[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فإن ما تناقله الناس وأشيع بينهم من أنهم رأوا صورة صدام حسين في القمر ليلة الإربعاء ,لا شك أنه أمر منكر, وتلبيس من شياطين الإنس والجن , وهو نحو ما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن الشمس والقمر يخسفان لموت أحد أو حياته والتي أبطلها النبي r. فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي بكرة قال(كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس , فقام الرسول صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى دخل المسجد فدخلنا , فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس , فقال صلى الله عليه وسلم :إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد , فإذا رأيتموها فصلوا ودعوا حتى ينكشف ما بكم ) وروى أيضاً عن قيس قال: سمعت أبا مسعود يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر لاينكسفان لموت أحد من الناس , ولكنهما آيتان من آيات الله , فإذا رأيتموها فقوموا فصلوا ).
وروى أيضاَ عن المغيرة بن شعبة قال كسفت الشمس على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم فقال الناس : كسفت الشمس لموت إبراهيم ,فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد أو لحياته , فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا الله ) . ورواه أيضاً النسائي من حديث جابر وصححه الألباني ,
وفيه ( كانوا يقولون إن الشمس والقمر لاينكسفان إلا لموت عظيم من عظمائهم , إنما آيتان من آيات الله يريكهما , فإذا انخسفت فصلوا حتى تنجلي).
قال ابن حجر رحمه الله ( وفي هذا الحديث إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض ,وهو نحو قوله في الحديث الماضي في الاستسقاء "مطرنا بنوء كذا" , قال الخطابي : كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر , فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل , وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما ) ا.هـ .
قلت : ومثله ما أشيع بين الناس أنهم رأوا صورة صدام حسين في القمر , وهذا من تلبيس الشياطين على الناس ليستدرجهم في الغلو فيه ,بل إنه نوع من أنواع الغلو .
وقد حرم الله عز وجل الغلو في الأشخاص مهما كان حاله , وأن ذلك هو سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم ,قال الله عز وجل ( يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق , إنما المسيح إبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله : والخطاب ــ وإن كان لأهل الكتاب ــ فإنه عام يتناول جميع الأمة , تحذيراً لهم من أن يفعلوا بنبيهم فعل النصارى في عيسى واليهود في العزير , كما قال الله تعالى ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) ,
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم) ا.هـ .
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى ( وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ) قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح , فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم ,أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً , وسموها بأسمائهم , ففعلوا , ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت ) .
قال ابن القيم رحمه الله : قال غير واحد من السلف " لما ماتوا عكفوا على قبورهم , ثم صوروا تماثيلهم , ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم ".
والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذر أشد التحذير من الغلو لما يؤوله من الشرك والكفر وعبادة ما سوى الله , فقد روى البخاري ومسلم عن عمر أن رسول صلى الله عليه وسلم قال ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ,إنما أنا عبد , فقولوا: عبد الله ورسوله ) .
وروى أبو داود عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال : انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فقلنا : أنت سيدنا ,فقال : السيد الله تبارك وتعالى , قلنا: وأفضلنا فضلاً , وأعظمنا طولاً ,فقال : قولوا بقولكم , أو بعض قولكم ,ولا يستجرينكم الشيطان ).
فالواجب على المسلمين أن يعرفوا دينهم , و أن يحذروا من كل ما يفسد عليهم عقائدهم ،من غلو وغير .
لقد قدم أبو بكر الصديق رضي الله عنه للإسلام نفسه وماله , وحمى الله به الإسلام , وقضى على فتنة المرتدين , ولما مات لم يغل فيه الصحابة , ولم يقل أحد أنه رأى صورته في القمر أو شيئا من ذلك . وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم قتلوا في سبيل الله و حصل في عهدهم الخير العظيم من نصرةٍ للإسلام وفتوحاتٍ عظيمة وتطبيقٍ للإسلام وتحكيمٍ لشريعة الله , ومع ذلك لم يغل أحد بهم , ولم يقل أحد أنه رأى صورته في القمر أو شيئا من ذلك .
وصلى الله وبارك على قائد الغر المحجلين وسيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.[/align]
.