هند بنت عتبة
إحدى نساء العرب اللاتي كان لهم شهر عالية
قبل الإسلام وبعده ، وهي أم الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
- كانت هند ذات صفات ترفع قدرها بين النساء من العرب ، ففيها فصاحة ، وجرأة ، وثقة ، وحزم ، ورأي. تقول الشعر وترسل الحكمة ، وكانت امرأة لها نفس وأنفة.
زوجها أبوها من الفاكهة بن المغيرة المخزومي ، فولدت له أباناً ، ثم تركته.
- وقالت لأبيها ذات يوم: إني امرأة قد ملكت أمري فلا تزوجني رجلاً حتى تعرضه علي. فقال لها: ذلك لك. ثم قال لها يوماً: إنه قد خطبك رجلان من قومك ، ولست مسمياً لك واحداً منهما حتى أصفه لك ، أما الأول : ففي الشرف والصميم ، والحسب الكريم ، تخالين به هوجاً من غفلته ، وذلك إسجاح من شيمته ، حسن الصحابة ، حسن الإجابة ، إن تابعته تابعك ، وإن ملت كان معك ، تقضين عليه في ماله ، وتكتفين برأيك في ضعفه ، وأما الآخر ففي الحسب الحسيب ، والرأي الأريب ، بدر أرومته ، وعز عشيرته ، يؤدب أهله ولا يؤدبونه ، إن اتبعوه أسهل بهم ، وإن جانبوه توعر بهم ، شديد الغيرة ، سريع الطيرة ، وشديد حجاب القبة ، إن جاع فغير منزور ، وإن نوزع فغير مقهور ، قد بينت لك حالهما.
قالت: أما الأول فسيد مضياع لكريمته، مؤات لها فيما عسى إن لم تعصم أن تلين بعد إبائها ، وتضيع تحت جفائها ، إن جاءت له بولد أحمقت ، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت. اطو ذكر هذا عني فلا تسمه لي ، وأما الآخر فبعل الحرة الكريمة : إني لأخلاق هذا لوامقة ، وإني له لموافقة ، وإني آخذة بأدب البعل مع لزومي قبتي ، وقلة تلفتي ، وإن السليل بيني وبينه لحري أن يكون المدافع عن حريم عشيرته ، والذائد عن كتيبتها ، المحامي عن حقيقتها ، الزائن لأرومتها ، غير مواكل ولا زميّل عند ضعضعة الحوادث ، فمن هو ؟ قال : ذاك أبو سفيان بن حرب ، قالت : فزوجه ولا تلقني إليه إلقاء المتسلس السلس ، ولا تمسه سوم المواطس الضرس ، استخر الله في السماء يخر لك بعلمه في القضاء
وتزوجت هند من أبي سفيان بن حرب ، وكانت تحرص دوماً على محامد الفعال ، كما كانت ذات طموح واسع ، ففي ذات يوم رآها بعض الناس ومعها ابنها معاوية ، فتوسموا فيه النبوغ ، فقالوا لها عنه : إن عاش ساد قومه. فلم يعجبها هذا المديح فقالت في إباء وتطلع واسع : ثكلته إن لم يسد إلا قومه.
- ولما كانت موقعة بدر الكبرى قتل في هذه العركة والد هند وعمها شيبة ، وأخوها الوليد بن عتبة ، فراحت ترثيهم مر الرثاء ، وفي عكاظ التقت مع الخنساء ، فسألتها من تبكين يا هند فأجابت :
[poem=font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/7.gif" border="none,5,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أبكي عميد الأبطحين كليهما=وحاميهما من كل باغ يريدها
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي =وشيبة والحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل طالب =وفي العز منها حين ينمى عديدها [/poem]
-وفي يوم أحد كان لهند بنت عتبة دورها العسكري البارز، فقد خرجت مع المشركين من قريش ، وكان يقودهم زوجها أبو سفيان ، وراحت هند تحرض القرشيين على القتال ، وتزعمت فئة من النساء ، فرحن يضر بن الدفوف ، وهي ترتجز:
[poem=font="Simplified Arabic,5,white,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/26.gif" border="none,5,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
نحن بنات طارق=نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق=وإن تدبروا نفـــارق[/poem]
- وفي هذه المعركة كانت هند بنت عتبة قد حرضت وحشي بن حرب على قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، حيث وعدته بالحرية وكان عبداً لها إن هو قتل حمزة ، فكانت تؤجج في صدره نيران العدوان ، وتقول له : إيه أبا دسمة ، اشف واشتف.
ولما قتل وحشي حمزة رضي الله عنه جاءت هند إلى حمزة وقد فارق الحياة ، فشقت بطنه ونزعت كبده ، ومضغتها ثم لفظتها وعلت صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها :
[poem=font="Simplified Arabic,5,white,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/21.gif" border="none,5,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
نحن جزيناكم بيوم بدر=والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر=ولا أخــي وعـمــه وبكــري
شفيت نفسي وقضيت نذري=شفيت وحشي غليل صدري
فشكر وحشي على عمري=حتى ترم أعظمي في قبري[/poem]
- وبقيت هند على الشرك حتى شرح الله تعالى صدرها للإسلام يوم فتح مكة ، حيث شاءت إرادة الله تعالى أن تنقلب بطلة الجاهلية إلى بطلة في ظل الإسلام ، ففي عشية ليلة الفتح ، فتح مكة ، عاد أبو سفيان بن حرب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً وهو يصيح : يا معشر قريش ألا إني قد أسلمت فأسلموا ، إن محمداً صلى الله عليه وسلم قد أتاكم بما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه هند فأخذت بشاربه وهي تردد: بئس طليعة القوم أنت يا أهل مكة اقتلوا الحميت الدسم الأحمس ، قبح من طليعة قوم ، فقال أبو سفيان : ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم ، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقالوا: قاتلك الله ، وما تغني عنا دارك. قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
- وتمضي الأيام ، وتزداد هند المسلمة ثقافة إيمانية ، حيث اشتركت في الجهاد مع زوجها أبي سفيان في غزوة اليرموك الشهيرة ، وأبلت فيها بلاء حسناً ، وكانت تحرض المسلمين على قتال الروم فتقول : عاجلوهم بسيوفكم يا معشر المسلمين.
- وظلت هند بقية حياتها مسلمة مؤمنة مجاهدة حتى توفيت سنة أربع عشرة للهجرة. فرضي الله عنها وأرضاها ، وغفر لها ورحمها ، إنه على كل شيء قدير.