واذا سألنا انفسنا ما هو العدل؟. العدل هو أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم ولا يجور ولا يجحف في حق ذي حق. ولقد عرف العدل في علم الكلام بأنه (عدم فعل القبيح وعدم الاخلال بالواجب وعدم التكليف بما لا مصلحة فيه). والعدل هو الإثابة على الحسنة بالحسنة والمعاقبة على السيئة بالسيئة، وهو من صفات الفعل، وهو ايضا من الصفات الثبوتية لأنه وصف وجودي وما يتطلبه الكمال المطلق للذات الإلهية. ومسألة العدل في علم الكلام هي من المسائل الفوارق بين المعتزلة والإمامية- من جانب- القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين، وبين الأشاعرة- من جانب آخر- القائلين بالتحسين والتقبيح الشرعيين، وللأهيمة فإن مسألة العدل كمسالة فارقة، نجد الفريق الأول يفرد هذه المسألة بالبحث بصور مستقلة ويعطيها عنوانا مستقلا من بين سائر الصفات الثبوتية الكمالية، ولهذا فقد سمي الفريق الأول بـ(العدلية) نسبة إلى القول بالعدل القائم على فكرة التحسين والتقبيح العقليين.
اما كلمة (العدل) فقد استعملت في القرآن الكريم في أكثر من مدلول اشير إلى اهمها كالتالي:
العدل بمعنى الاستقامة في الفعل بوضع الشيء موضعه، فلا ظلم ولا جور، وتدل عليها الآيات القرآنية التالية: قال الله عز وجل (واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) وقال عز من قائل (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون).
إن العدل إذا عمم وانتشر بين الناس بدون تفريق وقتها تبنى المحبة وتتأصل في المجتمع وتتساقط تلقائيا الحواجز والأسوار لأن الأسوار يستحسن ان تحصن بالعدل ولعلنا نتذكر يوم أن نام سيدنا عمر بن الخطاب بمفرده في ظل شجرة في رحلته إلى بيت المقدس ومر به احدهم وحينما عرفه قال (عدلت فأمنت فنمت).
كثيرة حكايات عدل سيدنا عمر اذكر منها هذه الحكاية.( قال الحسن البصري: أتيت مجلسا في جامع البصرة، فإذا أنا بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتذاكرون زهد عمر وحسن سيرته، وما فتح الله عليه من الخير، قال الحسن: فدنوت من القوم، فإذا فيهم الأحنف بن قيس، فسمعته يقول: اخرجنا عمر بن الخطاب في سرية إلى العراق، ففتح الله علينا العراق وبلاد فارس، فاكتسينا من اقمشتها الجميلة وثيابها الناعمة المترفة، ثم قدمنا المدينة المنورة، فلما دخلنا على عمر بن الخطاب اعرض عنا بوجهه، وجعل لا يكلمنا، فاشتد ذلك على اصحاب النبي الكريم منا قال الأحنف: فأتينا عبدالله بن عمر، وهو جالس في المجلس، فشكونا ما نزل بنا من الجفاء والإعراض من أمير المؤمنين عمر، فقال ابنه عبدالله أن امير المؤمنين رأى عليكم لباسا ناعما مترفا، لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه، ولا الخليفة من بعده أبوبكر، فهذا سبب اعراضه عنكم، وجفوته لكم قال الأحنف: فأتينا منازلنا فنزعنا ما كان علينا من ثياب، وأتينا عمر في البزة وفي الثياب الخشنة التي كان يعهدنا فيها، فلما دخلنا عليه رآنا، قام لنا فرحاً مستبشراً وسلم علينا رجلاً رجلاً، وعانقنا رجلاً رجلاً، قبل ذلك، فقدمت اليه الغنائم، فقسمها بيننا بالسوية، وكان من بينها أنواع الحلويات الفاخرة فذاقها عمر، فوجدها لذيذة الطعم، طيبة الرائحة، فاعرض عنها، ثم اقبل علينا بوجهه وقال: يا معشر المهاجرين والأنصار: والله ليقتلن الابن أباه، والأخ أخاه، على زهرة هذه الحياة الدنيا، ثم امر عمر، بتلك المجامع من الحلويات، أن توزع على أبناء الشهداء والايتام).
هذه هي التربية الأسلامية والأخلاق المثالية الرفيعة، من اقتصاد وتواضع وعدالة وعفة، ونزاهة وإيثار وبعد عن كل بطر واشر وإسراف وتبذير، مع تقوى الله وخشية منه ومع محاسبة للنفس عن كل جليل وحقير، هذه الأخلاق الكريمة التي بثها النبي الكريم وخلفاؤه من بعده بين العرب، بين أفرادهم وجماعاتهم، هي التي جعلت العرب سادة العالم كما قال القرآن مخاطباً لهم (كنتم خير أمة أخرجت للناس). الا تعتقدون يا سادة انه لن يصلح أمر هذه الأمة الا بما صلح عليه اولها.