في ركاب الخالدين يا ابن بادي
قبل عدة ايام خلت.. غيبت يد المنون واختطفت يد الردى من عالمنا الفاني الى العالم الباقي احد رجالات المنطقة الشرقية واعيانها الرجل الوجيه والمؤرخ الفاضل الشاعر الشعبي المعروف مطلق محمد البادي فارس السماحة والكرم، صديق اليتامى والارامل والمساكين، بسمة الضعيف والفقير، أخ القريب والبعيد، الرجل الصبور السمح البشوش ذا الخلق الكريم، والسجايا الحميدة، يشهد له بذلك كل من عاصره ويدين له بالفضل والسبق الى معالي الامور جميع من عرفه:
نام في غيب الزمان الماحي
جبل الندى والمجد والسماح
ان السماحة والمروءة ضمتا
قبرا بمرو على الطريق الواضح
ماذا نعدد من مناقبك يا ابا محمد؟ وماذا ندع؟ اخلاقك وقد وسعت كل الناس ينزلون على قلبك بردا وسلاما، تتحمل منهم اذاهم، وتصبر على بلواهم، وكأنك بهذا الخلق الرفيع تنظر الى حديث حبيبك رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) الحديث.
مت طيبا متهللا يا ابا محمد كما عشت في حياتك دائما متهلل الوجه، دائم البشر، طيب الرأي، حلو المجتني:
تراه اذا ما جئته متهللا
كأنك تعطيه الذي انت سائله
وتغير الناس ولم تتغير، وتبدلوا ولم تتبدل، سمتك البشاشة والوداعة وظاهرك الابتسامة الدائمة، فكأنما خلقت هكذا ضاحكا مستبشرا وقورا، حتى في اوقات مرضك العصيبة ـ نسأل الله عز وجل ان يجعلها في ميزان حسناتك ـ لا نرى منك الا سنا ضاحكا، ولا نشعر الا بنفس مطمئنة الى قضاء الله وقدره:
وان تغل احدا منا منيته
فما الذي بقضاء الله يصنعه
هاأنا اكتب إليك ـ يا ابا الكرام ـ وقلبي ينطف دما، وروحي تنسكب اسى على فراقك، تتلعثم الكلمات، وتتوه المفردات، وتتحشرج الكلمات، وتتفجر المشاعر، وتتفطر الاكباد، وتغص الحلوق بكل لوعة، وتنزف الجراح بكل الم على وداعك:
ودعا ايها الحفيان ذلك الشخص
ان الوداع ايسر زاد
واغسلاه بالدمع ان كان طهرا
وادفناه بين الحشا والفؤاد
واتلوا النعش بالقراءة والتسبيح
لا بالنحيب والتعداد
اسف غير نافع واجتهاد
لا يؤدي الى غناء اجتهاد
لكننا يا ابا محمد لا نقول الا ما يرضى الرب (ان العين لتدمع، وان القلب ليحزن، وانا لفراقك يا ابا محمد لمحزونون).
اواه يا ابا محمد.. ملكت القلوب، واسرت المشاعر، وجعلت من نفسك بوتقة لتجارب التاريخ، ومصبا للحكم، ومضربا للامثال وصورة مشرقة للخلق النبيل، وهذا ما صرحت به اشعارك وتغنى به ادبك، وشهدت به كتبك، خصوصا سفرك الضخم الذي سيرى النور قريبا ـ ان شاء الله تعالى ـ الموسوم بـ (ملخص التاريخ الاسلامي) الدال على جهد العطاء، وجلادة البحث العلمي الاصيل، واتساع الافق، وغزارة المعلومات.
رحمك الله ـ يا ابا محمد ـ كم والله يطربنا الحديث عنك، وعن سجاياك العربية الاصيلة، علو في بساطة، وشموخ في تواضع وحكمة في لين، تتجلى فيك عراقة البادية في ازهى صورها، وتتآلف في محياك اخلاق البدوي الاصيل.
ماذا اعدد ابا الكرام؟ وماذا ادع؟ انا اعلم علم اليقين انني لن استطيع بهذه الاحرف المتقطعة، وهذه الكلمات المهلهلة ان أفيك ولو بعض حقك، لانك ايها الرجل الفاضل ستبقى عبق المجالس وسيكون حضورك غائبا كما كان حضورك قويا، يذكر السامعين دوما بأنه كان يعيش بينهم ذات يوم رجل من الكرماء.
عماه عماه كم في القلب من غصص
تهز عرش فؤادي من حناياه
جل المصاب وجلت فيك لوعتنا
اواه لو اجدت المحزون اواه
@@ بقلم ـ مطلق العتيبي ـ عضو النادي الادبي بالشرقية