الرجم : مجموعة من الحجارة يّصف بعضها فوق بعض في مكان عالي ومشرف يسمى " المرقاب "
أتخذ قديماً للدلالة على طريق او على مورد ماء ... وكذلك الصعود عليه والاشراف على من حوله
كالراعي الذي ينظر منه الى ابله او غنمه وهي متفرقة في المرعى , وكالصائد الذي ينظر منه الى
الصيد والى اين يذهب اذا فر منه ...
وشي مهم آخر للرجم وهو ان العشاق والمولهين والشعراء يصعدون عليه وينشدون الاشعار او على
الاقل يفرجون عما يجدونه من كرب وغم ولذلك ورد ذكر الرجم وجمعه الرجوم كثيراً في الاشعار
الغزلية وفي اشعار الشوق والرثاء ..
يقول المثل الشعبي " رجم على غير ماء " ... يضرب هذا المثل اذا كان الشخص
ذا ملبس جيد ومظهر خادع مع مخبر سيئ ..
عندما تقف اقدام الشاعر على تلك الارض المرتفعة المسماة بالمرقاب تهيض قريحته
بالشعر والونين ويعلو صوته بالغناء الشعري معبراً عما بداخله ..
هذا هو حال الشعراء وهذه هي قصة حكايتهم مع الرجم او المرقاب ..
يلجؤون اليه في محنتهم او في مصائبهم ..
فكم شاعرَ ذرفت دموعه على من قضى نحبه في هذه الحياة ..
فكم شاعرَ وقف متحيراً ومتحسراً على فراق محبوبته ..
فكم شاعرَ وقف مشتاق الى اهله وذويه ..
فتلك حال الدنيا لقاء وفراق وهناء وشقاء ..
فكم شاعرَ ذرفت دموعه على من قضى نحبه في هذه الحياة ..
فكم شاعرَ وقف متحيراً ومتحسراً على فراق محبوبته ..
فكم شاعرَ وقف مشتاق الى اهله وذويه ..
فتلك حال الدنيا لقاء وفراق وهناء وشقاء ..
الشاعر الكبير عبدالله بن سبيل حينما صعد على المرقاب هاض قريحته بهذه الابيات :
عديت مرقاب براسـه رجومـي ... مرقاب طلاب الهوى يـوم عـداه
مرقاب من مثلي بقلبه هشومـي ... وعينه على بعض الازاويل مغراه
لولا الحيا لارقى طويل الرجومـي ... واصيح صوت كل من حولي اوحاه
لا جتني الفزعة تريـد العلومـي ... قلت اه ذا حـب الحبيـب وبلـواه
عليه قلبي بين الاضـلاع يومـي ... اوماي صقـار لطيـره ولاجـاه
الطير عانق له طيـور تحومـي ... ثم ارتفع يـم الخضيـرا وخـلاه
الازاويل : الاشخاص التى تتراءى من بعيد
الخضيرا : السماء
الشاعر والفارس فراج بن ريفه القحطاني .. عندما جلا عن قومه ..
وقف على المرقاب وقال قصيدة المشهورة :
قال بن ريفه بدا في مرقب عالـي ... حل المراقيب تومي بـه هبايبهـا
ما يدهله كود صاف الريش والوالي ... وإلا الولع يوم يفنك في عجايبهـا
هيضني الرجم وأنا من أول سالـي ... لهم على القلب ديران شطيت بهـا
يا مرقب جاك من الأمطار همالـي ... نصوب صيف من المنشى يهل بها
حالً غريبة تتجسد الشعراء في هذه الاماكن .. ويتسائل البعض عن سر هذا المكان .. !!
ومن احد الشعراء الذين عركوا الحياة وعركتهم هو الشاعر ( الشريف بركات الحسيني )
نقل هذه الابيات المتضمة بعض العبر والنصائح الى ابنه , التي قالها حينما اعتلى الرجم ..
يا مرقب بالصبح نطيـت راقيـك ... ما واحد قبلـي خبرتـه تعـلاك
وليت ياذا الدهر ما كثر بلاويـك ... الله يزودنا السلامة مـن اتـلاك
ياللي على العربان عمت شكاويك ... وليت يا دهر الشقـا ول مقـواك
واليوم هالكانون غادن شبابيـك ... تلعب به الارياح من كـل شبـاك
يامالك اسمع جابتي يوم اوصيـك ... واعرف ترى يابوك بامرك وانهاك
وصية مـن والـد طامـع فيـك ... تسبق على الساقه السانه العلياك
تلاحم شعري واحاسيس فياضة من الشعراء المعتادون على صعود المراقيب
تظهر في اشاعرهم اجمل الملامح الشعرية .. واجمل العبارات ... وصدق المعاناة
الشاعر جديع بن سودان فارق زوجته وهو في رحلته بعيداً عنها .. فعندما رجع
الى اهلة ذهب لكي يزور قبر زوجته .. فعندما اعتلى ذاك الرجم هاضت قريحته بهذه الابيات :
يارجم عديتـك وعدابـي البيـن ... والقلب في راسك تبيـح كنينـه
الله لايسقـي مفاليـك عاميـن ... ذكرتني راع الطبـوع الحسينـه
مرحوم ياللي جهزوا يوم الاثنين ... عقب العصرفوق النعش شايلينه
رصوا على منبوز الارداف سافين ... رصواعليـه اللبـن وموحدينـه
ياليت كفي حدر خده عن الطيـن ... والكف الاخر فوق صافي جبينـه
كأن الشعراء اتفقوا على أن هذا المكان مخصص للشعر .. فما حدث للشاعر
جديع بن سودان , حصل كذلك للشاعر حمود بن حسن العضيدان ..
الذي رثى زوجته وهو في عال الرجم حين قال :
تعليت بالمرقاب وابديت مـا خفـى ... وتفكرت بالدنيا وماضـي سنينهـا
تهيض المثايل في ضميري وتجتول ... كما طيور بيرً فوقهـا حاجرينهـا
فكرت باصحابـي منـول تغيـروا ... لو شيبت سود اللحـى صابغينهـا
وانا اصبر الى بين بجفواه صاحبي ... وان صبرت نفسي سلت عن خدينها
ولا خير في دنيا تجمـع وفرقـت ... هل العرف خلوها قبـل عايفينهـا
ما أجمل بأن يلتقي نوح الحمام مع الغناء الشعري فوق تلك المراقيب , بلاشك سينثر الشاعر
أروع المشاعر النبيلة الصادقة لماذا .... ؟ لان صوت الحمام عنصر فاعل مع الشعر ..
فقد قال الشاعر حمد الرمضان هذه السامرية الشهيرة :
عديت في مرقب غنـى بركنـه حمـام ... واثر الحمامة تهيض القلـب بلحونهـا
سلام ياللي تبون اللعـب منـي سـلام ... واثني التحية علـى اللـي يستحقونهـا
من لامني في الهوى ومرودعات الوشام ... جعل النصايب علـى قبـره يرزونهـا
ابو نهيد صغيـر مثـل بيـض الحمـام ... مثـل الفناجيـل بالـديـر يعدونـهـا
يا رحف قلبي عليها رجاف طي المقـام ... او رجاف خيل علـى الحاكـم يعنونهـا
يا بري حالي عليها بري عـود الثمـام ... وقع عليها الجـراد وطـار بغصونهـا
ويقول سويلم العلي السهلي :
يوم عديت في راس الطويل العسير ... دوني الطير خفاق الجناحين حـام
بادين فيه اطالع وين قاد النشيـر ... احدٍ قاد قبلـه واحـدٍ قـاد شـام
آه واقد قلبي حين قضى الحجيـر ... كن قلبي ايقدا بعد بـاري العظـام
.
.
.
الى ان قال :
خده اشقح وصفه تقل بـه ذريـر ... نور خده يقاجي نور بـدر الظـلام
والشفايا حمر تشدى سلوك الحرير ... والثنايا تلالا بيـض حـدر اللثـام
اشغل القلب ياالاسلام طير يطيـر ... باللحن يالله انك لا تعيـد الحمـام
الشاعر الكبير بندر بن سرور لم يستطع بأن يكتم مابه, عندما
تعلا على ذاك المرقاب فقد قال :
ياونةٍ ونيتهـا فـي حجـي الـروح ... ونـة جـزع ماهيـب ونـة مـودة
يا جهاد ضاق بي الوطن وين أبا أروح ... ولا عاد لي يـا جهـاد فالبقـع لـده
لـولا طويـل الرجـم يابـدر لأروح ... مير أبدي المرقـاب والشـوف أمـده
يبدي طويل الرجم من كان مجـروح ... لـولاه يبـدي الرجـم ينبـاح سـده
يويق في المرقاب لومـاش مصلـوح ... ورجله لمبـدأ فـي الجبـل مستعـده
وحتى الشاعر سرور الاطرش عندما اصاب الارض دهر ولم يعد بها
ماء ولا كلا , فقد أجدبت الارض وماتت مواشيه فقال هذه الابيات :
يا طول ما عديت في رأس مرقاب ... وهو كان قبلي بالخلـي ايهـاب
لا بان نور الصبح عديت رأسـه ... وطيرت من عالي حجـاه عقـا
واخايل في بعض الدعوب رواتع .... يشادن من دق الحـلال ذهـاب
لكن وصف الملح لا انزاع بينهن ... رعد تقصف من عيـاز سحـاب
واقفن جفيـل فاقـدات خيارهـن ... في مضربه وقع عليـه غـراب
الشاعر الامير : محمد الاحمد السديري .. وقصته مع المراقيب نورد لكم بعض
مما جاء في شعره عن ذلك :
يا معدي المرقاب خله لمشتاق ... حّول وخل معذب القلب يرقـى
يا ليت ربي ما خلق حب وفراق ... ولا خلق حب على غير فرقـى
وله ايضا :
يقول من عدى على راس عالـي ... رجم ٍ طويل ٍ يذهله كـل قرنـاس
في راس مرجوم ٍ عسير المنالـي ... تعلب به الأرياح مع كـل نسنـاس
قعدت في راسـه وحيـد ٍ لحالـي ... كني براس الرجم مرقِب وحـراس
في صحصح ٍ قفر ٍ من الناس خالي ... يشتاق له من حس فالقلب هوجاس
متذكر ٍ في مرقبـي وش جرالـي ... وصفقت بالكفين ياس ٍ على يـاس
يقطعك دنيـا مالهـا أول وتالـي ... لو إضحكت للغبن تقرع بالأجراس
وقال هذه القصيدة التي ارسلها الى اخيه الامير مساعد الاحمد السديري
الذي كان في الغاط آن ذاك :
امسى الضحى عديت في عالي التل ... رجمٍ على الجاهل عسير الدروبـي
وبقيت في راس الطويلـة أتمثّـل ... يلعب بي الهاجوس شرق وجنوبي
قلبي كما وادي نبت وسم وامحـل ... عشبة هميد ولوعت به الهبوبـي
وله ايضا :
عديت من جور العنا راس مزموم ... في راس مرقابن طويل المطـاوي
رجمٍ طويلن نايفـن كـل مرجـوم ... دربه عسيرن به عكاش ومـلاوي
وهيضت من وسط الحشا كل مكتوم ... زفرات مايقوى لهـن كـل قـاوي
وأليكم هذا الطاروق السامري الجميل :
عديت في مرقب ٍ و الليل ممسينـي ... بديار غرب ٍ لعل السيل مـا جاهـا
اضحك مع اللي ضحك و الهم طاويني ... طية شنون الطرب لا قطـرو ماهـا
وراك ما تزعجيـن الدمـع ياعينـي ... على هنوف ٍ جديد اللبـس يزهاهـا
هبت هبوب الشمال و بردها شينـي ... ما تدفي النـار لـو حنـا شعلناهـا
ما يدفي الا حشا مريوشـة العينـي ... والى ظمينا شربنـا مـن ثناياهـا
ابو عيـون الـى سلهـم تناجينـيي ... اقرد عين المشقـا كيـف يهواهـا
ياشبه و ضحى فتـاة ٍ دلهـا زينـي ... داجت على عقلة ٍ و الورد ما جاهـا
ياعل من شار بالفرقى عمى العينـي ... والا بشلفا علـى الفخذيـن مبراهـا
جعله حسير ٍ كسير و راكبـه دينـي ... و اتلى حلاله ذلـول ٍ راح يطلاهـا
وأخيرا .. ما أجمل تلك المعازيف الشعرية النابعة من ذاك المكان الخالي والمشرف على سطح
الأرض ففيه حديث طويل بينه وبين الشعراء , تصاغ فيه أجمل وأروع الاشعار .