بسم الله الرحمن الرحيم
أذكر مقولة أستاذي الحكيمة أيام المدرسة عندما قال: إنّ كثرة المزاح تجعلك سخيفاً، وإنّ كثرة الجد تجعلك مملاً.
يقول علماء النفس عن أولئك الساخرين والعابثين والهازلين الذين يفتّشون عن عيوب الناس وينتهزون كلّ مناسبة للتهكّم بغيرهم، أنّ هذي الصفة البغيضة التي يملكونها إنّما هي تدلّ على صبيانية العاطفة وخفّة العقل، وأنّها تشير إلى أنّ صاحبها يعشق الاستحسان من الغير فتحمله على النيل من غيره وإظهاره بمظهر مضحك ليصفّق له الناس من حوله. لكن لا يغرنّك ما يبدو على الهازئ من ثبات ومنعة، ذلك أنّ هزءه ينكفئ عليه ويرتدّ فجأةً إلى حالٍ من الصَّغار والتخاذل حين يجد من يردّ عليه أو يحسن أنْ يكيل له بالصاع التي يكيل بها.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كثرة المزاح لا تخلو من اثنتين حقدٌ عليك أو استخفافٌ بك.
فليعلمِ الهازئون كثيرو المزاح أنّ بأفعالهم هذي يورثون القلوب الأحقاد والضغائن، وقد تستحيل أعمالهم إلى مشجاراتٍ مع الذين يهزأون منهم.
ثمّة أناس يمزحون مزاحاً ليس بخفيف مع آخرين لا يعرفوهم جيداً وهذا محلّ خطأ كبير، ذلك أنّه يوجد من هم لا يتقبّلون المزاح إلاّ من الذين يعرفوهم جيداً وقد يسبّب هذا حقداً على المازح، ويوجد آخرون منفتحون يتقبّلون المزاح حتى مع الغرباء.
إنّ المزاح والهزء أحياناً قد يسبّب معْضلاتٍ خطيرة لا تحمد عقباه أبداً. وإنّ هذه الصور تكْثُر في المدارس بين التلاميذ فلمّا تكون هناك مجموعة من الأولاد يديمون الاستهزاء والنيل من فتىً آخر مسكين، تحصل له عُقْدة نقص وخجل فيخاف أن يلتقي مع أناس مجتمعين وحتى لمّا يكبر قد ترافقه هذه العقدة. عادة ما تأتي هذه العقدة السيئة إلاّ في فترة المراهقة الحسّاسة. إذن فليربي الأباء أولادهم على عدم الاستهزاء من الآخرين وأنْ تكون المدرسة متيقظة لمثل هذه الحالات فما ذنب المساكين الذين ترافقهم هذه العقدة إلى أجلٍ بعيد مع العلم أنّ هذه الصورة شائعة جداً.
منقول