لما كان من سنة الله تعالى أن لكل نبأ مستقرا ، ولكل أجل كتاب .. كان من جملة ذلكـ هذه الدنيا التي نعيش فيها
فهي صائرة إلى فناء وزوال .. "كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ " [ القصص : 88 ]
" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ " [ الرحمن : 26 ، 27 ]
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى : ( يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون ، وكذلكـ أهل السموات إلا من شاء ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم . فإن الرب تعالى وتقدس لا يموت بل هو الحي الذي لا يموت أبداً )
ولما كانت هذه الدنيا دار فناء إلى دار بقاء ، كان من حكمة الله تعالى أنه استأثر بيوم فناء الدنيا وزوالها
وأخفى ذلكـ عن جميع خلقه بل وعن أعلم خلقه به وأكرمهم عليه .
قال تعالى : " يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا " [ الأحزاب : 63 ]
وقال تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " [ الأعراف : 187 ]
وقال تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا " [ النازعات : 42 ، 44 ]
قال قتادة : أشياء استأثر الله بهن فلم يطلع عليهن ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً .
" إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ " [ لقمان : 34 ]
ثم قال : فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة
في أي سنة ؟ أو في أي شهر ؟ .. أو ليل ؟ .. أو نهار ؟
لما كان الأمر كذلكـ جاء في السنة المطهرة أشراط كثيرة للساعة
وقد استقرأ العلماء تلكـ الأشراط
واصطلحوا على تقسيمها إلى أشراط صغرى ، وأشراط كبرى .
ومع خفاء علم الساعة عن الخلق إلا أن ما بقي من الدنيا أقل مما مضى منها
كما دل الشرع على ذلكـ : "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ " [ القمر : 1 ]
" اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ " [ الأنبياء : 1 ]
" أَزِفَتِ الآزِفَةُ " [ النجم : 57 ]
" أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ " [ النحل : 1 ]
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والتي تليها ) متفق عليه .
ولعظيم شأن أمر الساعة وجليل خطرها
كان لها علامات وأشراط تسبق وقوعها
وتنذر بوشيكـ حلولها
"فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ " [محمد : 18 ]
ولقد أخبرنا بتلكـ العلامات نبينا صلى الله عليه وسلم عن ربنا عز وجل
وهذا من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته
" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " [ التوبة : 128 ]
فعن حذيفة رضي الله عنه قال : ( لقد خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبةً ما تركـ فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره . علمه من علمه ، وجهله من جهله . إن كنت لأرى الشيء قد نسيته أعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه ) أخرجه البخاري .