حاجة البشر إلى الشريعة ....يمثل النظام في الكون والحياة ضرورة لا يمكن أن تستقيم الحياة
بدونها، وقد تكرر الكلام عن آفاق الكون ومشاهد الطبيعة في القرآن الكريم تكراراً يلفت النظر، وأكثر سور
القرآن تستعرض الكون بآفاقه الواسعة وأنواعه الكثيرة، وأقسامه المتعددة، وحركته الدائبة وحوادثه
المتكررة، وأنَّه محكوم بنظام بالغ الدقة، ويجري وفق سنن مطردة، وحوادثه السابقة واللاحقة تأتي وفقاً
لإرادة الله الأزلِّية، ولا يشذ عنها حادثة من الحوادث لا في الزمان ولا في المكان.. كما إنَّ التطور الذي
يتم في الكون منضبط بنظام متقن متكامل.. متناسق مع نظام الحياة في غاية الإبداع.. فكل شيء في
الحياة والكون مقدر وموزون ومحسوب، قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (القمر:49)
والسمة البارزة في عرض القرآن لموجودات الكون، أو ملكوت السموات والأرض، هي أن تعرض عرضا
متنوعاً يدعو الإنسان بإلحاح وتحفيز للنظر والتأمل والتفكير في مجرى حوادثها، والدعوة إلى توحيد الله
وإفراده بالعبادة، قال تعالى: (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر
واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) (فصلت:37)
ويدخل الإنسان ضمن مخلوقا ت الله بدءاً ونهاية فدراً وجماعة وأُمّة بل وأمماً في منظومة الوجود
ونواميسه وعلله وأسبابه ومسبباته، فالكل خاضع لله، ويتحرك في نظام سنة الله (كل له قانتون)
(البقرة: من الآية116)
كذلك الإنسان وهو ذلك المخلوق المكرم الذي استخلفه الله – جل وعلا – في الأرض وسخر له الكثير
من ملكوت السموات والأرض ليحقق الرسالة التي أنيطت به، وليسير نحو الغاية التي خلق من أجلها:
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذريات:56) فإنَّ هذه الرسالة وذلك التكليف لا يتأتى والغاية لا
تتحقق في ضوء نظام يحدد مساره، وينظم علائقه، ويضبط أوضاعه، ويحل مسائله وقضاياه، وإلا سادت
الفوضى وعمت الجهالة.ومن هنا كانت الشريعة التي أنزلها الله لتحقيق ذلك ومن هنا كان لابد من
الاحتكام إلى شرع الله