[ALIGN=CENTER]إذا كنت مسافراً على أحد الطرق البرية السعودية في ساعات النهار الأولى وقد بدأت الشمس تصطليك بضوئها وحرارتها معاً، ورأيت سيارة متوقفة إلى جانب الطريق؛ أبوابها مشرعة، أنوارها مضاءة، موسيقاها عالية، بينما يبدو سائقها في غاية التركيز والاهتمام وهو يمسح كفرات سيارته بأوراق الشاي لتبدو سوداء لامعة أو منغمساً في استخراج حبيبات الحصى من جوانبها، فلا تستغرب أو تستنكر، فالمسألة ليست تدريباً عسكرياً أو ممارسة شعائرية، لكنها بكل بساطة تشير إلى أن ذلك السائق المجتهد هو أحد "المحببين" في ذروة نشاطه القصوى، ولعله ركن سيارته منتصف الليل أو قبيل الفجر لقضاء حاجة ملحة ثم لمح كفرات سيارته فهاله ما خالط سوادها من بياض غبار فانصرف إلى تنظيفها حتى أدركه الصباح دون أن يتوقف عن العمل المباح الناتج من استخدام منشط غير مباح!
و "المحبب" تسمية سعودية محلية يشار بها إلى الشخص الذي يتعاطى حبوب "الكبتاغون" المنبهة بحيث يتفاعل حركياً وسلوكياً ولفظياً تحت تأثيرها بصورة يلحظها الآخرون ويدركون مسبباتها. ومن التسميا! ت الأخرى "مقضم" و"ماسكة معه"، وهذه الأخيرة تستخدم في الحالات التي ينصرف "المحبب" فيها إلى نشاط واحد بعينه حتى وإن تطلب الأمر ساعات عدة. كما يسمى "ملجلج" إذا كان كثير الحركة والصخب. وإذا كانت الحبوب مذابة في الشاي فهو "ملغوم". أما إذا نقصت الحبوب لديه بعد أن تناول بعضاً منها فهو "متعلق". وفي حال عدم توافر الحبوب كلياً فهو "منقطع". والوضعان الأخيران يسببان لـ"المحبب" عذاباً لا حدود له.
الكبتاغون: الملامح والمسيرة
حبة "الكبتاغون" مميزة في شكلها وطعمها؛ فهي بيضاء دائرية صغيرة يتوسطها حفر عبارة عن هلالين متداخلين، وذات طعم شديد المرارة، تمنح متعاطيها حيوية وطاقة على المستويين الحركي و الذهني، وتبقيه مستيقظاً لفترة طويلة.
ولهذه الحبوب تسميات محلية عدة من باب الحيطة والحذر، ولخلق شفرة اتصال مع زملاء المهنة الموجودين في المكان من غير معرفة سابقة بهم، أو حتى من أجل مسايرة متطلبات الموضة. وتكاد أسماؤها أن تكون بعدد متعاطيها لذلك يستحيل أن يعرف أحد المعجم الكامل لأسمائها، ومع ذلك فإن بعض أسمائها حافظ على ثبات زمني وتمتع بانتشار وطني.
من أهم أسمائها "أبو قوس" وهو بمثابة الترجمة العربية لاسمها الإفرنجي، ومشتق من القوسين المتداخلين في وسط الحبة. ويسميها البعض "كبتي" وهو تصغير لاسمها الكامل "كبتاغون". أما المتفاخرون بها فيختارون اسم "الطيب" و"الأبيض". وللطلاب تسميات عدة مثل: "الكتب"، "الأقلام"، "المحاضرات" وما إلى ذلك مما يتصل بأجواء الدراسة. ولعل أحدث التسميات هو استخدام الكنية مثل "أبو ماجد"، "أبو عبد الله"...الخ.
ومنشأ استخدام الحبوب يع! ود إلى أواخر الستينات الميلادية مع ظهور بعض أنواع المنشطات مثل الحبة الصفراء وغيرها التي أدت إلى التعرف على "الكبتاغون" الشهيرة في النصف الثاني من السبعينات لتستمر إلى اليوم نموذجاً للفعالية والشعبية.
ونظراً لكونها ألمانية الصنع فإنه يحلو لـ"المحببين" في جلساتهم، أن يتداولوا رواية استخدام الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية لهذه الحبوب وتوزيعها على الجنود ليتمكنوا من القتال بحيوية ونشاط مع تقليص ساعات النوم وزيادة ساعات اليقظة، ثم يضيف أحدهم البرهان الحاسم على منافعها الأسطورية عندما يؤكد أنها السبب في الانتصارات التي حققها الألمان لأنهم كانوا يقاتلون كالجن!
أشهر أجيال "الكبتاغون" في السعودية يعرف بـ"01" وهي تسمية مشتقة من الرقم التسلسلي على ظهر العبوة، لكن هذا الجيل المشهود له بالفعالية انقرض منذ أربعة عشر عاماً، وإن كان لا يزال يتمتع بسمعة عطرة تجعله الجنة الموعودة لدى الأجيال الجديدة من "المحببين" وحلمهم العذب إلى درجة أن الحنين قد يغلب على بعضهم فيسافر إلى تايلاند ليمتع نفسه بالنكهة الراقية لتلك الحبة المفقودة. وتايلاند هي البلد الوحيدة في العالم التي تسمح بب! يع هذه الحبوب دون قيد أو شرط ما يجعلها المنتدى العالمي لـ"المحببين" ال سعوديين، ومكان تعارفهم وتصادقهم.
وسبب انقراض ذلك الجيل الأسطوري بسيط جداًَ، وهو أن السعودية قررت منذ عام 1989 اعتبار "الكبتاغون" من ضمن المخدرات، عقوبة وغرامة، بعد أن أصبح تعاطيها خطراً حقيقياً على صحة الأفراد، ومشكلة قاتلة على الطرق لما يتسبب به السائقون النائمون، إرهاقاً وتعباً، من حوادث تحصد أرواح المسافرين غير "المحببين" حصدا.ً لذلك تخلص المهربون من العبوات، وهرّبوا الحبوب منثورة مما يسهل إخفاءها ويضمن، في الوقت ذاته، زيادة الكمية.
منذ ذلك التاريخ خسر "المحببون" تقنيات فرز الأجيال واضطروا إلى اعتماد طريقة استطعام الحبة ومن ثم تخمين تصنيفها تبعاً لمستوى مرارتها ودرجة صلابتها، إضافة إلى الاستئناس بآراء الخبراء منهم الذين يتمتعون بالمصداقية، بل إنه لا غنى عن مشورتهم في حال شراء كميات كبيرة ليقدروا مدى ملاءمة الثمن للنوعية.
اليوم لم تفقد الحبوب عبواتها الأصلية فقط، بل خسرت أيضاً أصلها الألماني العريق إذ تتواتر الأنباء بأن معظم الكميات المطروحة للبيع مصنعة محلياً، وبعضها صناعة أردنية. ويزعم الراسخون في "التحبيب" أنه من السهل كشف هوية الحبة المزورة من خلال سرعة ذوبانه! ا وانعدام تناسق أطرافها، وضعف تأثيرها ومحدودية فترته. إلا أنهم يقرون، في الوقت ذاته، بأن الأنواع الجيدة تتناقص يوماً بعد آخر، وأنه لا خيار أمامهم سوى التهام الإنتاج المحلي والأردني!
السمة المشتركة في كل الحبوب المسوقة حالياً، سواء كانت مستولدة محلياً أو صريحة النسب الألماني فإنها، جميعاً، لا تكون بيضاء اللون بل صفراء باهتة أو أقرب إلى اللون الأحمر نتيجة تعرضها لدرجات حرارة متعددة، ولبقائها، فترات طويلة، مدفونة في الرمال. وعمليات الدفن هي إحدى خيارات المهربين إن صادفتهم نقطة تفتيش مفاجئة.
في السابق كانت الحبوب تباع في عبواتها الأصلية إذ تحتوي العبوة على عشرين حبة. وكان سعر العبوة يتراوح من 100-150 ريال، إلا أنها اليوم تباع بـ"الشد" وأنصافه وأرباعه. و "الشد" عبارة عن مائة حبة (عشر عبوات) ويتراوح سعره من 1800-2800 ريال. وأغلى ما يكون في الرياض، أما أرخص أسعاره فهي في المناطق الشمالية الممتدة من "حفر الباطن" حتى "القريات" إذ قد لا يتجاوز في مواسم الوفرة 1200 ريال. إضافة إلى أن المشتري في الرياض يخسر من الكمية ما يعادل عبوة كاملة يقتطعها البائع على أنها عمولته المفترضة، بي! نما يحصل الزبون في المناطق الشمالية على بضاعته كاملة دون نقصان. وهذا ا لفارق المهم يحرّض ساكن الرياض المتمتع بصداقات محببين شماليين على الذهاب إليهم طلباً لتموين وافر يكفيه بضعة أشهر.
و"التحبيب" يستنزف أموال عشاقه، والاستهلاك المعتدل لا يقل يومياً عن 20 حبة، ما يعني كلفة شهرية تصل إلى 5000 ريال شهرياً دون ذكر متطلبات الضيافة.
هذه الموازنة الضخمة ترهق "المقضمين" إذ أن معظمهم من ذوي الدخول المحدودة والطلاب مما يؤدي إلى وقوع الطلاب ضحية الإغواء الجنسي، والموظفين ضحية الاختلاس أو السرقة. ومن الشائع بين المتعاطين أن بعض دوريات التفتيش تكتفي بمصادرة الحبوب دون التعرض لحامليها لأن فئات من جنود نقاط التفتيش على الطرق الطويلة هم من "المحببين" أيضاً. وهم الفئة الوحيدة التي تستفيد من مجال عملها في "التحبيب" مجاناً.
وعلى الرغم من أن حبوب "الكبتاغون" لا تسبب الإدمان إلا أن الانقطاع عنها ليس يسيراً لأن متعاطيها سيكون في حالة نعاس مستمرة قد تطول شهراً، إضافة إلى أن المتعاطي اعتاد تسيير شؤونه اعتماداً على الطاقة المحققة من الحبوب، ولم يعد قادراً على إنجاز أي عمل بشكل ذاتي وطبيعي!
طرق "التحبيب"
تتنوع طرق تعاطي "الكبتاغون" إلا أنها، جميعاً، تشترك في التعاطي المفرط للتحلية أو السكر الأبيض أساسا لاعتقاد "المحببين" أن السكر ضروري لتسريع مفعولها وتحقيق الاستفادة القصوى منها وللتخلص من طعمها شديد المرارة.
الطريقة التقليدية هي أن توضع الحبة في الشاي وتترك إلى أن تذوب كلياً. هذه الطريقة تفضح مستخدمها لأن الشاي يكتسب لوناً ترابياً واضحاً لذلك لا تستخدم إلا في الأماكن الآمنة، وإن كانت هي السائدة بين سائقي الشاحنات، وتحديداً في نقاط تجمعاتهم، فهي توفر المتعة طوال فترة استهلاك الشاي، كما أنها تضمن حصول جميع أفراد المجموعة على حصص متساوية في حالات عدم توافر الحبوب أو نقص السيولة اللازمة لشرائها.
الطريقة الأكثر احترافية هي أن يضع المرء الحبة تحت لسانه إلى أن تذوب ثم يتبعها بكميات من الشاي الشديد الحلاوة، وأحياناً يلجأ بعضهم إلى شراب "الفيمتو" أو "الميرندا" لما في نكهتهما من حلاوة وللاستمتاع ببرودتهما وبالذات في فصل الصيف أو أوقات الظهيرة.
الأجيال الجديدة من "المحببين" يضعون الحبة داخل قطعة من "الشكولاته" أو "الدونات"، ويش! ربون القهوة المرة لأن هذه الطريقة تحقق الفعالية المطلوبة وتضمن حداَ مطمئنا من الأمان.
أما الطريقة الأكثر طرافة فهي وضع الحبة داخل التمرة. وهذه طريقة موسمية تستخدم في رمضان عادة، كما يضطر إليها قدامى المحببين تحت ضغوط البيئة الاجتماعية.
ومن الأصول المرعية في "التحبيب" أن ينام الفرد لفترة كافية ثم يأكل وجبة دسمة بعد ذلك لأنه قد يبقى دون طعام ليومين أو أكثر. وإذا رغب في النوم فعليه بالأكل وشرب اللبن والليمون!
فئات "المحببين" ومواقعهم
اقتصر تعاطي "الكبتاغون"، في عصرها الأول، على سائقي الشاحنات وسيارات الأجرة بين المدن سعياً إلى رفع معدل الدخل نتيجة القدرة على العمل فترات طويلة دون نوم وبشكل يفوق قدرة الفرد الاعتيادي. وهي البذرة التي رسخت خلال فترة الطفرة، وما أفرزته من احتياج مكثف وعريض لوسائل النقل على مختلف أشكالها، ما جعل "الكبتاغون" الصديق الدائم لكل السائقين الذين وجدوا فيها الطاقة والنشوة معاً. ثم توسع إطار استخدامها ليشمل الطلاب لأنها تمنحهم قدرة فائقة على الاستذكار والحفظ، ومتعة الصحو الطويل المصحوب بالنشاط، إلى أن بلغ شيوعها الحد الأقصى ليضم فئات مختلفة من الموظفين المدنيين والعسكريين؛ الذين يعملون بنظام المناوبات، أو يخضعون، في حالات الطوارىء، للمرابطة المستمرة.
اليوم لم يعد استخدامها مقتصراً على هذه الفئات بل امتد ليشمل الذين يعانون من ضعف جنسي، والبدناء الراغبين في خفض أوزانهم لكونها تسد شهية متعاطيها كلياً، وبعض مرضى السكري الذين ظنوا أنها علاج ناجع، وجماعات من الكهول والشيوخ يحلمون باستعادة حيوية شبابهم، فضلاً عن فتيات ونسوة استنبتن منها شب! قاً فريداً وحيوية غير اعتيادية.
ولعل الطلاب هم الشريحة الأعرض من المتعاطين حالياً. وهم الذين نقلوها، تالياً، إلى دوائر الموظفين والأوساط الاجتماعية داخل المدن. وأول أجيال الطلاب تعاطياً لها هم سكان المنطقة الشمالية. ولعل السبب في ذلك هو أن نسبة مهمة من أبناء المنطقة كانوا يعملون في قطاعي النقل والتهريب. وكلا القطاعين يعتمدان كثيراً على "التحبيب"، ضرورة لاترفا. ثم انتقلت إلى الجامعات مع هؤلاء الطلاب، ومن هناك انتشرت إلى باقي المناطق وشاع تعاطيها بين المراهقين أولاً ثم المراهقات ثانياً ثم انفرطت المسألة ولا تزال.
وكانت المناطق الشمالية الممتدة من "ابو حدرية" قرب "الدمام" إلى "القريات" هي المناخ الاجتماعي الأكثر قبولاً للحبوب، بل إنها كانت سلوكاً اجتماعياً عادياً إن لم يكن مرغوباً ومحبباً. وكان بعض السكان يتنافسون بينهم في طول بقاء الضيوف في حفلات الزفاف لذلك كان يقدمون الشاي "ملغوماً" بالحبوب مما يجعل من الصعب بعدها صرف الضيوف!. وكان الشباب يجتمعون للعب الورق أو أي نشاط آخر فتكون الضيافة هي الحبوب بدلاً من التمر والشكولاته!
أشهر مناطق "الكبتاغون" هي الشريط الممتد من ! "الدمام" إلى "القريات" ويعرف بـ "الطريق الدولي". والجزء الشمالي من هذا الطريق هو السوق الفعلية لبيع الحبوب، وهي التي تغذي باقي المناطق بحاجتها من الحبوب. وفي كثير من الأحيان يكون الباعة داخل المدن هم من أبناء تلك المناطق، استثماراً للتاريخ المشترك، ولحماية أوضاعهم الاقتصادية، وتحقيق بعض الربح إن أمكن، خصوصاً أن أكثر بائعي الحبوب هم من المتعاطين العريقين لها.
وينتشر تعاطيها على طريق "حفر الباطن- الرياض" مع تفرعاته وتشعباته داخل القصيم، وإن كانت غير متوافرة أو محدودة على طريق "القصيم- الرياض" على الرغم من كون القصيم من أسواقها المهمة.
أما أحدث أسواقها وأسرعها نمواً فهو طريق الحجاز في مساره "حلبان-الطائف" وهو سوق جائع كأنما وعى فجأة على هذه الحبوب وانتشى بها كثيراً.
ما يثير الاستغراب هو أن طريق "الرياض-الدمام" يكاد يخلو منها تماماً لسبب غير معروف.
واللافت أن استخدامها في القرى الواقعة إلى جانب الطرق الطويلة أصبح مألوفاً، وعادة ما تكون محطات الوقود هي ملتقى البائعين والمشترين. وإذا كان المشتري صغير السن ولا تتوافر معه السيولة الكافية فإنه يصبح عرضة للإغواء الجنسي من قبل البائعين. وكان طلاب المرحلة الثانوية في الثمانينات يلاحقون الشاحنا! ت للحصول على بعض التموين من السائقين، أما الثمن فهو بحسب الحاجة والإمكانيات أياً كان شكلها أو طبيعتها!
هذه الممارسات هي السبب في ما يشاع عن "المحببين" أنهم أميل إلى اللواط!
مظاهر "التحبيب"
من العوامل الدالة على حالة "المحبب": الارتعاش في اليدين، تآكل الأسنان حتى لتبدو كأنها بناءا خرباً، الانفعال الحاد في الحديث، القلق الواضح في الحركة. الشبق الجنسي الحاد المتزايد مع تطاول فترة اليقظة، تداخل المعلومات والمواعيد والتفاصيل، النوم المفاجيء نتيجة بقاء الفرد مستيقظاً لأكثر من 72 ساعة. ولعل المزاجية هي الحالة الأكثر وضوحاً عند الأفراد المدمنين إذ يلح في طلب الطعام دون أن يأكله ، أو يرغب في زيارة صديق ثم يغادره بعد دقيقة. كما ينفر أكثرهم من الأصوات والأضواء بطريقة غريبة تبدو أقرب إلى طبيعة "الفوبيا". وفي الحالات الأكثر حرجاً يفقد "المحبب" الإحساس بالعالم الخارجي ويتخيل أحداثاً وشخوصاً ويتعامل معها وكأنها من الواقع الحقيقي. أما أبرز الدلالات الجسدية فهي ارتعاش متعدد الدرجات في اليدين وتآكل في الأسنان حتى لتبدو بناءاً خرباً متهدم الأطراف.
مكانة الحبوب مقارنة بالخمر والحشيش
عالم "التحبيب" شبه مغلق ومتكتم، أعضاؤه يعانون من شعور بالدونية والنبذ الاجتماعي. وهم أدنى درجات مجتمع المخدرات، بل إن "الخمريين" و"الحشاشين" يترفعون عنهم، ويرون أنهم فاسدو الخلق والذوق. وهو موقف غريب ربما كان منشأه ارتباط هذه الحبوب بفئات اجتماعية دنيا، في سلوكها وممارساتها وأخلاقياتها، مما جعل الحكم ينسحب على الأجيال اللاحقة وأن كانت نظيفة المظهر، وذات تعليم عالٍ ومركز وظيفي متميز. هذا النبذ جعل متعاطيها يتنصلون منها ويتكتمون على أمرها.
بدأت الحبوب مسيرتها وهي وضيعة وإن كان نطاقها ضيقاً، ثم شاعت وانتشرت وتشعبت في كل الاتجاهات لكنها ظلت وضيعة اجتماعياً حتى أن بائعيها يثيرون الشبهة في سلوكهم ومسكنهم وطريقة حياتهم، وأن المنتمين إليها ينبذ بعضهم بعضاً مالم تتوطد الثقة بينهم، وهو أمر نادر لأن الشك والحذر والخوف من الآخر هو الأكثر غلبة على سلوك "المحببين".
والحبوب، تختلف عن غيرها، في أنها لا تحفز إبداعاً أو ابتكاراً، ولا تخلق أجواء مرح وطرافة، ولا تستفز متعاطيها على الرقص والطرب، ولا تدفع به إلى خضم النشاط الاجتماعي، بل هي تر! سخ العزلة والانطوائية، ويتمحور جهد متعاطيها، بشكل أساسي، على النشاطات الفردية. لذلك هي المجال المخدراتي الوحيد الخالي من الطرائف والنكت مقارنة بالخمر والحشيش. ولعل الطرفة الوحيدة التي ظهرت بعد نحو أربعين سنة من "التحبيب"، وبعد ظهور الانترنت ورسائل الجوال هي الآتية:- سئل أبو جهل عن حكم الحبوب، فضحك حتى بانت الحبة تحت لسانه!!
الحبوب، في المحصلة النهائية، نموذج صارخ على الازدواجية في المجتمع، وتأكيداً على خلو الحياة العامة من وسائل الترفيه والمتعة اللتين تملآن الفراغ اليومي، وتوفران للمرء حيوية طبيعية ونشاطاً تلقائياً. لذلك سيستمر تعاطيها، وعلى "المحببين" مواجهة محيطهم عندما تنتهي فترة الكمون الطويلة وتظهر الأعراض الجسدية الظاهرة وأبرزها تآكل الأسنان وتكسرها.
يا ترى هل لو توقف استخدام الحبوب نهائياً في السعودية فكم ستكون نسبة انخفاض استهلاك السكر؟!
* نظراً لغياب أية معلومات رسمية عن "الكبتاغون" أو عدم توافرها للإطلاع العام باستثناء معلومات متفرقة عن الكميات التي تتم مصادرتها عبر سلاح الحدود أو نقاط التفتيش المحلية، فإن إمكانية التعرف إلى حبة "الكبتاغون" عن كثب تطلبت صبراً واحتيالاً ومداورة وسعياً دءوباً من أجل تجميع المعلومات وفرزها وتنقيتها. وللتأكيد فإن معظم المعلومات الواردة في هذا التحقيق دقيقة إلى حد كبير لقيامها على منهج بحثي استغرق وقتاً طويلاً، واعتمد مقارنة المعلومات المختلفة واستبعاد المتناقض منها، على الرغم من حالات التكتم والحذر المحبطة أحياناً كثيرة
الكاتب : جاسر الجاسر
منقول
[/ALIGN]