الأسباب التي يتوصل من خلالها الجن والشياطين إلى مؤاذاة المسلمين كثيرة، وحسبنا أن نذكر بعضا منها:
السبب الأول: رؤية الجن لنا ولا نراهم غالبا
قال تعالى في إبليس وذريته: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} الأعراف، الذي عليه المفسرون أن الضمير في قوله {إنه} عائد على إبليس وأن {قبيله} ذريته ونسله وقد سئل شيخ الإسلام بما نصه عن قوله تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}: هل ذلك عام لا يراهم أحد أم يراهم بعض الناس دون بعض؟ فأجاب رحمه الله بقوله: (الذي في القرآن أنهم يرون الإنس من حيث لا يراهم الإنس وهذا حق يقتضي أنهم يرون الإنس في حال لا يراهم الإنس فيها وليس فيه أنهم لا يراهم من الإنس بحال بل قد يراهم الصالحون وغير الصالحين أيضا لكن لا يرونهم في كل حال) "مجموع الفتاوى" 15/7
فبسبب رؤيتهم لنا وعدم رؤيتنا لهم تجرؤوا على مؤاذاتنا، وسهلت عليهم. والمعصوم من شرهم من عصم الله.
السبب الثاني: كثرة الشبهات والشهوات
إذا كثرت الشبهات والشهوات على المسلمين كثرت استجابتهم لوساوس الشياطين وقبول ما يغرونهم به قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكثرة الوساوس بحسب كثرة الشبهات والشهوات وتعليق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها ...). فواجب على كل مسلم ومسلمة التزود من الفقه في الدين حتى تستنير عقولهم وتزكو نفوسهم وتنشرح صدورهم للحق وتطمئن قلوبهم به وإلا فلا إخالك ناجيا من كثرة الشبهات والشهوات التي هي مرتع خصيب للشياطين.
السبب الثالث: غفلة القلب عن ذكر الله
قال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 4/34: (بل الشيطان يلتقم قلبه - أي قلب ابن آدم - فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغي فيزينها له، والشيطان وسواس خناس إذا ذكر العبد ربه خنس فإذا غفل عن ذكره وسوس فلهذا كان ترك ذكر الله سببا ومبدأ لنـزول الاعتقاد الباطل والإرادة الفاسدة ومن ذكر الله تعالى: تلاوة كتابه وفهمه).
وقال أيضا كما في المصدر نفسه 10/399-400: (فإن الشيطان إنما يمنعهم من الدخول إلى قلب ابن آدم ما فيه من ذكر الله الذي أرسل به رسله فإذا خلا من ذلك تولاه الشيطان).
السبب الرابع: مؤاذاة المسلمين للجن والاعتداء عليهم بتعمد أو بدون تعمد
مما يسبب فتك الجن بالمسلمين حصول الاعتداء عليهم من قبل المسلمين قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 23/22 وهو يتحدث عن أسباب صرع الجن للإنس: (وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم أو صب عليهم ماء حارا أو يكون قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى هذا أشد الصرع، وكثيرا ما يقتلون المصروع فمن تعامل مع الجن والشياطين بالعدل نصره الله عليهم وصرفهم عنه). وما أكثر ما يكون الجن ظالمين في هذه الحال للمسلمين ابتداء لأنهم يتشكلون على هيئة مرئية للإنس كالحيات والثعابين والكلاب والهرر وغير ذلك فيخاف المسلم منها ويظنها المخلوقات المعروفة فيبادر إلى ضربها أو قتلها على حسب هذا الإدراك لا أنه يريد مؤاذاة الجن، والشريعة الإسلامية قد رخصت في قتل ما يؤذي من هذه المذكورات وما كان في حكمها بدون إنذار لها إلا حيات البيوت فإنها تنذر ثلاثا. وأيضا يكون بعض الجن ساكنين في القمائم وخلف البيوت، ولا يراهم الإنس فيرمون شيئا فتصيب الجن فيقوم الجني بالانتقام.
وعلى كل: لا يجوز للمسلم أن يتعمد الاعتداء على الجن، ويستنصر الله عليهم إذا اعتدوا عليه.
السبب الخامس: يكون عن طريق حب الإنس وعشقهم من قبل ذكور الجن وإناثهم
قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 23/82: (وصرعهم للإنس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للإنس مع الإنس والجني قد يحب الإنسي كما يحب الإنسي الإنسي وكما يحب الرجل المرأة والمرأة الرجل ويغار عليه ويخدمه بأشياء، وإذا صار مع غيره فقد يعاقبه بالقتل وغيره، كل هذا واقع، وكذلك الجنيات منهن من تريد من الإنسي الذي يخدمنه ما يريد نساء الإنس من الرجال، وهذا كثير في رجال الجن ونسائهم، فكثير من رجالهم ينال من نساء الإنس ما يناله الإنس وقد يفعل ذلك بالذكران).
فعلى المسلم والمسلمة أن يحرص كل منهما على الأذكار الشرعية خصوصا المتعلقة بدخول الخلاء وعند الجماع لأن التعري بدون ذكر الله من أسباب عشق الجن للإنس.
السبب السادس: يكون من باب العبث بالإنس
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 23/82 وهو يتحدث عن عبث الجن بالإنس: (وتارة يكون بطريق العبث به كما يعبث سفهاء الإنس بأبناء السبيل) ويكفي الله عباده شر هؤلاء السفهاء بلجوئهم إليه ودعائهم له وعبادتهم إياه.
السبب السابع: بعض الجن يؤذون بعض المسلمين تأديبا لهم على ارتكاب المعاصي والبدع
يحصل أن بعض الجن المتلبس بالإنسي المسلم يخبر أن سبب دخوله في المسلم أن هذا المسلم عاص أو مبتدع، ومعنى هذا أن الجن هؤلاء أخذتهم الغيرة على الإسلام فقاموا بمؤاذاة عصاة المسلمين، وهذا لا يجوز من جهتين: من جهة أن دخول الجن في المسلمين حرام، ومن جهة أنهم يتعاملون مع العصاة بغير المعاملة المعتبرة شرعا، فلا يجوز لهم ضرب العصاة ولا مؤاذاتهم بأي نوع، بل ليس للجن أن ينصحوا المسلمين لأن نصحهم لهم قد يؤدي إلى ترويعهم.
وبالجملة: كثيرا ما تحصل هذه المعاملة للمسلمين من قبل جهال الجن ولو كانوا مسلمين.
السبب الثامن: يؤذي الجن المسلمين من باب الابتلاء والامتحان
لله حكمة فيما يقدره ويقضيه على العبد الصالح من تسليط الجني عليه كتسليط الشيطان على نبي الله أيوب عليه السلام.
للشيخ محمد عبدالله الإمام .