اليكم هذه المقالة التي نشرتها جريدة ايلاف للدكتور عبدالمحسن بن سعد العتيبي .. وهذا الرجل لم اتشرف بمعرفته بعد ولكن مقالاته تعجبني كثيرا واليكم ماكتب هذا الرجل المثقف.
يفتخر البعض ويحزن الآخر، يمدح الآخر ويسب البعض عند إرتكاب الاعمال من كبيرها الى مستصغر شررها في دوامة من العبث الفكري.. هذا يقتل وذاك يذبح وهؤلاء يعذبون واؤلئك يشردون والحبل على الغارب.. هذا يفسر والآخر يفند التفسير مدعيا "المعرفة ببواطن الأمور فيشطح بتفكيره الى ادغال الغابات مستخدما" مصطلحات موغلة في القدم ليروي نهمه لعله يجد ضالته في دهاليزها.
بالامس واقصد به الأمس البعيد قتل إبن آدم قابيل اخاه هابيل على أصح الاقوال مسجلا "بداية العنف بين بني البشر ـ وإن كان العنف موجودا" قبل ذلك في القصص المذكورة في الكتب المقدسة مثل قصة خلق آدم ـ لم تكن الديانات نزلت بعد ولكن القصة مشهورة يعرفها كل البشر الذين قرأؤها واليوم وغدا "البعيد ايضا" يقتل الارهابيون ابناء آدم سواء بالطائرات او بالسيارات او بالسلاح الابيض في بعض الاحايين او بغيرها. وتنبري الاقلام تفسيرا" لما حدث ويتهم من يتهم ويتوعد باستئصال هذا المرض الخبيث الذي لعب في الجسم البشـري وجعله شذر مذر، ترسل الطائرات والبوارج الحربية وتحوم في الاجواء وتقصف ما شاء لها ان تقصف ثم تعود ليزداد المرض ويكشّر عن انيابه من خلال القنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية ليعلن التحدي من جديد وكانك يا با زيد ما غزيت.
اذا" والحال كذلك نستطيع ان نقول ـ دونما ـ خطأ ان العنف متجذر في الحياة البشرية منذ وجودها الى عدمها وان التفسيرات المتعددة والمتناقضة ما هي الا محاولات يائسةّ استندت ـ فيما تستند اليه ـ الى الاوعية الفكرية التي تنطلق منها فمثلا" الدين اخذ نصيب الاسد في تفسير العنف وردته الى درجة وصلت الى إتهام الدين بانه افيون الشعوب على حد زعم الاوعية الفكرية الماركسية وقد زّج بالدين عموما" في هذا المنحى فنشأ صراع الديانات وسمّي صراع الحضارات. ولو وقفنا قليلا" لوجدنا ان صراع الديانات ما هو الى صراع بشري فجميع الانبياء والرسل ملتهم واحدة كما تؤكد على ذلك الكتب المقدسة ولكن جاء مطبلي التفسيرات والأراء واصحاب المنافــع واكدوا غير ذلك فخرجت الى حيز الوجود طبقات جديــدة نسوا ـ اوتناسوا ـ القصة المشهورة لابني آدم وادعوا التثقف والثقافة والاصلاح والاستصلاح للامة الانسانية برمتها لينشروا لنا الديمقراطية أو أي مصطلح آخر اذا كان لدى البعض حساسية من كلمة الديمقراطية واحسبها كذلك مثل مصطلح الارهابية والذي يسهر الخلق ويختصون في إيجاد تعريف له ولكن هيهآت هيهآت. هذه الديمقراطية المزعومة والموجودة كمصطلح فضفاض التي يتغنى بها عتاوة الفكر ليس لها وجود على ارض الواقع فلا ديمقراطية مع الحياة والاكثرية زبـد.
قـد يظن البعض بان في ذلك تشاؤم من جراء ما يحدث في هذا العالم المتناقض وان كان في هذا الظن بعض الصحة الا ان الحقيقة المرة ان لا وجود لديمقراطية مطلقة بل ان الديمقراطية المطلقة غير مرغوبة لما فيها من فوضى كما ان الديمقراطية المقيدة هي الاخرى غير مرغوبة لصعوبة تطبيقها فتجدها تطبق في بلد ـ وعلى اناس معينين ـ ولكنها لا تطبق في البلد الآخر وتمايز بين الناس حتى في المنظمات الدولية ومجالسها الامنية تجـد الفيتو لك بالمرصاد. كان من ضمن السياسات العامة للدول وكمثال آخر هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى ولك فقط ان تسير بفكرك على الخريطة العالمية وتتبع هذه الحقيقة هل هي مطبقة على ارض الواقع ؟ قد يصح القول ان هذه وتلك الديمقراطية لا وجود لهما.
اذا" العالم تغيّر وقد حدد البعض تغيّر العالم باحداث سبتمبر المشؤومة وهذا التحديد فيه بعض الصحة ايضا" ولكن جذور التغير هي الاخرى متأصلة. لاشك ان احداث سبتمبر كانت سيئة بكل المقاييس ولكن الصراع ـ وفوضى الصراع ـ متوغل في التاريخ والامثلة تترى ولعل الخط الساخن في فوضى الصراع هو بين العنصر البشري ـ في ذكوريته او انثويته ـ وبالمثل انظر الى نسبة الطلاق في العالم ونسبة إضطهاد المرأة في العالم قد تصل الى منعها من ركوب الحمير ـ فضلا" عن ركوب السيارات ـ او امتلاكها. وجرب ان تختلف مع الآخر ولو بمزحة أحسبها جّدية قليلا" وأنظر النتيجة يقول مجرب :
لا تمدّحــن إمــرءا حتى تجربــه ولا تذّمنه من غير تجريب
سلسلة العنف لن تنتهي بمقتل فلان اوعّلان ولك عزيز القاريء أن تعد عدد مرات قتل البشرية يوميا" كما ذكرت سابقا" في مقالة مؤتمر الرياض.. والتصدي للارهاب. فالانسان أهبط الى الارض ليشقى وليس ليسعد ضمن منظومة الوجود والفناء لهذه الحياة الزائلة بزوال مسبباتها وقديما" قيل اذا عرف السبب بطل العجب.
انه ليشرفني ان انقل مقالة هذا الدكتور اليكم وبهذا اسجل اعجابي له ولامثالة من مفكري هذه القبيلة المجيدة. احترامي له ولكم جميعا.