[align=center]شردت بفكرها ذات مرةٍ ،
( وأنا كعادتي أبحث عن أشياء تؤلمني )
قلت : إلى أين ذهب بالمليحة جمال عقلها !
قالت : إلى قلب رجل أدين له بالشيء الكثير .
قلت : تعترفين بفضل رجل عليك !
يا له من شخصٍ محظوظ .
ردت باستياء : وما تظنني يا هذا ؟
- أعلم أن سؤالي اتجه إلى تلك الزاوية في قلبها
والمحاطة بسياج الكتمان –
ابتسمت وقلت : لا عليكِ إنني لا أظنكِ
إلا ذات خُلقٍ كريم .
قالت – وهي ممتعضة الوجه - :
نعم إن له عليَّ ما ليس لغيره .
لقد علمني أن أرى الأشياء على حقيقتها .
عندما عرفته كنت ذات نظرة قاصرة
أنساق خلف عاطفتي في كل شيء .
أتعلم كنت حينها كالمقاتل
الذي لا يعرف كيف يحمل السيف ليحمي نفسه ،
فضلاً أن يدرك به النصر
وسط معركة احتمى وطيسوها ،
فهو لا يفيق من ألم جرحٍ
حتى يتلقى غيره .
إلى أن جاءه من انتشله
من بين أسلحة العدو .
فما تراه فاعلٌ ذاك المقاتل لشخصٍ أنقذ حياته ؟
قلت : كلُ كريمٍ ذي خلقٍ يأسرهُ المعروف .
اجتذبت أنفاسها من صدرها بصعوبة
– وكأني بها تتمنى أن ينفرج لعل قلبها يطير إليه –
وهي تقول كنت أضع ثقتي بأناسٍ لا يستحقونها
اعتقاداً مني بأن الناس كلَّهم طيبون ويستحقون ما أمنحهم .
تلقيت طعناتٍ كثيرةٍ .
منها ما أحس بألآمها حتى الآن
ومنها ما أصبح طي النسيان ،
ولكنني دفعت ثمن ذلك كله .
استطردت بحديثها عنه -
وقلبي يعتصر ألماً لما لم أكن أنا ذلك الرجل –
لقد جاء هو !
لأفيق من ذلك وعلمني
على من أتعرف
وبمن أثق .
نظرت إليَّ ، وكأني بها أخصائية أشعةٍ
توجه جهاز الكشف
على جسمٍ أظنته الآلم
حتى أقضت مضجعه لعلها تجدُ علته .
أطرقتْ قليلاً ثم قالتْ :
دع عنك ما أنت فيه
وعش يومك مجرداً من الأمس والغد .
قلت : وما أظنُّ النَّفسَ البشرية
إلا مركباً شديدُ التعقيدِ من ذكرياتٍ وآمال ،
وإمكانية تجريدها منهما ضرباً من ضروب الخيال .
فتراكمات الماضي إما أن تعزز جانباً في النفس أو تولد ضداً له ،
لينعكس على ما تأمله في مستقبلها .
وقد قال عمر رضي الله عنه
( لم يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية )
ردت جازمةً : تعني أنه لا يعرف طعم السعادة حقاً
إلا من عرف حقيقة البؤس والشقاء .
قلت : جَوْفُهَا أَصَبْتِي .
تمايلت وقالت : الله كم يطربني حديثك أيها الشَّقِيُ .!!!
قلتُ وليس للشقاء إلى قلبي طريقٌ لولاكِ ...[/align]