يعجز القلم عن الكتابة ويعجز اللسان عن التعبير وأنا أتطرق للكتابة عن هذه الشخصية العظيمة، هذه المرأة التي كانت أول مسلمة تقتل رجلا في سبيل الله فأنقذت أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين من كيد اليهود الغادرين, نعم إنها صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها.
فحين خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم مع المسلمين إلى الخندق جعل النساء والذراري في حصن فارع تاركاً الحصن بدون حماية وكان معهن حسان بن ثابت رضي الله عنه.
وبينما المسلمون مشغولون بالأحزاب رأت صفية رضي الله عنها يهوديا يتحسس من الحصن وجه الفجر ليبلغ اليهود المتربصين هل للحصن حماية أم لا حتى يسبى أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين والذراري , علمت من فورها ان بني قريظة نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فحملت عمودا في يدها وذهبت تراقبه حتى دنت منه فحملت عليه ضربا على رأسه حتى أجهزت عليه وحبست أنفاسه بين جنبيه ثم قطعت رأسه بسكين ورمته من أعلى الحصن وهو يتدحرج حتى أستقر بين أيدي اليهود الذين كانوا يتربصون في اسفله فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا :
قد علمنا ان محمدا لم يكن ليترك النساء والأطفال دون حماة ورجعوا خائبين من حيث اتوا!!!
الله أكبر.. من أي النساء أنتِ يا أماه والله ان أشد الرجال ليعجزون عن هذا الفعل ، ولكن لا عجب وأنت إبنة سيد مكة وزعيمها ورأس الأمر فيها وصاحب الكلمة المطاعة و صاحب سقاية الحاج عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم ورثتِ عنه الشجاعة والحكمة وسداد الرأي والفروسية، و لا عجب و أنت أخت أسد الله ولا عجب وأنت أم حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عجب وأنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عجب وأنت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنك وأرضاك ,لقد سطر التاريخ أسمك بأحرف من ذهب!!!!؟
أنجبت فارسا من فرسان الإسلام هو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب أول سيف سل في الإسلام وأحد العشرة المبشرين الزبير بن العوام رضي الله عنه. توفي العوّام بن خويلد وتركها مع ابنها الرضيع ولم تتزوج بعده, وتفرغت لرعاية ولدها فربّته على الخشونة والرجولة، فجعلت لعبه في بري السهام واصلاح القسيّ "الأقواس" وكانت تقدّمه في كل مخوفة وتقحمه في كل خطر وإن أحجم تنهال عليه ضربا مبرحا. حتى ان اعمامه عاتبوها وقالوا: يا امرأة أنت ما تضربين أبننا ضرب أم إنما تضربينه ضرب مبغضة, وكانت رضي الله عنها فصيحة اللسان وأديبة واعظة فاضلة فردت عليهم وهي ترتجز الشعر قائلة:
من قال قد أبغضته فقد كذب ، وإنما أضربه لكي يلب
و يهزم الجيش و يأتي بالسلب
وكان كذلك رضي الله عنه وأرضاه فقد تعلم من أمه الشجاعة فكان فيما بعد رضي الله عنه يردف معه في الحرب ابنه عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ولم يتجاوز الخامسة من عمره.
إسلامها رضي الله عنها وأرضاها :
في صحيح مسلم عن عائشة؛ قالت : لما نزلت : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال " يا فاطمة بنت محمد ! يا صفية بنت عبدالمطلب ! يا بني عبدالمطلب ! لا أملك لكم من الله شيئا . سلوني من مالي ما شئتم". فلم تنتظر صفية فأسلمت من فورها وأسلم معها ابنها الزبير رضي الله عنهما.
و كانت من المسلمات الأوائل وعاشت مع المسلمين لحظة بلحظة في مكة حتى جاء الأمر بالهجرة, فتركت بلدها وهاجرت في سبيل الله إلى المدينة.
شاركت المسلمين في أحد وعمرها يقترب الستين تحمل الماء على عاتقها تسقي العطاش وتداوي الجراح وتبري السهام ولمّا حمي الوطيس وخالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة ينكشفون عن رسول الله توجهت لتحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تطعن بالرمح من كان في طريقها قائلة: ويحكم أنهزمتم عن رسول الله, فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: المرأة يا زبير خشية أن ترى أخاها أسد الله حمزة مستشهدا وقد مثّل بجسده الطاهر ما لم يقدر على تحمل المشهد أحد.! فقال الزبير يا أماه إن النبي يأمرك أن ترجعي, قالت: لما؟! لقد بلغني أنه مثّل بأخي وإن ذلك في الله لقليل ووالله لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله, فلما سمع النبي صلى الله عليه و سلم كلامها قال: يا زبير خل عنها، فرأت ما نزل بحمزة رضي الله عنه أستغفرت ودعت له.
هذه بعض المواقف من سيرتها العطرة رضي الله عنها وارضاها. وقد توفيت رضي الله عنها في عهد الفاروق رضي الله عنه سنة عشرين للهجرة ولها من العمر ثلاث وسبعون سنة ودفنت في البقيع مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.