"
الفوائد المترتبة على الاعتكاف ، وهي فيما يمكن إجماله بالتالي :
1 - تربية النفس على الإخلاص في العبادة ، وترك الرياء جملة :
لأن المعتكف يعبد الله في معتكفه خاليا لا يراه من الناس إلا القلة ، وقد لا يراه أحد : فيكون هذا أدعى إلى إخلاصه في عبادته ، والتخلص من آفة الرياء .
2 - التخفف من ضغوط الحياة :
فإن من فوائد الاعتكاف أنه خلوة علاجية ، يهدئ فيها المعتكف من روعه ، ويتخفف من ضغوط حياته ومشاغله ، ويقلل من انفعالاته الضارة ، وهو ما يؤكده بعض الأطباء .
3 - التربية على التخلص من فضول الكلام والثرثرة وفضول النوم وفضول الطعام والشراب ، وكثرة الخلطة : لأن كل ذلك مكروه للمعتكف .
4 - الإقبال على العبادة وتعويد النفس عليها : بما أن المعتكف منقطع للعبادة بصورها المختلفة ، ومتفرغ للقيام بها كل التفرغ .
5 - تقوية الصلة بالله سبحانه ، بما أن المعتكف يناجي الله سبحانه ويدعوه ويتأمل في خلقه ويعبده بإقبال قلب وفراغ نفس .
6 - استثمار الوقت فيما يرجع على الإنسان بالنفع العميم في الدارين ، وتعويد الإنسان على عدم إضاعة الوقت فيما لا طائل تحته : لأن المعتكف المنقطع لله سبحانه ولعبادته ، مستثمر لوقته أفضل أنواع الاستثمار ، ومحرز لوقته عن تضييعه فيما لا يفيد ولا يجدي .
7 - تربية النفس على تحمل الشدائد ، والصبر على الطاعة ، والخشونة في العيش : لما قلناه من أن المعتكف يكره له الترفه والتعطر ولبس فخيم الثياب ، ويستحب له الإكثار من العبادات بألوانها المختلفة والصبر على أدائها والقيام بكلفتها .
8 - الابتعاد عن الشواغل والصوارف التي تشغل الإنسان عن العبادة ، وتصرفه عنها ، وتجعله كالمستهلك في المعاش وتحصيل أسبابه .
9 - التعود على استعمال العقل استعمالا مفيدا : وذلك حين يقوم المعتكف بعبادة التفكر في ملكوت الله سبحانه والتأمل في مخلوقاته وإدراك عظمته وربوبيته .
10 - اطراح مادية الحياة ، والاسترواح إلى نفحات الروح ومباهج الأنس بالله ومسرات الخلوة به : فهذا ولا شك من أعظم فوائد الاعتكاف وتمراته . وإذا كان مسوغ الناس في الانصراف عن إحياء سنة الاعتكاف الميتة كثرة مشاغلهم وأعمالهم الدنيوية : فإن هذا في الصحيح ينبغي أن يكون مسوغ انصرافهم إليه ، لا انصرافهم عنه : لأن الإنسان بقدر استغراقه في الدنيا وماديتها ، يكون احتياجه إلى ما يدفع عنه ضرر ذلك من الروحانيات والصفاء والاشتغال بأمر الآخرة . بل إن من العجيب أن الإنسان اليوم إذا كثرت أعماله ومشاغله فإنه يتحرى أن يفرغ نفسه مدة من الزمن لقضاء عطلة يروح فيها عن نفسه : فلا أدري كيف يفرغ نفسه للعطلة من الدنيا في الدنيا ، ولا يفرغ نفسه للعطلة من الدنيا فيما وراءها من أمر الآخرة ؟
11 - ترك المعاصي أو التقليل منها : وذلك بأن يكون المعتكف منقطعا إلى الله سبحانه ، منكفا عن مقارفة ما قد يقارفه من المعاصي في معاشه : فإن العبد لا يخلو عن مقارفة شيء من المعاصي في حياته ومعاشه ، ولو من نحو الغيبة والنميمة ومشاهدة ما لا تجوز مشاهدته من المسلسلات والأفلام ، وغير ذلك مما استهان الناس فيه وهو محرم .
12 - إدراك ليلة القدر والتعرض لنفحات الله فيها : فإن من فائدة تخصيصه صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان بالاعتكاف وكون الاعتكاف فيها لذلك سنة مؤكدة : أن تلك العشر الأواخر هي مظنة ليلة القدر : لقوله صلى الله عليه وسلم :"التمسوها في العشر الأواخر ، في الوتر"رواه البخاري ومسلم . بل إن النبي عليه السلام اعتكف مرة شهر رمضان كله : التماسا لليلة القدر ، قبل أن يوحى إليه أنها في العشر الأخير : وذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم :"اعتكف الشعر الأول من رمضان ، ثم اعتكف العشر الأوسط ، ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه ، فقال : إني أعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ، ثم اعتكفت العشر الأوسط ، ثم أتيت فقيل لي : إنها في العشر الأواخر ، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف . فاعتكف الناس معه ..."رواه البخاري . وبالجملة فإذا كان المعتكف يقضي مدة اعتكافه في الذكر والدعاء والصلاة ونحو ذلك فقد أدرك من ليلة القدر مغانمها وتعرض لنفحات الله فيها ، وأصاب منها ما أصاب ، وهذا من أعظم الفوائد ، وأبلغ الثمرات .
13 - إحياء سنة ميتة ، مع ما في إحياء السنن الميتة من الأجر والمثوبة : فإن الاعتكاف - وبخاصة في الماضي القريب - كان نادرا لا يفعله إلا كبار السن : وهو اليوم قليل وإن لم يكن نادرا : بل إن الإمام الزهري تعجب من ترك المسلمين للاعتكاف في زمنه في القرن الخامس الهجري ، وذلك قوله رحمه الله :"عجباً للمسلمين ، تركوا الاعتكاف ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل".
14 - تحصيل الكرامة عند الله سبحانه : بمجاورته ، وزيارة بيته ، والإقامة فيه مدة : فإن المعتكف - كما قلناه في المقالة السابقة - مجاور لله سبحانه ، وهو في اعتكافه في المسجد - الذي لا يصح الاعتكاف إلا فيه - زائر لبيت الله سبحانه وضيف عليه : وقد قال صلى الله عليه وسلم :"حق على المزور أن يكرم زائره"ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وصححه . كما أن المعتكف قد جعل المسجد بيته باعتكافه فيه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :"إن الله عز وجل ضمن لمن كانت المساجد بيته ، الأمن والجواز على الصراط يوم القيامة"ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وحسن إسناده مسابقات رمضان نكهة تميز الشهر الفضيل