[align=center]في معظم المجتمعات البشرية، والحضارات المختلفة، توجد أمثلة معينة لأناس على درجة عالية من الأهمية والرفعة، قدموا الكثير في سبيل شعوبهم، وساهموا إيجابياً في مجالات كثيرة، حتى استحقوا أن يطلق عليهم اسم "القدوة الحسنة".
وفي مجتمعاتنا الإسلامية، وتاريخنا العريق، حظيت أسماء كثيرة وكبيرة بهذه الصفة، التي جعلت منهم نبراساً يقتدي بهم الناس، ويسيروا على خطاهم، أملاً في أن يصلوا إلى مركزهم، أو يحظوا بشرف منزلتهم.
ومع تعقيدات الحياة اليومية، وتطور النواحي التكنولوجية في المدنية الحديثة، دخلت العديد من وسائل الإعلام المؤثرة إلى منازلنا، وبات تأثيرها أقوى - في كثير من الأحيان- من تأثيرنا على أبناءنا وأخوتنا الصغار من الجيل الجديد، الذي ربما لم يعد منبهراً بالتكنولوجيا كمثلنا، بقدر ما هو متمكن منها، ومؤمن بها.
وأمام الكم المتزايد من البرامج الموجهة للأطفال، ضمن مقتضيات المنافسة الإعلامية والجري خلف الربح المادي، بات أطفالنا أمام أعداد كبيرة من الأمثلة الكرتونية والخيالية والبشرية، ممن يتكرر ظهورهم في الإعلام المرئي والمقروء، فضلاً عن الألعاب التلفزيونية أو الدمى أو الصور التي تنتشر على حقائب الأطفال المدرسية، وكراساتهم وأقلامهم وثيابهم، وغيرها.
الظاهرة تبدو من بعيد كمنهج مخطط له، ومرسوم بدقة، لنشر هذه الصورة النمطية لأبطال خياليين، إلا أنه في طبيعة الحال لا يعدو أن يكون ظاهرة، تتشارك فيها جميع شعوب الأرض، ولا تقتصر على الشعوب العربية أو المسلمة. وبالتالي فإن هذه الظاهرة قد لا تهدد شعوبنا فقط، بل تهدد شعوب العالم، إن قدّر لها أن تحدث تأثيراً عميقاً في نفوس الأطفال، أو تؤثر على طريقة تفكير وتعامل الجيل الجديد, وهو ما يحتاج من المختصين والتربويين وقفة طويلة، ودراسات عميقة، لإثبات ذلك أو نفيه.
صورة القدوة في عيون أطفالنا:
ينشأ الأطفال في سنواتهم الأولى وهم ينظرون ويشاهدون أكثر بكثير مما يقولون أو يفكرون، وهذا ما يساهم في طبع الصور والشخصيات في عقلهم الباطن، كقدوة يرغبون بتقليدها. وما أن يبدأ الأطفال بالقدرة على الحركة أو الكلام أو التصرف، حتى نجد تلك الصور العالقة في ذهنهم، وقد طفت على السطح، وباتت تؤثر في تصرفاتهم. لذلك فإننا نجد أن الدراسات النفسية والتربوية تحرص كثيراً على توصيه الأهل بإيجاد بيئة ملائمة لنمو الأطفال، من هدوء وسكينة، لئلا يصابوا بالعصبية. وأن يبعدونهم عن مشاهد العنف، لئلا يتأثروا بها فيقلدونها، ما قد يتسبب لهم بأذى كبير.
إن الصغار يبدؤون التقليد من السنة الثانية أو قبلها بقليل، وهم يتعلمون بالقدوة والمشاهدة أكثر مما نتصوره، فالطفل يحاكي أفعال والده، والطفلة تحاكي أفعال أمها.
تقول الباحثة ليلى الصفدي: "إن برامج الأطفال هي في أغلبها ليست إلا مصدراً للعنف، لأن ما يميزها التمحور حول الصراع والحرب والشر والتهديد وتغليب مفاهيم القوة على مفاهيم الضعف، بالنتيجة سيطرة السلوك العدائي على سلوك أطفالنا، وخاصة أطفالنا في عمر السنتين وما فوق ففي هذا الجيل يحاول الطفل التقليد ويتعلم قواعد السلوك ويميل إلى علاقات المحبة والمودة، فالجدير بنا كأهل تأكيد ودعم الصفات الخاصة بالحب".
ولو حاولنا رسم خطوط عريضة للقدوة الموجودة اليوم في عيون أطفالنا لاستطعنا تحديدها في عدة نقاط، أهمها:
1- أن القدوة الحسنة لديهم لا يبدو كبيراً في العمر، وهو أقرب إلى أعمارهم.
2- أنه شخصية كرتونية في الغالب، أو شخصية بشرية خيالية.
3- تتمتع هذه الشخصية بالقدرة على التعامل مع التكنولوجيا بتمكّن، من خلال السيطرة على مجريات الأمور، أو اختراق الحاجز الزماني، أو المكاني، أو الدخول إلى عوالم خيالية إلكترونية...
4- هذه الشخصية تتمتع بقوة خارقة، كأن تستطيع القفز مسافات طويلة، أو الاختفاء، أو الطيران، وغيرها.
5- أن تتمتع هذه الشخصية بقوة هائلة، عبر القوة العضلية، أو حملها لأسلحة فتاكة.
6- وفي حالات أخرى، تكون هذه الشخصية المرسومة في ذهن الأطفال، رقيقة ومسالمة وهادئة.
وعن صورة البطل أو القدوة الكرتونية في عيون أطفالنا، تقول الأستاذ الصفدي: " الصفة العامة لهذه البرامج أنها تقدم أشكال مشوهة غير طبيعية وخيالية أكثر من اللزوم، ومضمونها باعتقادي ضحل جدا، سطحي، وفي غالب الأحيان غير إنساني...، طبقي، عنصري، وعنيف. والاهم من هذا كله أنها تخلق نمطاً متماثلاً من الشخصيات بدون تفرد أو تمايز".
وفي دراسة تحليلية لمحتوى برامج الأطفال في تليفزيون الكويت، يشير الكاتب إلى أن برامج الأطفال في تليفزيون الكويت مليئة بالقيم السلبية التي كان من أبرزها قيم العنف والعدوانية، كما تشير إلى أن البرامج المنوعة هي الأكثر إيجابية في عرضها للقيم مقارنة مع باقي الأنواع من البرامج الخاصة بالأطفال، وفي المقابل فإن (أفلام) الكرتون باللغة الإنجليزية هي الأكثر في عرضه للقيم العكسية والسلبية في تلك البرامج..
وتقول صحيفة (الراشد) اليمنية، في دراسة لها حول الأفلام الكرتونية، وصورة القدوة فيها: "إن يجب على الجهات الحكومية تبني القدوة والمثل الأعلى للرموز الفكرية، والدينية، والعلمية، وهي الأجدر بأن نقتدي بها ونحاكيها في عطائها ونبوغها، بدلاً من تقليد الدمية اليابانية "بي كاتشو" أو "جراندايزر" رمز القوة والسيطرة الخيالية، والتي استغلت نفسياً في حب الطفل لهما، حيث سوقت تجارياً في شكل منتجات سلعية، دمى وألعاب، لا نعلم إلى ما ترمز إليه".
الأمثلة على هذه الشخصيات في الأفلام الكرتونية الموجهة للأطفال، كثيرة وعديدة. لدرجة أن المتابع لها يفقد أحياناً القدرة على التفريق بينها، بسبب التقاطع في أكثر من محور بين الشخصيات البطلة.
من يرسخ هذه الثقافة:
يأتي الإعلام الموجه للأطفال في الدرجة الأولى في التأثير على الجيل الجديد. فهو يرسم الخطوط العريضة للقدوة التي يحلم بها الأطفال، ويساعدهم في ذلك بعض المنتجات الغذائية التي باتت تستغل هذا الانتشار الكبير للشخصيات الكرتونية، في الإعلان والترويج لمنتجاتها، من أجل سرعة تقبل الطفل لها، لمعرفته المسبقة بالشخصية التي تروج لها.
الموضوع طوووووويل
بس من جد مهم جداجدا[/align]