خوذي يدك .
ما عاد أبي يا مرايم * .
سيأتي ذلك اليوم , الذي به أعلن للعالم انسحابي . اليوم الذي سأنطفئ فيه دون أن
أقلق لأجل هذا العالم ولا عليه . سيأتي ذلك اليوم الذي سأتمدد في فراشي بالعرض ..
أو بشكل مائل .. شعري منثور , والسماء أكاد أصلها عبر النافذة فوق سريري .
سيأتي ذلك اليوم قريباً , عندما أعلن انقطاعي عن العالم الأحمق , العالم التافه ,
العالم الذي لا يفهم .. العالم الذي يحتاج كل شيء لأجل أن يعطينا شيئاً واحداً فقط ..
الاستسلام شعوري اللذيذ , الاستسلام الأبدي الذي أنتظر .. عندما أقرر أن لن أحارب
بعد اليوم . عندما أقرر أن أطفو فوق الماء , يجرّني التيّار حيث يشاء ..
اليوم الذي ستتمدد رائحة الخوخ , ماء الورد , العود الغالي في الهواء ..
اليوم الذي سأتنفس به ملئ صدري . اليوم الذي به سأترك للعالم حربه السخيفة ,
سأترك للعالم رجاءاته / أمانيه المعلّقة بخيوط صغيرة إلى النجوم
/ فساتينه / وشرائطي الحريرية التي لم استخدمها بعد .
سيأتي ذلك اليوم الذي فيه لن أهتم , فيه لن أقلق , فيه لن أخاف .. سيأتي ذلك اليوم .
كراميل التسعينية حكت لي حكاية اليوم , قالت لي إن الألم يفتت عظامي ..
قالت لي إن أحلامي كانت كثيرة عندما كنت صغيرة لكن الآن أريد أن أموت لا غير ..
قالت لي إنني كل صباح أدعو الله أن يأخذ روحي بسلام .. كارميل التسعينية شاطرتني أفكارها عن الموت وكذلك فعلت ..
قالت إن الصغار لا يحبون التفكير في الموت كثيراً , وتفاجئت عندما رأتني على العكس
من ذلك . قلت لها : إنني أفكر في الموت كل يوم . إنني أنتظره وأعلم بأنه آتٍ , أنا وأنت
لا نختلف كثيراً , كلانا يتألم بشكل أو بآخر وكلانا ينتظر الموت , وكلانا يعلم أنه آتيه .
حاولت أن تجادلني , أن ترفض فارق السنّ كنقطة في صالحها , لكنني لم أدعها .
" إننا نموت قبل الكبار كثيراً " هكذا قلت .. وعندها ضحكت جداً .
كارميل أخبرتني بأنها دخلت في غيبوبة قبل عام لمدة عشرة أيام ..
كارميل قالت لي بأنها لم تشعر بالألم , وأنا كانت تحلّق فوق الغيوم ,
قالت بأنها ظنّت أنها ماتت .. وكانت سعيدة .
" لقد قطعت نصف الطريق إلى الموت ولم تبقى سوى خطوة : هي النصف المتبقي "
كنت أجلس على السرير أمامها وكنت غير مرتاحة وما أن بدأت تحكي حكايتها حتى
سحبت الكرسيّ وجلست قريبة جداً. ضحكت وعلّقت بأنها تريد أن تنام الآن
وأنا متسمرة أمامها أريد الحكاية .
لا أريد لكارميل أن تموت .. ولكنها قد تفعل , وكذلك أنا .
بسما عبدالله