أوقعته ".
نهايتان متغايرتان حقّاً !!
والسؤال : لماذا ثبت هذا , ولماذا زاغ قلب ذاك ؟!
أما الجواب فواضح وضوح الشمس في رابعة النهار .
لقد حفظ أبو زرعة ربَّه في حال حياته , وأفنى عمره في سبيل مرضاته , فكان الله معه في هذه الساعة الحرجة التي تزل فيها الأقدام , وينعقد فيها اللسان .
وأما الآخر- عافانا الله وإياكم- فقد نسي الله في حياته وحال قوّته فنسيه الله في حال ضعفه وعجزه.
أجل ، إن القلب إذا امتلأ بمحبة الله وخشيته فإنه يفيض عند الموت بما فيه ، فيبدو أثر ذلك على الميت : نورٌ في الوجه , أو نطقٌ بشهادة التوحيد , أو موتٌ على طاعة من الطاعات.
أما من امتلأ قلبه بالشك والنفاق , والتعلّق بالفحش والتفحُّش , فماذا نتصور أن يكون حال صاحبه عند الموت ؟!
لقد سمعنا وقرأنا عن حال أناس قضوا حياتهم بالعبث والحرام والاشتغال بالدنيا على حساب الآخرة ، فكانت النهاية مؤسفة موجعة : سوادٌ في الوجه , أو نطق بكلمات الخناء والفجور , أو ربما صُرفت وجوههم عن القبلة عياذاً بالله من سوء الختام .
أخي الكريم , أختي الكريمة :
إن العمر فرصةٌ واحدةٌ لا يمكن تعويضها ، فإنما هي أنفاس تعدّ , وأيامٌ تمضي , والقدوم على الله كائنٌ لا محالة .وعند ذلك يربح المتقون , ويخسر هنالك المبطلون .
عاملنا وإياكم بعفوه ورحمته .
أخوكم
عبدالله العسكر
23/4/1432هـ
--
أسعد بزيارتك :
- على الفيس بوك
http://www.facebook.com/profile.php?id=100001033176611
- على اليوتيوب
http://www.youtube.com/user/alaskrChannel#p/a