.
.[ لكل مجتمع بناء يقوى بالعدل وينهار بتغلغل الظلم والفساد تدريجيا مهما بدا في ظاهره قويا وطال عليه الأمد، ...]
أغمض عينيك واسرح في فيافي الألم ، يوم يمتهن السلوك فيصبح الظلم حرفة يحترفها من يغفو على مصلحة وينام في منفعة وتستنشق رئتاه أشذاء التزلف، فيشرب المحسوبية ويسميها بغير اسمها، ولو عرف في الخمر منفعة مادية واضحة قريبة لعاقرها ولعانقها وسماها بغير اسمها، وتفنن في وسمها بكل صفة حميدة، وهو يحوقل ويبتهل ويتدثر سمت الأتقياء ويلقي باللوم على عتاة المجرمين، وكأن الإجرام أبعد ما يكون عن معترك سلوكه، فتكاد عيناه تنزلق من محاجرها، وحنجرته تركض في فجوة المخارج، وهو يترنَّم ، وتشرئب أنيابه كذئب مفترس، وتتشرب عروقه خمر التمييز العنصري بين الشمال والجنوب والوسط، وتفوح من تصرفاته رائحة تقريب الأقارب والأصهار والأختان والأحباب والخلان، مهما دنوا، وزخم إقصاء الأباعد والأغراب والأنداد والأكفاء والأقران مهما علوا، وأصابعه تداعب حبات المسبحة،... وهو يعارك أقرانه ورفاقه على قوت يومهم، عراك الذئاب والوحوش عراكا لا يسلم من جراحاته وآلامه وعذاباته إلا من انسلّ فآثر القناعة، وأزاح عن الهوى قِناعه، وألقى عن فؤاده أسماله وأطماعه، ويؤثر صاحب الهوى المياس قلبه وهواه بالدرهم والدينار والمتاع طمعا في المزيد وكلما قال لقلبه هل امتلأت فاكتفيت، قال: هل من مزيد؟! في مواطنَ لا يعرفها إلا من ذاق مرَّها ، وخبر سلوك صاحبها، ثم يقف في المنبر مزروعا لا يتزحزح يعظ ؛ فتعلو أنفاسه وتهبط، وتتهدّج كِلماته وتسكن، والحرص في قلبه نبتة تنمو يوما بعد يوم ، حرصا ومنفعة وإقبالا على دنيا طالما حذر الناس من زينتها وبهجتها وزخرفها، وما زال..
أغمض عينيك واخمش بحزنك صخرة الصمت فحيثما يوجد أمثال هذا الغويّ فثم الجبروت والنقمة، التي تشل في مسار التقدم العزيمة، وتهدم البناء حجرا حجرا ، هدما لا تتضح معالمه إلا يوم ينهار البناء بمعولٍ قتل قبل الهدم الرحمة، وسمل في صدر الجيل الهمة، ونثر الضياع في قلب الأمة، وبذر الظلم والمحسوبية وزرع الشر بين الورود كي لا يُكتشف ثمر الشر إلا طاغيا ناميا ناضجا، ولات حين تراجع عن جراحه وآلامه وموبقاته، في كل مكان وزمان، والصورة تكبر يوما بعد يوم صورة لا يراها إلا جيل يرى آثار العذاب ثمارا ناضجة من الدماء التي تغلي وتمور ، وعناقيد الشر تتدلى تلون خارطة المشاعر بالدم والرعب والضياع. خاطره اعجبتني