من الضروريات الاستعانة بالله _تبارك وتعالى_ على تربية الأولاد, والدعاء لهم, وتجنب الدعاء عليهم , وغرس الإيمان والعقيدة الصحيحة والأخلاق الحميدة في نفوسهم, وتجنيبهم الأخلاق الرذيلة, وتقبيحها في نفوسهم, وتحصينهم بالأذكار الشرعية, والحذر من التناقض في التعامل معهم, وإبعاد المنكرات وأجهزة الفساد عنهم, وتعويدهم الجد والاجتهاد, وتجنيبهم الكسل والبطالة, وتنمية الجرأة لديهم, واستشارتهم فيما يخصهم, وتدريبهم على اتخاذ القرار, وفهم طباعهم ونفسياتهم, والجلوس معهم ومحادثتهم, وإشاعة الإيثار بينهم, والإصغاء إليهم إذا تحدثوا, وتفقد أحوالهم, وإكرام أصدقائهم, ومنعهم من رفقاء السوء, وعدم تضخيم أخطائهم وإعطائهم فرصة لتصحيح أوضاعهم, ونحو ذلك.
وعليك العناية بالطفل في مراحله المبكرة, فتحرص على مراقبة ميوله, وتنمية مواهبه, وتوجيهه لما يناسبه, بحيث يجد في المنزل ما يُنمي مواهبه ويصقلها, ويعدها للبناء والإفادة, ويجد من يوجهه لما يناسبه ويلائمه.
فإذا رأيته حسن الفهم, صحيح الإدراك, جيد الحفظ, واعياً فاهماً, فهذه علامات قبوله وتهيئته للعلم, فمكنه من العلم.
وإن رأيته مستعداً للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب, فمكنه من الفروسية، وإن رأيته ميّالاً للتجارة والبيع والشراء, أو لأي صنعة مباحة, فمكنه من التجارة, وهذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه, وكلٌ ميسر لما خُلق له, فافهم ذلك جيداً.
ومن وسائل تنمية ذكاء الولد, إعطاؤه الفرصة للتعبير عن نفسه, والإجابة على أسئلته, وتعليمه كيف يسأل, وكيف يختار السؤال, وإيراد القصص المشوقة عليه, والتي تحمل بعض المعاني الرفيعة والمعلومات الجديدة.
وعليك أن تجنبه الحزن الشديد الذي يُؤثر على تفكيره, وحسن تصرفه في المواقف المختلفة.
ومن وسائل تنمية قوة الحفظ لديه, توجيهه للحفظ من سن الخامسة وحتى الخامسة عشرة من عمره قبل بلوغه, فهي أدعى لثباته ورسوخه في قلبه, ومتى رأيت أنه قابل للحفظ دون الخامسة, فوجهه للحفظ , فالأطفال يختلفون.
وأحذر أن تُعرضه لأنواع الانفعالات والتوترات العصبية، فهي تعيق العلم ومن أحسن ما يُنمي ملكة الذكاء والحفظ عند الولد توجيهه إلى طلب العلم, فهو يُدربه ويمرنه, ويجعله يستعمل جميع ملكاته العقلية.
والولد في مرحلة الطفولة المتأخرة, يميل إلى الواقعية, ونبذ الخيال, وتقل مشاكله ومشاكساته, ويميل إلى حب الإطلاع والكشف عن معالم البيئة من حوله, فافهم ذلك جيداً.
والولد بعامة في مرحلة الطفولة, ينبغي ألا يكثر عليه في الحفظ, وممارسة الصناعة؛ لأنه يمل, ويجب إعطاؤه فرصة للعب والاستراحة والاستجمام.
ومتى أُكثر عليه مات قلبه, وبطل ذكاؤه, وتنغص عيشه, حتى يحتال ويطلب الخلاص مما هو فيه.
واحرص على ترغيبه فيما يناسبه عن طريق اللعب, وإعطاؤه المكافآت المالية, والهدايا العينية, وأشبع رغباته من خلال تزويده بالموسوعات العلمية, مقروءة ومسموعة أو مرئية, مع الاهتمام بتنقيتها واختيارها بعناية.
واعم أن الله _تبارك وتعالى_, خلق الناس بقدرات مختلفة متفاوتة, فلا تطالب جميع أولادك بنفس الإنجاز, بل لكل قدرته وطاقته, ولا تحمل الصغير ما يحمله الكبير, ولا تخاطب المخفق في أمر ما بعبارات السخرية, والمبدع بعبارات الثناء, بل المخفق ترفع من مستواه وتشجعه, والمبدع بالثناء وما يستحقه.
واعلم أنك أيها الأب مكلف بتعليم ولدك والمحافظة عليه, ومتى أهملت تعليم ما ينفعه, فقد أسأت إليه وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم, وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه, فأضاعوهم صغاراً, فلم ينتفعوا بأنفسهم, ولم ينفعوا آبائهم.
وبالله التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.