في احد البحوث التي قام بها علماء امريكيون في مجال دراسة تكون العواصف الترابية وتأثيراتها البيئية اكدوا ان العواصف الصغيرة والكبيرة التي تظهر في الصحارى ذات منشأ كهربائي وانها لا تحدث بالدرجة الرئيسة بسبب هبوب الرياح بل بسبب ظهور ذرات غبار مشحونة متنافرة تقود الى ظهور مجال كهربائي طبيعي شديد بين سطح الارض والمناطق الاعلى منه وقد بحث الفريق في اصول نشوء العواصف الترابية والرملية وتوصل الى دلائل تشير الى ان الاعصار نفسه يتولد بداية الامر من رياح ضعبفة تهب فوق مناطق التربة الجافة وتؤدي الى تصاعد دقائق التراب والرمال الى الاجواء ولكن حالما تصطدم دقائق الغبار الصغيرة مع الكبيرة حتى تكتسب الاولى الكترونا من الثانية وبعد فترة قصيرة من ذلك تنفصل الدقائق الصغيرة والكبيرة الموجودة في سحابة الغبار عن بعضها وبفعل الرياح تتوجه الاولى التي اصبحت تحمل شحنة سالبة ”شحنة الالكترون سالبة “ الى الاعلى بينما تظل الدقائق الكبيرة التي اصبحت موجبة الشحنة بالقرب من سطح الارض ومع وجود موضعين احدهما سالب والآخر موجب يتكون حقل كهربائي مستقر تزداد شدته مع الزمن يؤدي الى ازدياد كبير في اعداد دقائق التراب المتطايرة.
وقد تتفق العواصف مع التصحر فتحدث عواصف ترابية والعكس صحيح فكلما كانت البيئة المحيطة بالمدن زراعية وخضراء كانت العواصف الترابية اقل حدوثاً، وعليه فأننا امام متلازمة وثيقة لافكاك منها اذ كلما كانت الارض عارية من المزروعات مكشوفة امام الرياح كانت العواصف الترابية اكثر احتمالاً في الحدوث وبالتالي كلما هبت الرياح بقوة جرفت معها طبقات من التراب الذي يغطي سطح الارض لتنقله معها الى مكان آخر وهذا المكان الجديد ربما كان في نفس امتداد الارض المكشوفة ”كالصحراء مثلاً “ وهذا يفسر لنا تكون الكثبان الرملية وتراكمها في اماكن معينة من الصحراء وتحركها على الارض بين فترة واخرى مثلما يفسر لنا ايضاً التعرية الواضحة في الصخور بفعل تأثير الرياح القوية والمستمرة التي تؤثر فيها وكمثال على انتقال الاتربة والرمال مع الرياح وتراكمها هنا وهناك فقد وجد باحثون صينيون بأن اعلى القمم الرملية في العالم وهي قمة ”بيلوتو “ الرملية الواقعة في صحراء ”بادين جاران “ في مقاطعة منغوليا الداخلية في شمال الصين وقد ارتفعت خلال عقدين من الزمن بمقدار ”60 “سم مما يؤكد زحف الرمال وتراكمها بفعل تأثير الرياح.
الأتربة المحمولة
وعلى الصعيد ذاته يؤكد الاستاذ احمد بدر على امكان ان تحمل الرياح ذرات التراب الى اماكن ابعد من اماكنها الاصلية في المناطق الصحراوية وبالتحديد الى المدن اعتماداً على سرعة الرياح واتجاهها فأذا سارت هذه الرياح الى المدن غطتها بما تحمله منذرات التراب تلك نتيجة تناقص سرعة الرياح داخل المدن بسبب وجود البنايات الشاهقة والاشجار الكبيرة واشجار النخيل الباسقة والابراج العالية وما الى ذلك مما يمكن اعتباره من معدات الرياح ولذلك فأن الاتربة المحمولة سوف تتبعثر وتنتشر بين تلك البنايات والاشجار ”اي في اجواء المدينة “مسببة الاجواء المتربة ما يعني ان العواصف الترابية تعمل على نقل الاتربة الى المدن التي تقع في مساراتها فتكون بذلك عاملاً مساعداً من عوامل التصحر في انحاء العالم المتفرقة وكلنا يعلم ما للتصحر من مخاطر على الانسان والكائنات الحية الاخرى وعموم عناصر البيئة ككل حيث تشير التقارير العالمية التي صدرت عن الامم المتحدة بأن نحو ”70بالمائة “ من اجمالي مساحة الاراضي الجافة المستخدمة في الزراعة في العالم تضررت بدرجات متفاوتة من جراء عمليات التصحر كما اعتبرت منظمة الزراعة العالمية “فاو “ التصحر مرض الارض الاشد خطورة وفي تقريرها اوضحت الامم المتحدة ان دول غرب آسيا ”البقعة الجغرافية التي تضم العراق “ تقع ضمن الحزام الصحراوي الجاف لغرب القارة الذي يتميز بانخفاض معدل هطول الامطار وارتفاع كل من درجات الحرارة ونسب التبخر.
اما عن الاتربة التي تصل الى الغلاف الجوي فيقول الاستاذ احمد بدر موضحاً: ان احدى الدراسات العلمية للبيئة والتي اجرتها مجموعة من علماء البيئة في جامعة ليج في بلجيكا افادت ان الصحراء تلقي بأتربتها في الغلاف الجوي بنحو”مليار طن سنوياً “ بالاضافة الى ان 100 مليون “ طن من هذه الاتربة تأخذ اتجاهها الى القارة الاوروبية وبعضها يختفي في حوض البحر الابيض المتوسط والاخر يتساقط في صورة مطر ما يشكل خطراً على صحة الانسان خاصة في جنوب اوروبا ويشير التقرير انه منذ العام 1980 وهذه الاتربة تتزايد وتؤدي الى تصحر البلاد وتهدد المناطق الزراعية حيث تصحرت مئات الملايين من الهكتارات من الاراضي الزراعية ونتيجة لهذه الظاهرة الخطيرة يفقد العالم كل عام نحو ”691 كيلو متراً مربعاً “ من الاراضي الزراعية بسبب عملية التصحر بينما ثلث اليابسة في الكرة الارضية معرض للتصحر ووفقاً لتقارير الامم المتحدة كذلك فأن الارض فقدت نحو ”30بالمائة “ من مواردها الطبيعية ما بين عامي ”1970و1995 “ في الصحاري والارض الجافة وتدفعها حتى تصل الى الكثير من دول العالم وان هناك نحو ”مليار نسمة “ يهددهم شبح الجفاف والفقر الناجم عن التصحر الذي يكلف العالم خسارة سنوية تقدر بنحو ”42 مليار دولار“ ويبلغ نصيب افريقيا وحدها زهاء ”6 مليارات “ بينما وصل عدد الدول التي تتعرض اراضيها للتصحر الى ”110 دولة “ وللعواصف الترابية تأثيرات بيئية لا يستهان بها حيث يطال تأثيرها الشعب المرجانية في البحار والمحيطات ويكون تأثير العواصف اكثر حدة وسوءاً في المناطق الصحراوية ذات التربة الجافة والغطاء النباتي القليل. مما يؤدي الى زيادة رقعة الصحراء كما تحرك الرمال وتدفعها لتغطي الوحدات والاراضي الخصبة وتبتلع القرى والمجمعات السكنية فتموت المزروعات وتهلك الحيوانات.
أنوع التنبؤ
اما عن أمكانية التنبؤ بالعاصفة الترابية فيقول الدكتور نعمة الفتلاوي/ قسم علوم الجو في الجامعة المستنصرية.
بالامكان التنبؤ بحدوث العاصفة الترابية او اي ظاهرة انوائية اخرى وهناك نوعان من التنبؤ: الاول قصير المدى وهذا يعني التنبؤ خلال السبعة ايام القادمة وتصل نسبة الدقة في هذا المجال الى ”100بالمائة “ فقد تنبأت المملكة العربية السعودية بأعصار ”غونو “ قبل حدوثه وقد اعطت الانذار الى سلطنة عمان بتاريخ وصوله الى السلطنة كما اعطت مواقع تأثيراته وفي اي المناطق.
والثاني هو البعيد المدى: وهذا يعني اعطاء تنبؤات بعد شهر او شهرين او سنة قادمة ويقدم العلم تنبؤات بعيدة المدى وبدقة تتجاوز ”80 بالمائة “ وذلك بالاعتماد على الموديلات الرياضية والمحسوبة بالحاسوب وهذا ما يسمى بالتبؤات العددية ومع الاسف الشديد لا يستخدم العراق هذه التنبؤات لافتقاره الى الاجهزة المتطورة للكشف عن العواصف الترابية وفي زيارتي لبعض الدول العربية ولمعرفة عمل هيئاتها الانوائية لاحظت ان العراق ينفرد بتسمية ”هيئة الانواء الجوية “ مع العلم ان جميع الدول العربية تسمي الانواء الجوية بدائرة الارصاد الجوي.
آثار صحية وبيئية
اما عن الاثار الاجتماعية الناجمة من العواصف الترابية فيقول:- من الآثار السلبية للعواصف الترابية هي التأثير على مدى الرؤيا بالاضافة الى الآثار الصحية والبيئية “ حيث يتناسب هذا التأثير مع شدة هذه العواصف فكلما كانت كثافة دقائق الغبار والاتربة التي تحملها الرياح كبيرة كان حجب الرؤيا اكبر وكلنا يعلم ما لهذه الحالة الجوية ”مدى الرؤيا الافقي “ من تأثير واهمية في الحياة اليومية للناس وخاصة في مجال المرور وما تسببه من متاعب ومعوقات عند قيادة العجلات وقد تصل احياناً الى حد الحوادث الكبيرة والمميتة وبشكل واضح في الطرق الخارجية ناهيك عن حصولها في شوارع المدن وهذا في حقيقة الامر من التأثيرات البالغة الخطورة على الفرد خصوصاً لما تفرزه من اذى مباشر عليه وعلى المجتمع، وعن الفوائد المرجوة من هذه العواصف فيقول:-
للعواصف الترابية فوائد كغيرها من الرياح فهي تلعب دوراً مهماً في نقل حبوب اللقاح والمساهمة في تلقيح كثير من النباتات المختلفة ومن فوائدها ايضا انها تحجب اشعة الشمس عن المناطق التي تغطيها تلك العواصف مما يؤدي الى خفض درجات الحرارة في تلك المناطق.
اما عن قوة الرياح وسرعتها واحجام واقطار جزيئات الاتربة والرمال تحدث لنا الدكتور قاسم محمود-قسم علوم الجو في الجامعة المستنصرية فقال:- ان قوة الرياح تثير الاتربة والرمال الارضية فتحملها عالياً بأرتفاعات مختلفة وحسب الظروف الجوية السائدة وكذلك حسب اخطار واحجام جزيئات ”ذرات “ الاتربة والرمال المتصاعدة والتي تتزامن مع قوة دفع ورفع الرياح محدثة العواصف الغبارية مسببة انخفاض الرؤيا الافقية لاقل من ”1000 “ متر مع ظروف ارتفاع تلك العواصف تتناسب واقطار وحجوم جزيئاتها ففي حين لا ترتفع جزيئات الرمل الكبيرة لاكثر من ”30 متراً “ عن سطح الارض فان جزيئات الغبار الناعمة جداً ترتفع لعدة كيلومترات في الجو ولقد سعت دول كثيرة الى دراسة ظاهرة الغبار والعواصف الغبارية ومعرفة ما هيتها واسباب حدوثها خاصة علاقتها مع العوامل المناخية المتعددة وبصورة اساسية الرياح ودرجة الحرارة واستناداً الى قطر وحجم جزيئات تلك العواصف فقد ذهبت بعض المعاهد البحثية الى تقسيمها الى عواصف ”غبارية ترابية “ وعواصف رملية حسب مواصفاتها الكيمياوية التحليلية فقد وصفت بعض تلك العواصف بانها حملت وانتقلت من اراض تربتها ذات ملوحة عالية مسببة مشاكل ملحية عند استقرارها على النباتات والمباني والاراضي الاخرى.
ومن الواجب الاشارة الى معاهد علمية بحثية تخصصية لدراسة ومتابعة ظاهرة العواصف الغبارية بكل انواعها ومنها الصين حين نشرت اكثر من ”2000 “ بحث علمي وخصصت احد الاطوال الموجية بتردد خاص على قمرها الصناعي الانوائي لدراسة ومتابعة ظاهرة العواصف الترابية وتكمن خطورتها في تلويثها للبيئة بكل مفاصلها فهي تقلل مدى الرؤيا الى اقل من ”100 “ متر وكذلك تؤثر على حركة سير المركبات والطيران اضافة الى النقل النهري والبحري والاهم من ذلك تأثيرها المباشر على الانسان اضافة الى ترسب المواد العالقة على جسمه فانها تسبب الوفاة في احيان كثيرة خاصة للاشخاص المصابين بالربو او ضيق التنفس وذلك عند هبوب عواصف غبارية قادمة من صحارى شمال افريقيا والتي توصف اتربتها الناعمة جداً بالصفراء حيث تكون احجام جزيئاتها مقاربة لحجوم جزيئات الدخان الخشن.
ويجب ان تتوفر شروط اساسية لكي تحدث العواصف الغبارية يقول عنها د. قاسم محمود:- يجب ان تتوفر رياح لا تقل سرعتها عن 10 امتار/ثا مع زيادة سرعتها مع الارتفاع عن سطح الارض لكي يتم المحافظة على استمراريتها.
* ان تكون منطقة مصدر الغبار والرمال المنقول ذات طبيعة جافة ومكشوفة اي خالية من النباتات مثل الصحارى.
* ذات طبيعة هشة وتربة مفككة يتم نقلها بسهولة.
* ان تتوفر ظروف عدم الاستقرار الجوي للتيارات الهوائية وخصوصاً بارتفاعات قريبة من سطح الارض حيث تصبح هناك امكانية للرياح على حمل الجزيئات الترابية الناعمة الى الاعلى لان استقرار الهواء يؤدي الى حدوث اضطرابات ريحية افقية لن تدوم طويلاً ولا يرتفع الغبار سوى لامتار قليلة.
* ان الانقلاب الحراري في الطبقة من ”500-1000 “ متر عن سطح الارض يحفظ الغبار المتصاعد من الارض ضمن الهواء الواقع تحته ولا يجعله يتبدد لطبقات اعلى كما ان الانقلاب يساعد على حفظ القدرة الحركية للرياح فمن هذه الطبقة تستمر سرعها متحفظة على قيمتها طالما استمر وجود الانقلاب الحراري.
منظومات رئيسة لهبوب العواصف الغبارية
ويضيف الدكتور قاسم محمود: هناك منظومات للعواصف الغبارية التي تهب على العراق وهي ثلاث منظومات رئيسة وتغطي معظم مناطق العراق.
1- المنظومة الشمالية الغربية للعواصف الغبارية وهي المنظومة الرئيسية التي تغطي معظم اجزاء العراق عند هبوبها بل وتصل الى الكويت ومعظم اجزاء دول الخليج والسعودية وهي تتكرر لمعظم اوقات السنة.
اما مناطق اقتلاع الغبار والاتربة لتلك العواصف هي المناطق الواقعة بين الحدود العراقية ونهر الخابور عند التقائه مع الفرات في سوريا وتحديداً مناطق في سوريا ومناطق في العراق خصوصاً المناطق الجنوبية في الجزيرة الموصل والبادية الشمالية في الصحراء الغربية.
2- المنظومة الجنوبية والجنوبية الغربية والتي مصدرها مناطق شمال افريقيا بعد مرورها فوق سيناء والسعودية وهي لا تتكرر كثيراً على العراق خلال السنة ويكون غبارها ناعماً جداً.
3- المنظومة الجنوبية الشرقية وهي من المنظومات التي تترافق مع ارتفاع لدرجات الحرارة ورطوبة عالية مصدرها الصحارى في دول الخليج والسعودية وترافقها احياناً كثيرة رياح محملة بالغبار والرمال مصدرها مناطق الكثبان الرملية قرب العمارة - الحدود الايرانية وامتداداتها الى المناطق الجرداء بين الكوت والناصرية والديوانية ولا تتكرر تلك العواصف كثيراً خلال السنة وفي بعض الاحيان لا تغطي اجزاء شاسعة من العراق وغبارها معظمه رملي دقيق.
وقد اجمع المتخصصون على كيفية التقليل من اخطار العواصف الترابية بقولهم: التقليل من هبوب العواصف الترابية يتم من خلال مكافحة اسباب هذه العواصف وفي مقدمتها محاربة التصحر وزيادة الغطاء النباتي الذي يسهم بشكل كبير في تثبيت التربة ومنع انجرافها مع الرياح ويكون ذلك من خلال السيطرة على المراعي الطبيعية وتنظيمها كذلك من الضروري اطلاق حملات شعبية ورسمية لغرض ايجاد حزام اخضر حول المدن العراقية من خلال توفير الشتلات والمزروعات لغرسها بشكل نظامي في مداخل المدن. ان هذا الحزام الاخضر المطلوب لا بد ان يرافقه بساط اخضر داخل المدن وذلك بزراعة المساحات الخالية والمهملة لضمان عدم اثارة الغبار والاتربة فيها ناهيك عن تلطيف اجواء المدينة وايجاد متنزهات يرتادها الناس لقضاء اوقات الراحة والاسترخاء وهناك تجارب عالمية في مجال زراعة المناطق الصحراوية من اجل تثبيت التربة وتحسين المناخ ايضاً . ان مثل هذه الحملات تحتاج الى دعم مالي وثقافي واعلامي واجتماعي كبير لنجاحها وكذلك تتطلب حضوراً ميدانياً فاعلاً للمسؤولين والقائمين عليها لتعكس انطباعاً جاداً ورغبة صادقة منهم في خدمة الارض والانسان معاً.
المصدر : جريدة الصباح