من حسن حظ كل مسلم يحافظ على الصلاة في أوقاتها، ويتم ركوعها وسجودها أنه يؤدي فريضة، ويكسب صحة في الوقت نفسه; إذ تقف وراء حركات الصلاة حكمة صحية بليغة محصلتها النهائية بنية قوية، نشطة، قادرة على العمل والعطاء، متصالحة مع نفسها والآخرين.
حول الإعجاز الطبي في الصلاة يقول د. حسام الدين أبو السعود وهو طبيب مهتم بالقراءة العلمية للقرآن الكريم: إن الله - سبحانه وتعالى - فرض على عباده الصلاة، وجعل لها أوقاتا محددة، وهي خمس صلوات في اليوم والليلة، وهناك صلاة السنن الراتبة عند كل صلاة بالإضافة إلى صلوات التطوع.
ويتضمن أداء الصلاة القيام ببعض الحركات التعبيرية من الوقوف أمام الخالق - جل وعلا - في خشوع وذل مثل الوقوف في وضع القيام منتصبا، ثم الانحناء في حالة الركوع والسجود، والجلوس بعد ذلك في حالة التشهد مع تكرار هذه الحركات في كل ركعة من ركعات الصلاة وبصورة منتظمة، وكل هذه الحركات التي يقوم بها الجسم تشتمل على تنشيط جميع أجزاء الجسم، وتتضمن حركات رياضية منتظمة لجميع الأجزاء المفصلية، ومن ثم تعتبر تمرينات لتقوية عضلات العمود الفقري، وتمنع تيبسه أو انحناءه، وهو ما يقي من بعض أمراض الشيخوخة.
حركات الصلاة تقي من ضعف الأطراف، وذلك بتحريكها بصورة منتظمة، وتقي من آلام الأطراف.
وجد أن الصلاة بالحركات المنتظمة في أدائها تقي الجسم من بعض الآلام الروماتيزمية خاصة مرض الروماتويد، وقد أوضح ذلك أستاذ بجامعة مانشستر بإنجلترا كانت قد دعته إحدى الشركات الدوائية الإنجليزية لإلقاء محاضرات علمية غرض تسويق منتج دوائي في دول الخليج العربي لمرضي الروماتيزم، وقد اعترف بحقيقة علمية مهمة حين قال: إنه ثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن مرض الروماتيزم والروماتويد يقل بشكل ملحوظ بين المسلمين مقارنة بغيرهم من غير المسلمين تحت نفس الظروف البيئية والغذائية الواحدة، وذلك لأن قيام المسلمين بأداء الصلاة بصورة منتظمة وبحركاتها تلك تمنع تراكم بعض الترسبات عند المفاصل التي تسبب الألم، ومن ثم فقد استفادت مراكز الأبحاث والعلاج الطبية العالمية من ذلك، ونصحوا مرضاهم بأداء تمرينات رياضية مشابهة للصلاة.
في الصلاة تقوية للعمود الفقري، ومن ثم تقي من الانزلاق الغضروفي، والذي يتسبب في آلام شديدة خاصة في الذراعين أو الساقين، وبالطبع فإن المصلى لا يشعر بهذه الأعراض مع الصلاة التي تقيه منها.
الصلاة فيها تقوية لمفاصل الكعبين بجانب أن عملية السجود تلك تمنع تراكم المواد الدهنية في أماكن معينة.
عملية التكبير والقراءة والتسبيح في الصلاة مع حركاتها المنتظمة تعتبر تمرينات تنفسية منتظمة، كما أن التسليم في نهاية الصلاة تمرينات للرقبة تقيها مما قد يحدث للرقبة من تيبس عضلي.
حكمة مواقيت الصلاة
تساعد الصلاة على الاحتفاظ برشاقة الجسم وحيويته، ومن ثم فهي أفضل تمرينات رياضية عرفها الإنسان حتى الآن من حيث السهولة واليسر في الأداء، وأنها مناسبة للجنسين، وفي كل الأعمار، ومفيدة لكل أعضاء الجسم بشكل عام.
الصلاة لها مواقيت محددة، ولله سبحانه وتعالى حكمة في ذلك تبدأ مع استيقاظ الإنسان من نومه وبدء نشاطه، وتنتهي بنهاية اليوم العملي له، والخلود للراحة، والنوم بعد صلاة العشاء، فيستقبل الإنسان يومه بالوضوء وصلاة الصبح، مما يهييء معه الجسم والعقل لبدء النشاط اليومي في العمل مبكر ا، وتأتي بعد ذلك صلاة الظهر في وسط العمل اليومي، والتي يكون الجسم قد بدأ يشعر بالتعب، فيذهب للوضوء، وصلاة الظهر، فيشعر بنشاط وراحة نفسية تذهب عنه أي إرهاق أو انفعال نفسي، قد انتابه أثناء العمل، وبعد الظهر يتناول غذاءه، ويكون جسمه مهيأ لاستقبال الطعام وهضمه، وتأتي بعد ذلك صلاة العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، وهي ختام العمل اليومي للإنسان، فيتوضأ ويهييء نفسه للصلاة، وختام يومه، ويخلد للنوم مرتاح النفس، هادئ الطبع، ينام ليريح البدن من عناء العمل ليعاود نشاطه في اليوم التالي بكل همة وحيوية.
ثبت كذلك أن الصلاة تقي من بعض أمراض القلب، وتصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وبعض الأمراض النفسية وغيرها، الانتظام في الصلاة يعود المسلم على الانتظام في مواعيده، ومقابلاته، والتزاماته، وغير ذلك من سلوكه في حياته اليومية.
تعتبر الصلاة - في مجموعها من تكبير وركوع وسجود - نوعا فريدا من التمرينات الرياضية البدنية الشاملة، والتي يعجز أي خبير في الطب الرياضي عن الإتيان بمثلها من حيث مناسبتها لجميع الأعمار والأجناس; حيث نجد الشيخ المسن الكبير، والمرأة الحامل، والطفل، والشاب كلهم يؤديها بنفس الطريقة والكيفية، ولا يشعر أي منهم بتعب أو إرهاق كبعض التمرينات الرياضية.
تعمل الصلاة على تنشيط الدورة الدموية في الرأس أثناء السجود.
في الصلاة تدريب لجميع مفاصل الجسم، ومن ثم تقي من آلام الظهر والمفاصل.
تعمل على تنشيط الدورة الدموية بوجه عام، وتنشيط ضربات القلب، ومن ثم تقي من الإصابة ببعض أمراض القلب.
تزيد من حركة المعدة والأمعاء، وتنشط عملية الهضم وغيرها، وهذه تعطي المسلم الرشاقة وعدم تراكم الدهون.
بجانب كل ذلك ففي الصلاة راحة نفسية للمسلم تعوده على الدقة والنظام، وتهذب سلوكه، فالمسلم يتعود على التنظيم والترتيب الزمني لنشاطه اليومي من خلال صلاته بدء ا من صلاة الفجر، ومرور ا بصلاة الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، وانتهاء بصلاة العشاء، والتي يخلد بعدها إلى النوم والراحة بعد عناء يوم العمل.
الصلاة والوقاية من دوالي الساقين
قرأت بحثا نشر لأحد الباحثين بجامعة الإسكندرية نال عنه صاحبه درجة الماجستير، وكان هذا البحث حول معجزة الصلاة في الوقاية من مرض دوالي الساقين من خلال دراسة أجراها الباحث على 20 حالة مصابة بدوالي الساقين، و10 حالات غير مصابة، كما قام الباحث بقياس الضغط الوريدي على ظاهر القدم في 15 حالة أخري غير مصابة، وقد ثبت تأثير الصلاة في الوقاية من مرض دوالى الساقين.
ودوالي الساقين هو خلل شائع في أوردة الساقين يتمثل في ظهور أوردة غليظة ومتعرجة وممتلئة بالدماء المتغيرة اللون على طول الطرفين السفليين، وهذه الظاهرة تصيب نحو 10% من الناس بوجه عام.
وقد وجد أن الصلاة تعتبر عاملا مؤثرا في الوقاية من دوالي الساقين عن طريق أسباب ثلاثة هي:
أوضاع الصلاة من قيام وركوع وسجود، والتي تؤدي إلى أقل ضغط على الجدران الضعيفة لأوردة الساقين السطحية.
قيام الصلاة بعملية تنشيط لعمل المضخة الوريدية الجانبية، ومن ثم زيادة خفض الضغط على أوردة الساقين السطحية.
تقوية الجدران الضعيفة عن طريق رفع كفاءة البناء الغذائي بها ضمن دفعها لكفاءة التمثيل الغذائي بالجسم بوجه عام.
لماذا الصلاة الوسطي؟
ورد ذكر الصلاة الوسطي في القرآن الكريم في سورة البقرة في قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطي وقوموا لله قانتين) ويقول ابن كثير في تفسير لهذه الآية الكريمة:
يأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وحفظ حدودها، وأدائها في أوقاتها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: (سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أي العمل أفضل? قال: الصلاة في وقتها. قلت: ثم أي? قال: الجهاد في سبيل الله. قلت: ثم أي? قال بر الوالدين) قال: حدثني بهن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولو استزدته لزادني.
وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطي، وقد اختلف السلف والخلف فيها أي صلاة هي؟ فقيل: إنها الصبح، وقيل إنها العصر وهو الأرجح.
وعموما فمهما كان الاختلاف في أي الصلاة المقصودة بالصلاة الوسطي، والتي قد تكون على الأرجح - وطبقا للروايات السابقة - هي صلاة العصر، فلقد أخذت هذه الآية الكريمة اهتمام العلماء والباحثين، وتساءل الكثيرون عن مغزى التأكيد والتخصيص للصلاة الوسطي، وقام أحد الأطباء العرب المسلمين المقيمين في فرنسا، ويعمل بمستشفي (شاربن في مدينة ليون بفرنسا) بالبحث والتقصي عن ذلك، وقدم بحثه إلى المؤتمر الدولي للإعجاز الطبي في القرآن الكريم، والذي عقد بالقاهرة في أوائل التسعينيات الميلادية; حيث أوضح أنه أجري تجاربه على سبعين جنديا لمدة ثلاثة أيام في حقل الرماية وسط جو الإزعاج الذي يقع في حالة الحرب، وقيست كمية الأدرينالين في البول، فوجد أن نسبة هذا الهرمون ترتفع بعد الظهر على وجه الخصوص، وهو ما يزيد التوتر البيولوجي في جسم الإنسان، وحتى يتخلص الجسم من هذا التوتر، فإنه يكون في حاجة إلى استرخاء جسدي ونفسي.
ومن المعروف علميا أن نسبة هرمون الأدرينالين والمعروف بهرمون التوتر تكون أقصي درجاتها بعد الظهر، وبذلك يكون الجسم في حالة أقرب إلى التوتر، والتشنج البيولوجي على الأقل الذي يعتبر مسببا الكثير من الأمراض النفسية والجسدية، بجانب أن الآثار السلبية لازدياد هرمون الأدرينالين عن الحد المعقول تؤدي إلى ازدياد ضغط الدم، وارتفاع السكر في الدم، وزيادة دقات القلب، واللهاث في التنفس، واسترخاء العضلات اللينة، وانقباض العضلات المخططة، وغير ذلك من التأثيرات الأخري.
وعلى الرغم من أن كل هذه التغيرات لها وظائفها المعينة، ولكن إذا استمر التوتر والتشنج، فإن هذا يؤدي إلى أمراض الضغط المرتفع، وأمراض السكري وغيرها.
والاسترخاء النفسي والجسدي يؤدي إلى انخفاض نسبة هرمون الأدرينالين في الدم، وبذلك يعود الجسم إلى توازنه البيولوجي، ومن ثم يتخطى نقطة الخطر.
علاج التوتر النفسي
والصلاة الوسطي بالاستعداد الجسدي والنفسي والروحي لها تؤدي إلى حالة استرخاء جسدية ونفسية ممتازة لتخطي نقطة الخطر هذه في حياتنا اليومية في فترة ما بعد الظهر، فالمسلم الملتزم إذن ليس لديه المشكلة التي يعاني منها الرجل المعاصر في التوترات والتشنجات اليومية; لأنه بتوقفه لفترة قصيرة للدخول في الصلاة والعبادة في الصلاة الوسطي بعد ظهر كل يوم يؤدي إلى الاسترخاء الجسدي والنفسي المطلوب في هذه الفترة، وبهذا يقدم الإسلام الحل والعلاج الوقائي في مجال التوتر النفسي والعصبي للعالم المعاصر.
وخلاصة القول، وعلى الأخذ في الاعتبار أن الصلاة الوسطي هي صلاة العصر نجد أن الارتفاع البيولوجي لعدة أنظمة داخل الجسم تبلغ ذروتها خلال فترة العصر، ومنها نظام الدورة الدموية والقلب، وما يتصل بها وهو ما ينعكس على نشاط وحيوية الجسم سلبا وإيجابا.
ولاشك أن المحافظة على هذه الصلاة الوسطي تعد مناسبة لإعطاء الفرصة لاسترخاء وهدوء الجسم بما في ذلك القلب نفسه، وهذا يجعل فرصة وجود توتر مفاجئ مثل الذي قد يحدث أثناء الانشغال بالحياة والأعمال اليومية العادية قليلة جدا.
إن كل هذه الحقائق وغيرها، والتي تظهر كل يوم توضح وتبرهن للجميع على عظمة وروعة هذا الدين الإسلامي الحنيف، وفرائضه التي تمنح المسلم فرصا عظيمة يجب عليه أن يغتنمها حتى ينعم بدنياه وآخرته، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين قال في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه.
حدثنا آدم قال: حدثنا ابن أبي ذئب قال: حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة فعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".(رواه البخاري)