[align=center] في وداع رمضان
بقلم حلمي الأسمر[/align]
[align=right]مضى رمضان سريعا، خفيف الدم، بدأ بطقس بارد ولطيف، وانتهى بطقس أقرب إلى الحر. كنا نصوم يوميا ما يزيد عن الاثنتي عشرة ساعة، ومع ذلك، كانت تمر لطيفة خفيفة.
رمضان هذا العام حفل كما اعتدنا بألوان كثيرة من نشاطات الخير. كثير من الصائمين يخرجون زكاة أموالهم في هذا الشهر. اكتشفت هذا العام تحديدا أن الفقر في الأردن أكثر عمقا وشراسة مما توقعت، أو ربما غدا كذلك مع ازدياد صعوبة الحياة وتعقدها. لم اكن اصدق أن هناك في الأردن مثلا من يمكن أن يموت من الجوع، لكنها حصلت للأسف. لم أكن أتخيل أن هناك عائلة تمر عليها خمسة شهور بدون جرة غاز(،) يعني لا قهوة ولا شاي ولا طبيخ ولا نار توقد.
قصص الحاجة والجوع مذهلة وكثيرة ، وتكاد لا تصدق. لفت نظري على نحو استثنائي حملة إذاعة حياة اف ام التي عنونتها بـ "وسارعوا" حيث جمعت نحو مئتي ألف دينار في أقل من يومين لصالح جمعيات ومؤسسات خيرية قائمة، ولفت النظر في هذه الحملة، كثرة المتبرعين وتنوعهم الشديد، خاصة من الفئات الأقل حظا، أو ما يمكن أن تسمى الطبقة الوسطى التي لا تستطيع التبرع إلا بما يتراوح بين خمسة دنانير وخمسين دينارا.
كثرة الإقبال في الحملة لفتت النظر إلى مسألة في غاية الأهمية: لو استنهضت همة الناس للتبرع للأقصى أو تحرير فلسطين، ليس في الأردن فقط، بل في سائر بلاد العرب والمسلمين، وحيثما يوجد من يؤمن بالله في بلاد الغربة، ترى كم كنا سنجمع؟
لنتخيل أكثر: لو فتحت الأبواب أمام الناس لفعل ما يستطيعون من أجل تخليص الأقصى من الأسر، ماذا كانوا سيفعلون؟ هل كانوا خاذلينه؟ نحن إذن لم نزل أمة تنبض عروقها بالحياة. الكلمة "الصغيرة" التي تسمعها هنا أو هناك بحق العرب: "احنا العرب ....."، وتسمع شتيمة من العيار الثقيل، لا شيء يستفزني كهذا التصرف، وهو لا يصدر إلا عن شخص غير سوي، في حده الأدنى، فالعرب ملح الإسلام وحملة مشاعله والذائدون عن حياضه، وهم أمة ولادة، لكنها أسيرة قيود ثقيلة متنوعة، لا بد لها أن تنكسر وإن طال الزمن.
يرحل رمضان، ويترك وراءه بيوتا اعتادت أن يطرق بابها الخيرون، ولسان حالها: ليت أشهرنا كلها رمضان، رحل رمضان، وارتَدَت بعض فضائيات الفسق والفجور لباس العفة فتزينت ببعض الحشمة، حتى إذا دخلنا شوال ، نضت عفتها وبدأت تبث سمومها ورخصها، فليت رمضان يمتد قليلا كي يكفينا هذا الاسفاف، رحل رمضان، وقد كشف لنا أن عمان تتغير، فقد كان سهلا جدا أن ترى هنا وهناك من ينتهك حرمة الصوم، بلا خوف أو خجل. بعض الشباب "الصُيَّع" كانوا يقولون لمن ينتقد إفطارهم: هل نعطيكم رقم "الدورية" لتسهيل عملية الشكوى علينا؟. ما الذي تغير فعلا في تعليمات الالتزام بحرمة الشهر الفضيل، وطريقة تطبيقها...؟
رحل رمضان، وفراقه عيد، ليس بالمفهوم السائد، بل عيد المكافأة لمن صام وقام وزكى وصلى، مكافأة على الالتزام والحشمة والـتأدب بأدب الصوم. رحل رمضان، وقد كان فرصة لترك السجائر، فمنهم من استثمره، ومنهم من بقي أسير هذا الوباء. رحل رمضان، منا من نال شرف العتق من النار، وآخرون خسروا الفرصة، ومن يدري فلعلهم لن ينالوا فرصة أخرى،، اللهم بلغنا رمضان، وتقبل الله منكم جميعا..،، [/align]