[align=right]الأخت بنت عتيبة
موضوع موت النص موضوع شائك...و كان عليك أن تبسطي قدر الإمكان ...فلقد لا حظت كيف ساعد غموض السؤال في جنوح سفينة بعض الأعضاء لدرجة أنه فهم منك أنك تسألين متى يكون العضو أخلاقيا و متى لا يكون....
عموماً....
دعيني أحدد النقاط التي استطيع فيها الحديث عن هذا الموضوع الذي طالما أشغل المدارس الفكرية ...و لكي لا أتحجر واسعاً..فحديثي سوف ينحصر حول ما يلي:
أ- ماهو النص ؟
ب- ما ذا يعني موت النص أو حياته
ج- ما هي التبعات الناجمة عن من فهمنا للنص، موته، و حياته..
أولاً : النص، و ماهيته..
النص: تعبير مكون من جمل منطقية في بناءها و يقوم بإنشاءها الكاتب للقاريء
ليس هذا فحسب بل ينشئها المتكلم للسامع... مثال : قصيدة من المعلقات ...لم تكتب إلا لاحقا... و لذلك النص قد يكون مسموعا...فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يعد نص مع أن الحديث لم يتم تدوينه إلا بعد 90 سنة من الهجرة الشريفة ( المرجع كتاب: السنة قبل التدوين، لمحمد عجاج الخطيب)..
إذن لدينا ثلاثة أطراف للنص:
القاريء--الكاتب--و الحدث المكتوب عنه أو الظاهرة التي يتطرق لها النص...أو ( المرسل-الوسط الناقل-المستقبل) للرسالة...
الكاتب يمسك بالقلم ....فيفكر في الكتابة....و أثناء هذا التفكير يتخيل الكاتب صديقه القاريء و كيف يفكر هذا القاريء...يختصر الكاتب الكتلة المكونة التعقيدات المعرفية غير المنظمة إلى كتلة أكثر تبسيطا ليتمكن القاريء من فهمه...و إلا فالكتاب لن يكتب إذا لم يكن له قراء...
إذن الكاتب يطبق ضمنيا قول ماجاء في الاثر :" خاطبوا الناس على قدر عقولهم ..أتحبون أن يكَذّب الله و رسوله" رواه البخاري...
أي أن الكاتب بلا قاريء لا قيمة لنصه...المرسل بلا مستقبــِل لا قيمة لرسالته...
و لذلك يموت النص بغياب القاريء...
ثانياً: ما معنى أن يموت النص؟
كلمة " موت" كلمة مجازية...قلناها للشرح،،، و ليس لأن النص له روح و يموت و يفنى و يندثر....
الذي جعلنا نختار كلمة موت هو " عدم الفاعلية" التي تربط بين النص الذي لا يقرأ و بين الميت الذي لا حراك فيه...
لذا نقول يموت مجازا... و عليه فالمجاز لا ينبغي له أن يخدعنا فنستمر في التعامل مع النص مثل كائن حي يموت....
يوجد أفكار...تجمدت....لفترة زمنية مثل أرسطوطاليس الذي كتب كتابه فن الشعر قبل ميلاد المسيح عليه السلام بأكثر من 500 عام... و عاد ابن سينا و ابن رشد في القرن الثامن أي بعد 13قرنا فترجموه... و اليوم يعد من علماء السياسة....
ما أردت قوله أن النص يموت و يحيا و بالنسبة لبعض الناس هو ميت و لبعض التخصصات هو حي...
لذا حياة النص نسبية( بالنسبة لـــــ)...
اللغة العبرية اندثرت أو كادت ...فعاد الإسرائيليون و أقاموها حتى نسي الأوروبيون القادمون لفلسطين لغاتهم و عاد أبناؤهم و كأنهم يتكلمونها منذ ثلاثة آلف عام عندما كان النبي سليمان عليه السلام حاكما للشرق الأوسط...
لكن هل هي نفس العبرية؟؟؟
لا....
تغيرت...زادت حاجات العصر....
اللغة تتغير و النص يكبر و يلبس ثوبا عصريا....
حتى القرآن ....لو وجدت مثلا تفسير ابن كثير لبعض الآيات " و الأرض بعد ذلك دحاها" لما وجدت في معناه الدحية التي تعني البيضة لأن ابن كثير لم يكن يعلم أن الأرض بيضاوية مع أنه يعلم بالدحية أنها البيضة لكنها فضل كلمة "يدحو" أي يملأ بشيء قابل للخروج....
و عليه فالمعاني تتجدد و المقاييس البشرية تتغير...
لو سألت شخصا ً عن كلمة " يستاهل " مثلاً ....لما فهمها كما فهمها الجاهليون...
" أيا أسما كلي و استاهلي" ،، من الاستئهال أو استهالة الشحم على العصيدة...لكن تطورت الكلمة فصارت تعني يستحق الكرم... ثم تحولت قليلا لتدل على الاستحقاق خيره و شره...نقول " شارون مريض" مثلا..فيأتي أحدهم ويقول " يستاهل".....
الخلاصة أن اللغة كائن حي... و حياة النص تتغير لدرجة أن صاحبه نفسه عندما يتطور فهو يتمنى أنه لم يكتبه... لأنه يريد إعادة صياغته...
و بالتالي ...فالنص لا يموت و لا يحيى...بالمعنى الذي نعرفه عن حياة ذوات الأرواح...
سؤالك عن انفصال الشخص( الكاتب) عن النص ...لم أفهمه 100% لكن إذا أردت أن تقولي أن الكاتب لا تؤثر عواطفه في نصوصه فهذا صعب إذا كان النص يتميز بالصدق...
قد يكتب موظف الشركة نص بأمر المدير لكنه نص المدير...و الشخص الذي يكتبه ليس يعنيه في قرارة نفسه...
لكن ،،،إذا سلمنا --كما قلت لك سابقا- بأن الشخص يرى أنه تطور على نصه و لم يعد يقتنع به... فهذا نوع من الانفصال...بناء على الفرق الزمني...
أما النصوص التعبيرية الصادقة فتحمل بصمات أصحابها للأبد..
و كما قال الفرنسيون: الأسلوب الرجل،،في كناية عن أن الاسلوب و صاحبه لا يفترقان...
هذا و الله الموفق...[/align]