بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وبعد :
العرب جيل من الناس وهم أهل الأمصار ، والأعراب سكان البادية ، والنسبة إلى العرب عربي وإلى الأعراب أعرابي ، والذي عليه العرف العام إطلاق لفظة العرب مشتقة من الإعراب ، وهو البيان أخذا من قولهم أعرب الرجل عن حاجته إذا أبان ، سموا بذلك لأن الغالب عليهم البيان والبلاغة ، ثم أن كل من كان عدا العرب فهو عجمي ، سواء الفرس أو الترك أو الروم وغيرهم ، وليس كما تتوهمه العامة من اختصاص العجم بالفرس ، بل أهل المغرب إلى الآن يطلقون لفظ العجم على الروم والفرنج ومن في معناه ، أما الأعجم فإنه الذي لايفصح في الكلام وإن كان عربيا ، ومنه سمي زياد الأعجم الشاعر كان عربيا .
وأما أنواع العرب فقد اتفقوا على تنويعهم إلى نوعين : عاربة ومستعربة .
فالعاربة هم العرب الأولى الذي فهمهم الله اللغة العربية ابتداء فتكلموا بها ، فقيل لهم عاربة ، وربما قيل لهم المستعربة ، ثم اختلف في العاربة والمستعربة ، فذهب ابن اسحاق والطبري إلى أن العاربة هم عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وعبيل والعمالقة وعبدصنم وجرهم وحضرموت وحضوراء وبنو ثابر والسلف ومن في معناهم ، والمستعربة بنو قحطان بن عابر وبنو اسماعيل عليه السلام ، لأن لغة عابر وإسماعيل عليه السلام كانت عجمية ، إما سريانية وإما عبرانية ، فتعلم بنو قحطان العربية من العاربة ممن كان في زمانهم ، وتعلم بنو إسماعيل العربية من جرهم ومن بني قحطان حين نزلوا عليه وعلى أمه بمكة .
وذهب آخرون منهم صاحب تاريخ حماة إلى أن بني قحطان هم العاربة وأن المستعربة هم بنو اسماعيل فقط ، والذي رجحه صاحب العبر الرأي الأول محتجا بأنه لم يكن في بني قحطان من زمن نوح عليه السلام وإلى عابر من تكلم بالعربية ، وإنما تعلموها نقلا عمن كان قبلهم من عاد وثمود ومعاصريهم ممن تقدم ذكرهم ، ثم قد قسم المؤرخون أيضا العرب إلى بائدة وغيرها .
فالبائدة هم الذين بادوا ودرست آثارهم كعاد وثمود وطسم وجديس وجرهم الأولى ، ويلحق بهم مدين ، فإنهم ممن ورد القرآن بهلاكهم ، وغير البائدة وهم الباقون في القرون المتأخرة بعد ذلك كجرهم الثانية وسبأ وبني عدنان ، ثم منهم من باد بعد ذلك كجرهم ومن تأخر منهم إلى زماننا كبقايا سبأ وبني عدنان .
وأما مساكن العرب منذ القدم فهي في الجزيرة العربية الواقعة في أواسط المعمور وأعدل أماكنه وأفضل بقاعه حيث الكعبة الحرام وتربة أشرف الأنام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما حول ذلك من الأماكن ، وهذه الجزيرة متسعة الأرجاء ممتدة الأطراف ، يحيط بها من جهة الغرب بعض بادية الشام حيث البلقا إلى أيلة ، ثم القلزم الآخذ من أيلة حيث العقبة الموجودة في طريق حجاج مصر إلى الحجاز إلى أطراف اليمن حيث طي وزبيد وما داناهما ، ومن جهة االجنوب بحر الهند المتصل به بحر القلزم المتقدم ذكره من جهة الجنوب إلى عدن إلى أطراف اليمن حيث بلاد مهرة مظفار وما حولها ، ومن جهة الشرق بحر العرب الخارج من بحر الهند إلى جهة الشمال إلى بلاد البحرين ثم إلى أطراف البصرة ثم إلى الكوفة من بلاد العراق ، ومن جهة الشمال الفرات آخذا من الكوفة على حدود العراق إلى عانة إلى بالس بلاد الجزيرة الفراتية إلى البلقا من برية الشام حيث وقع الابتداء .
وفقكم الله ، وتقبلوا تحيات أخيك الأستاذ مطر الثبيتي .