من أخبار العرب:
ذكروا أنه كان لطسم وجديس ملك يقال له عمليق ، ظلوم غشوم . وكانت لا
تزف جارية إلى زوجها إلا بدأوه بها فافترعها وردها إلى بعلها . ثم إن
رجلاً من جديس تزوج غفيرة بنت غفار ، عظيم جديس ورئيسها ، فلما
أرادوا أن أن يهدوها إليه بدأوا بها عمليق ، فأدخلوها عليه ومعها القيان
يتغنين ويضربن بالدفوف ويقلن :
إبدي بعِمْليقَ ومَعهُ فاركَبي ........وبادري الصبحَ بأمرٍ مُعجِبِ
فسوفَ تَلْقَيْنَ الذي لم تطلبي ........ولم يكن من دونه من مَذْهَبِ
فجعلت تقول وهي تزف :
ما أحـدٌ أذلّ من جَــــــدِيــــسِ ........ أهـــكــــذا يُفْعَلُ بالـــعَـــرُوسِ
يرضى بهذا يالقومي حُرٌّ ........ من بعدِ ما أهْدَى وسِيقَ المهرُ
لأن يُلاقِي المرءُ موتَ نفسهِ ........ خيرٌ له من فعلِ ذا بعرسِه
فلما دخلت عليه افترعها ثم خلى سبيلها ، فخرجت ووقفت على أخيها
الأسود بن غفار ، وهو قاعد في نادي قومه ، ورفعت ثوبها عن عورتها
وأنشأت تقول :
أيصلُحُ مــا يـُؤتي إلى فـَتـَيـاتـِكـم ........ وأنـتـم رجــالٌ كِـثْـرَةً عـددُ الـرملِ
وترضونَ هذا يالــقـومي لأُختِكُم ........ عشيةَ زُفت في النساء إلى الـبعل
فإن أنتمُ لم تغـضـبوا بـعــد هــذه ........ فكونوا نساءً في المنازل والحجْل
ودونـكُــمُ طـيـبَ الـنـسـاءِ وإنـما ........ خُلِقتُم جـميـعًـا لـلـتـزيـن والـكـحـل
فلو أنـنــا كــنــا رجــالاً وكـنــتُــمُ ........ نـسـاءً لـكـنـا لا نُقـيـمُ عـلـى ذَحْــلِ
فقُبحًا لبـعـلٍ لــيـس فـيــه حـميـةٌ ........ ويختالُ يمشي بيننا مشيةَ الفــحــلِ
فموتوا كِرامًا أو أصيبوا عدوكُم ........ بداهيةٍ تُورِي ضِرامًا مـن الـجــزلِ
وإلا فــخـلوا داركـم وتـَـرَحّــلــوا ........ إلى بلدٍ قــفــرٍ خــلاءٍ مـن الأهــــلِ
ولا تخرجوا للحرب يا قوم إنـهـا ........ تقوم بــأقــوامٍ شـــدادٍ عــلى رِجْــلِ
فيهلكُ فـيهـا كــل وغــدٍ مُــواكــلٍ ........ ويسلـم فيها ذُو الطـعانِ وذو القتلِ
فلما سمعت جديس شعرها أنفت أنفًا شديدًا ، وأخذتهم الحمية فتآمروا بينهم
وعزموا على اغتيال الملك وجنوده ، فقالوا : إن نحن بادرناهم بالحرب لم
نقوَ عليهم لكثرة جندهم وأنصارهم . فاتفقوا على ذلك ، ثم إن الأسود أتى
الملك فقال : إني أحب أن تجعل غداءك عندي أنت وجنودك ، فقال عمليق :
إن عدد القوم كثير ، واحسب أن البيوت لا تسعهم . فقال الأسود : فنخرج
لهم الطعام إلى بطن الوادي . فقال لقومه : إذا اشتغل القوم بالأكل فسلوا
سيوفكم واعملوا على أن تحملوا حملة رجل واحد واقتلوهم عن آخرهم .
وهيأ الأسود ما احتاج إليه من الطعام ، وجاء الملك ، فلما أكب القوم على
الأكل بادرت جديس إلى سيوفهم ، ثم حملت على الملك وعلى جنوده ،
والأسود يرتجز ويقول :
يا صبحةً يا صبحةَ الـعروس........ حـــتى تـمـشـت بـدمٍ جـمـيـسِ
يا طسم ما ليقيتِ من جديسِ ........ هلكت يا طسمَ فهيسي هيسي
فقتلوه وجنوده جميعًا . وهكذا كانت نهاية الظالمين .
تحياتي