مرض معاوية بن ابي سفيان بدمشق في جمادى الثانية وكان يزيد ابنه غائباً، فأحضر معاوية الضحاك بن قيس ومسلم بن عقبة المري وأدى إاليهما وصيته إلى يزيد وكان فيها: ((يابني إني قد كفيتك الشد والترحال ووطأت لك الأمور وذللت لك الأعداء وأخضعت رقاب العرب وجمعت لك مالك يجمعه أحد ، فانظر أهل الحجاز فإنهم أصلك وأكرم من قدم عليك منهم وتعاهد من غاب وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل فإن عزل عامل أسهل من أن يشهر عليك مائة ألف سيف ، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وغيبتك فإن رابك من عدوك شيء فانتصر بهم فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام
إلى بلادك فإنهم إن أقاموا بغير بادهم تغيرت أخلاقهم .
وإني لست أخاف أن ينازعك في هذا الأمر إلا إربعة من قريش الحسين بن علي وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن أبي بكر. فأما ابن عمر فإنه رجل قد وقدته العبادة فإذا لم يبق
أحد غيره بايعك ، وأما الحسين بن علي فهو رجل خفيف ولن يتركه
أهل العراق حتى يخرجوه فإن خرج وظفرت به فأصفح عنه فإن له رحماً ماسة وحقاً عظيماً وقرابة من محمد صلى الله عليه وسلم، وما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله ليس له همة إلا في النساء واللهو ، وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فذاك ابن الزبير فإن ظفرت به فقطّعه إرباً أربا، واحقن دماء قومك مااستطعت)).
ثم مات بدمشق لهلال رجب سنة 60هــ . ثم وقف الضحاك على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إن معاوية كان عود العرب وحد العرب وجد العرب قطع الله به الفتنة وملكه على العباد وفتح البلاد إلا أنه قد مات وهذه أكفانه ونحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ومخلون بينه وبين عمله ثم هو الهرج الى يوم القيامة ...
نلاحظ دهاء معاوية بن أبي سفيان وهو احد دعاة العرب الاربعة المعروفين.. فهو اوصى ابنه ان اتاه اهل العراق وطلبوا عزل الوالي ولو كان طلباتهم كل يوم فلـ يلبّي طلبهم على ان يسيل دماء المسلمين وبذلك
يحقن دماء المسلمين جميعاً.