بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مدمن يقود سيارة
يطوي الأرض بسيارته ، كما يطوي الحشيش القاتل بأصابع يده .
الأرض تشكو من جرأته على نفسه وعلى حياة الآخرين .. لم يطل به الوقت حتى وقع سريعاً في قبضة رجال الأمن .
ذلكم هو بطل قصتنا ..
من المفارقات العجيبة أنكم لو رأيتم هيئة هذا الشاب لرأيتم فيه شاباً هادئاً ، فيه بقايا من الخلق والأدب .. والأهم من هذا أنه ينتمي إلى أسرة محافظة يكاد أن يكون عنصراً شاذاً بين أفرادها ، أو هو كذلك .
رأيت في عينيه علامات الندم .. كان هذا يدفعني إلى معاتبته على تعاطيه المخدرات فلعلّ العتاب يدله على الصواب .
حدّثته عن الاستقامة والتوبة ، قاطعني بقوله : لا تكثر عليّ فلقد عرفت درب الاستقامة في أيام خلت ، وعشت أيامه الجميلة ، وإني الآن أحمد الله على أن أيقظني من الغفلة .
ثم قال : أتريد أن تعرف قصة حياتي ؟
عجبت كثيراً من مبادرته بهذا الكلام دون أن أسأله .. تحفزت لسماع قصته وقلت : تفضل .
قال : نشأت في أحضان عائلة محافظة .. تقوم على الفضيلة والتقى .
لم أكن أعرف خبائث الأمور ،بل ولا سفاسفها .. لا زلت أتذكر أحد أخوالي وهو يصحبني معه وأنا في سن المراهقة إلى حلق القرآن ومجامع الخير .
مضت الأيام ويشاء الله أن ألتقي بمجموعة من شباب الحي .. وحينئذ بدأت معهم أولى خطوات الانحراف .. كان أول وأعظم تحول في مسار حياتي أني بدأت أتهاون في أداء الصلاة حتى تركتها بالكلية .. ثم تعلمت شرب الدخان الذي لم أكن أعرفه طيلة حياتي ، وما هي إلا أيام حتى تمكن الدخان مني ، فأصبحت أسيراً للسيجارة الخبيثة .
وتمضي الأيام فأتقدم إلى إحدى الوظائف فيصدر تعييني في مدينة أخرى .
عشت في الغربة أياماً مريرة .. وحيداً بعيداً عن أهلي وبلدتي التي قضيت بها أحلى أيام الطفولة .. وزادني غماً إلى غم أنه وقعت لي ألوان من الضغط النفسي في عملي الجديد .
وفي يوم من الأيام خرجت من العمل وأنا في حالة نفسية سيئة ، وكان معي في السيارة أحد زملاء العمل .. سألني عن سبب القلق الذي أعيشه .
بدأت أذكر لـه ظروفي القاسية .. وبينما كنت أتحدث إليه وأعبر عن أحزاني وأشجاني أخرج لي سيجارة غريبة لم أر مثلها في حياتي .
قلت : ما هذا ؟
قال : اشربها وستنسى همومك .
ترددت في تناولها !! لكن قلت : ما دام أنها وصلت إلي فلا بأس .. تناولتها من يده .. أشعلتها .. وضعتها في فمي .. وما هي إلا لحظات وانتابتني حالة غريبة وأنا أقف خلف مقود السيارة .. شعرت وكأنما وجهي يكاد أن يسقط بين قدمي .
سألته متعجباً : ما الذي يحدث ؟ قال لي : اطمئن سوف تعتاد على هذا بعد مدة .
استمر بي الحال في تعاطي الحشيش حتى تعلق به قلبي .. والمصيبة أني لم أنس همومي ..بل تنكد علي عيشي ، وزادت همومي هماً آخر بسبب الإدمان .
وفي إحدى الليالي .. كنت أسير بسيارتي في أحد الطرق السريعة ، وسيجارة الحشيش تتوهج بين أصابعي .. لم أكن لأبالي بروحي فضلاً عن أرواح الأبرياء الذين يمشون بسياراتهم من حولي في سكينة واطمئنان .
لم أفق من غيبوبتي إلا وأنا أمام نقطة من نقاط التفتيش .. ارتبكت .. حاولت التخلص من الموقف .. ولكن سرعان ما تم القبض علي .
كانت تلك اللحظات بمثابة صفعة قوية على وجهي .. تذكّرت حينها تلك الأيام التي كنت فيها شاباً فاضلاً مستقيماً .. تأملت ما وصل بي الحال إليه وشتان بين الحالين .
كم كنت مخدوعاً بأصدقاء سوء كنت أعدهم من أوفى الأصدقاء .. فما إن قبض علي حتى تولوا عني ، وكنت نسياً منسياً .
لكن كما قيل :
جزى اللهُ المصائب كل خيـرٍ *** عرفتُ بـها عدوّي من صديقي
تذكرت أبي .. أمي .. إخوتي .. خالي الذي مضيت معه أياماً مشرقة في الاستقامة .. عاهدت الله على أن أعود إليهم كما كانوا يعرفونني في الماضي .
وأقول أيها الكرام : هكذا تكون عاقبة الرفقة السيئة .. إنها صورة تتكرر كثيراً في سجل الحياة ، فالإنسان اجتماعي بطبعه ، وهو ابن بيئته . كما قيل :
عـن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فـــكـل قـــريــن بـالــمقـــارن يـقــتــدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم *** ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
وأصدق من هذا قول المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم : ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) .
فقل لي من تصاحب أقل لك من أنت .