هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر من كندة ، أمة فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة وخاله كليب الذي تقول فيه العرب أعز من كليب ، وهو رأس فحول شعراء الجاهلية أجاد في الوصف وأمتاز بدقة التصوير أما عباراته فهي خشنة من خشونة البيئة التي عاش فيها ، وهذه الديار التي وصفها كلها ديار بني أسد . و يقال لهو الملك الضليل وذو القروح ، وهو من أهل نجد ، من الطبقة الأولى ،طرده أبوه لمل صنع الشاعر بفاطمة ابنة عمه ما صنع ـ وكان لها عاشقاً ـ وأمر بقتله ، ثم عفا منه ، ونهاه عن قول الشعر ، ولكنه نظم بعدئذٍ فبلغ ذلك أباه فطرده ، وبقي طريداً الى أن وصله خبر مقتل أبيه ـ الذي كان ملكاً على أسد وغطفان ـ على أيدي بني أسد ، وكان حينذاك بدُمون ـ بحضر موت ـ فقال : (( ضيعني صغيراً ، وحملني دمه كبيراً ، لا صحو اليوم ، ولا سكر غداً اليوم خمر ، وغداً ، أمر )) .وأخذ يطلب ثأر أبيه ، يستنجد القبائل ، الى أن وصل الى السموأل ، والحارث الغسان ـ في بلاد الشام ـ وقيصر الروم ـ في القسطنطينية ـ الذي ضم إليه جيشاً كثيفاً ، فوشى رجل من بني أسد بامرىء القيس الى قيصر ، فبعث إليه بحلة وشي مسمومة منسوجة بالذهب . فلما وصلت إليه لبسها ، فأسرع فيه السم ، وسقط جلده ، وكان حينذاك بأنقرة ، التي مات فيها . وله أشعار كثيرة ، يصف فيها رحلته هذه .
1 قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ *** بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ وحَوْمَلِ
2 فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا *** لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
3 تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِهَا *** وَقِيْعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
4 كَأَنِّيْ غَدَاة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا *** لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
5 وُقُوْفًا بِهَا صَحْبِيْ عَليََّ مَطِيَّهُمْ *** يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
6 وَإِنَّ شِفَائِيْ عَبْرَةٌ إِنْ سَفَحْتُهَا *** وَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
7 كَدَيْنِكَ مِنْ أُمِّ الحُويَرِثِ قَبْلَهَا *** وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
8 فَفَاضَتْ دُمُوعُ العَيْنِ مِنِّيْ صَبَابَةً *** عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلِي
9 أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ *** وَلا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
10 وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِيْ *** فَيَا عَجَبًا مِنْ رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ
11 يَظَلُّ العَذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَا *** وَشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ
12 وَيَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ *** فَقَالَتْ لَكَ الوَيْلاتُ إِنَّكَ مُرْجِلِي
13 تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا مَعًا *** عَقَرْتَ بَعِيْرِيْ يَا امْرَأَ القَيْسِ فَانْزِلِ
14 فَقُلْتُ لَهَا سِيْرِيْ وَأَرْخِي زِمَامَهُ *** وَلا تُبْعِدِيني مِنْ جَنَاكِ المُعَلِّلِ
15 فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعًا *** فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِيْ تَمَائِمَ مُغْيَلِ
16 إذا ما بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْحَرَفَتْ لَهُ *** بِشِقٍّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لم يُحَوَّلِ
17 وَيَوْمًا عَلَى ظَهْرِ الكَثِيْبِ تَعَذَّرَتْ *** عَلَيَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ
18 أَفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدَلُّلِ *** وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِيْ فَأَجْمِلِي
19 وَإنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّيْ خَليْقَةٌ *** فَسُلِّيْ ثِيَابِيْ مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ
20 أَغَرَّكِ مِنِّيْ أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي *** وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ
21 وَمَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتَقْدَحِي *** بِسَهْمَيْكِ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ
22 وَبَيْضَةِِ خِدْرٍ لا يُرَامُ خِبَاؤُهَا *** تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ
23 تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا وَأَهْوَالَ مَعْشَرٍ *** عَلَيَّ حِرَاصٍ لَوْ يُشِرُّونَ مَقْتَلِي
24 إذا ما الثُّرَيَّا في السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ *** تَعَرُّضَ أَثْنَاءِ الوِشَاحِ المُفَصَّلِ
25 فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَتْ لنَوْمٍ ثِيَابَهَا *** لَدَى السِّتْرِ إِلاَّ لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ
26 فَقَالَتْ يَمُيْنَ اللهَ ما لَكَ حِيْلَةٌ *** وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ العَمَايَةَ تَنْجَلِي
27 خَرَجْتُ بِهَا تَمْشِيْ تَجُرُّ وَرَاءَنَا *** عَلَى أثَرَيْنَا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ
28 فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وَانْتَحَى *** بِنَا بَطْنُ حِقْفٍ ذِيْ رُكَامٍ عَقَنْقَلِ
29 إِذَا التَفَتَتْ نَحْوِيْ تَضَوَّعَ رِيْحُهَا *** نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ
30 إِذَا قُلْتُ هَاتِيْ نَوِّلِيْنِيْ تَمَايَلَتْ *** عَلَيَّ هَضِيْمَ الكَشَحِ رَيَّا المُخَلْخَلِ
31 مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ *** تَرَائِبُهَا مَصْقُوْلَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ
32 كِبِكْرِ مُقَانَاةِ البَيَاضِ بِصُفْرَةٍ *** غَذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرِ المُحَلَّلِِ
33 تَصُدُّ وَتُبْدِيْ عَنْ أَسِيْلٍ وَتَتَّقِيْ *** بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ
34 وَجِيْدٍ كَجِيْدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ *** إِذَا هِيَ نَصَّتْهُ وَلا بِمُعَطَّلِ
35 وَفَرْعٍ يُغَشِّي المَتْنَ أَسْودَ فَاحِمٍ *** أَثِيْثٍ كَقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ
36 غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلى العُلا *** تَضِلُّ المَدَارَى في مُثَنًى وَمُرْسَلِ
37 وَكَشْحٍ لَطِيْفٍ كَالجَدِيْلِ مُخَصَّرٍ *** وَسَاقٍ كَأُنْبُوبِ السَّقِيِّ المُذَلَّلِ
38 وَتَعْطُو بِرَخْصٍ غَيْرِ شَثْنٍ كَأَنَّهُ *** أَسَارِيْعُ ظَبْيٍ أَوْ مَسَاوِيْكُ إِسْحِلِ
39 تُضِيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَا *** مَنَارَةُ مُمْسَى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ
40 وَتُضْحِيْ فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِرَاشِهَا *** نَؤُوْمُ الضُّحَى لم تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ
41 إِلى مِثْلِهَا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَةً *** إِذَا ما اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْوَلِ *وقفت
42 تسلت عمايات الرجالِ عن الصّبا *** وليسَ صِبايَ عن هواها بمنسل
43 ألا رُبّ خَصْمٍ فيكِ ألْوَى رَدَدتُه *** نصيح على تعذَاله غير مؤتل
44 وليل كموج البحر أرخى سدولهُ *** عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
45 فَقُلْتُ لَهُ لما تَمَطّى بجوزه *** وأردف أعجازا زناء بكلكل
46 ألا أيّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَلي *** بصُبْحٍ وما الإصْباحَ فيك بأمثَلِ
47 فيا لكَ من ليلْ كأنَّ نجومهُ *** بكل مغار الفتل شدت بيذبل
48 كأنَّ الثريا علقت في مصمامها *** بأمْراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ
49 وَقَدْ أغْتَدي وَالطّيرُ في وُكنُاتُها *** بمنجردٍ قيدِ الأوابدِ هيكلِ
50 مِكَرٍّ مفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معًا *** كجلمودِ صخْر حطه السيل من علِ
51 كميت يزل اللبد عن حال متنه *** كما زَلّتِ الصَّفْواءُ بالمُتَنَزّلِ
52 مسحٍّ إذا ما السابحاتُ على الونى *** أثرنَ غبارًا بالكديد المركل
53 على العقبِ جيَّاش كأن اهتزامهُ *** إذا جاش فيه حميُه غَليُ مِرْجلِ
54 يطيرُ الغلامُ الخفُّ عن صهواته *** وَيُلْوي بأثْوابِ العَنيفِ المُثقَّلِ
55 دَريرٍ كَخُذْروفِ الوَليدِ أمَرّهُ *** تقلبُ كفيهِ بخيطٍ مُوصلِ
56 لهُ أيطلا ظبيٍ وساقا نعامة *** وإرخاء سرحانٍ وتقريبُ تتفلِ
57 كأن على الكتفين منه إذا انتحى *** مَداكَ عَروسٍ أوْ صَرية َ حنظلِ
58 وباتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلجامُهُ *** وباتَ بعيني قائمًا غير مرسل
59 فعنَّ لنا سربٌ كأنَّ نعاجَه *** عَذارَى دَوارٍ في المُلاءِ المُذَيَّلِ
60 فأدبرنَ كالجزع المفصل بينه *** بجيدِ مُعَمٍّ في العَشيرَة ِ مُخْوَلِ
61 فألحَقَنا بالهادِياتِ وَدُونَهُ *** جواحِرها في صرة ٍ لم تزيَّل
62 فَعادى عِداءً بَينَ ثَوْرٍ وَنَعْجَة ٍ *** دِراكًا ولم يَنْضَحْ بماءٍ فيُغسَلِ
63 فظلّ طُهاة ُ اللّحمِ من بينِ مُنْضِجٍ *** صَفيفَ شِواءٍ أوْ قَديرٍ مُعَجَّلِ
64 ورُحنا راحَ الطرفُ ينفض رأسه *** متى ما تَرَقَّ العينُ فيه تسهل
65 كأنَّ دماءَ الهادياتِ بنحره *** عُصارة ُ حِنّاءٍ بشَيْبٍ مُرْجّلِ
66 وأنتَ إذا استدبرتُه سدَّ فرجه *** بضاف فويق الأرض ليس بأعزل
67 أحار ترى برقًا كأن وميضه *** كلمع اليدينِ في حبي مُكلل
68 يُضيءُ سَناهُ أوْ مَصَابيحُ راهِبٍ *** أهان السليط في الذَّبال المفتَّل
69 قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتي بينَ حامر *** وبين إكام بعد ما متأمل
70 وأضحى يسحُّ الماء عن كل فيقة *** يكبُّ على الأذقان دوحَ الكنهبل
71 وتيماءَ لم يترُك بها جِذع نخلة *** وَلا أُطُمًا إلا مَشيدًا بجَنْدَلِ
72 كأن طمية المجيمر غدوةً *** من السَّيلِ والغثاء فَلكة ُ مِغزَلِ
73 كأنَّ أبانًا في أفانينِ ودقهِ *** كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ
74 وَألْقى بصَحْراءِ الغَبيطِ بَعاعَهُ *** نزول اليماني ذي العياب المخوَّل
75 كأنّ سباعًا فيهِ غَرْقَى غدية *** بِأرْجائِهِ القُصْوى أنابيشُ عُنْصُلِ
76 على قَطَنٍ بالشَّيْمِ أيْمَنُ صَوْبهِ *** وَأيْسَرُهُ عَلى السّتارِ فَيَذْبُلِ
77 وألقى ببسيان مع الليل بركه *** فانزل منه العصم من كل منزل