ما تحزنُ لأجلِهِ سينتهي
فإنَّ الموتَ مقدمٌ على الكلِّ : الظالمِ والمظلومِ ، والقويِّ والضعيفِ ، والغنيِّ
والفقيرِ ، فلست بِدعاً من الناسِ أنْ تموت ، فقبلك ماتتْ أممٌ وبعدك تموتُ أممٌ .
ذكر ابنُ بطوطة أنَّ في الشمالِ مقبرةً دُفن ألفُ ملِكٍ عليها لوحةٌ مكتوبٌ فيها :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وسلاطينُهم سلِ الطين عنهمُ =والرؤوسُ العظامُ صارتْ عظاماً[/poem]
إنَّ الأمرَ المذهل في هذا : غفلةُ الإنسانِ عنْ هذا الفناءِ المداهمِ له صباح مساء ، وظنُّه أنهُ خالدٌ مخلَّدٌ منعَّمٌ ، وتغافلُه عن المصيرِ المحترمِ وتراخيه عن النهايةِ الحقَّةِ لكلِّ حيٍّ :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ ، ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ﴾ .
لما أهلك اللهُ الأمم ، وأباد الشعوب ، ودمَّرَ القُرى الظالمةَ وأهلها ، قال–عزَّ مِنْ قائل-: ﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ﴾ ؟!
انتهى كلُّ شيءٍ عنهمْ إلا الخبرَ والحديث .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
هل عندكمْ خبرٌ منْ أهلِ أندلسٍ=فقدْ مضى بحديثِ القومِ ركبانُ [/poem]
************************************
وقفــةٌ
دعاء الكربِ :
مشتمِلٌ على توحيدِ الإلهيةِ والربوبيةِ ، ووصفِ الربِّ سبحانهُ بالعظمةِ
والحِلمِ ، وهاتانِ الصفتانِ مستلزمتانِ لكمالِ القدرةِ والرحمةِ ، والإحسانِ
والتجاوزِ ، ووصْفهِ بكمالِ ربوبيتِه للعالمِ العلويِّ والسُّفليِّ والعرشِ الذي
هو سقفُ المخلوقاتِ وأعظمُها .
والربوبيةُ التامَّةُ تستلزمُ توحيده ، وأنهُ الذي لا تنبغي العبادةُ والحبُّ والخوفُ والرجاءُ والإجلالُ والطاعةُ إلا لهُ . وعظمتُه المطلقةُ تستلزمُ إثبات كلِّ كمالٍ لهُ ، وسلب كلِّ نقصٍ وتمثيلٍ عنهُ ؛ وحِلمُهُ يستلزمُ كمال رحمتِهِ وإحسانِهِ إلى خلقِهِ .
فعلْمُ القلبِ ومعرفتُهُ بذلك تُوجبُ محبتُهُ وإجلالُهُ وتوحيدُهُ ، فيحصلُ له من الابتهاجِ واللذةِ والسرورِ ما يدفعُ عنهُ ألم الكْربِ والهمِّ والغمِّ ، وأنت تجدُ المريض إذا ورد عليهِ ما يسُرُّهُ ويُفرحُه ، ويُقوِّي نفسهُ ، كيف تقوى الطبيعةُ على دفعِ المرضِ الحسيِّ ، فحصولُ هذا الشفاءِ للقلبِ أولى وأحرى .
***************************************
الاكتئابُ طريقُ الشقاءِ
ذكرتْ جريدةُ ( المسلمون ) عدد 240 في شهرِ صفر سنة 1410هـ ، أنَّ هناك 200 مليون مكتئبٍ على وجهِ الأرضِ !
الاكتئابُ العالم!! لا يفرِّقُ بين دولةٍ غربيةٍ وأخرى شرقية ! أو غنيٍّ وفقيرٍ . إنه مرضٌ يصيبُ الجميع .. ونهايتُه في الغالبِ الانتحارُ !!
الانتحارُ لا يعترفُ بالأسماءِ والمناصبِ والدولِ ، لكنَّه يخافُ من المؤمنين ، بعضُ الأرقامِ تؤكدُ أنَّ ضحاياهُ وصلوا إلى 200 مليون مريضٍ في كلِّ أنحاءِ العالمِ .. إلاَّ أنَّ آخر الإحصاءاتِ تؤكّدُ أنَّ واحداً على الأقلِّ بين كل عشرةِ أفرادٍ على وجهِ الأرضِ مصابٌ بهذا المرضِ الخطير !!
وقد وصلتْ خطورةُ هذا المرضِ أنه لا يصيبُ الكبار فقط ، بل يصِلُ إلى حدِّ مداهمةِ الجنينِ في بطنِ أمِّه !!
• الاكتئابُ بوابةُ الانتحار :
﴿ َلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ﴾ ، ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ .
تذكر الأخبارُ التي تناقلتْها وِكالاتُ الأنباءِ أنَّ مرض الاكتئابِ قد تمكَّن من الرئيسِ السابق للولاياتِ المتحدة الأمريكية (رونالدْ ريجان).
وتعودُ إصابةُ الرئيس الأمريكي بهذا المرضِ لتجاوزِه سنَّ السبعين في الوقتِ الذي لا يزالُ يتعرَّضُ فيه لضغوطٍ عصبيةٍ كبيرةٍ .. بالإضافةِ للعملياتِ الجراحيةِ التي أُجريتْ له على فتراتٍ متلاحقةٍ ،
﴿وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾ .
وهناك الكثيرُ من المشاهيرِ وخاصَّةً مَنْ يعملون بالفنِّ ، يداهمُهمْ هذا المرضُ ، وقد كان الاكتئابُ سبباً رئيساً – إنْ لم يكنْ الوحيد – في موتِ الشاعرِ صلاح جاهين ، وكذلك يُقال : إنَّ نابليون بونابرت مات مكتئباً في منفاهُ ﴿ وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ .
وما زلنا نذكرُ أيضاً الخبر الذي طيَّرتْه وكِالات الأنباءِ ، احتلَّ صدر الصفحاتِ الأولى في أغلبِ صحفِ العالمِ ، عن الجريمةِ المروِّعةِ التي ارتكبتْها أمٌّ ألمانيةٌ بقتلِ ثلاثةٍ منْ أطفالها، واتضح أنَّ السبب هو مرضُها بالاكتئابِ ، ولحبِّها الشديدِ لأطفالها خافتْ أنْ تورثهم العذاب والضيق الذي تشعرُ بهِ ، فقرّرتْ « إراحتهم» !! منْ هذا العذابِ بقتِلهم الثلاثةِ .. ثم قتلتْ نفسها !!.
وأرقامُ (منظمةِ الصحةِ العالميةِ) تشيرُ إلى خطورةِ الأمرِ.. ففي عام 1973 م كان عددُ المصابين بالاكتئابِ في العالمِ 3% ، وارتفعتْ هذه النسبةُ لتصل إلى 5% في عام 1978 م ، كما أشارتْ بعضُ الدراساتِ إلى وجودِ فردٍ أمريكيٍّ مصابٍ بالاكتئاب منْ كلِّ أربعةٍ !! في حين أعلن رئيسُ مؤتمرِ الاضطرابِ النفسيِّ الذي عُقد في شيكاغو عام 1981 م أنَّ هناك 100 مليونِ شخصٍ في العالمِ يعانون من الاكتئابِ ، أغلبُهمْ منْ دولِ العالمِ المتقدم ، وقالتْ أرقامٌ أخرى أنهم مائتا مليون مكتئبٍ!!
﴿أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ﴾
قال أحدُ الحكماءِ :
اصنعْ من الليمونِ شراباً حُلواً . وقال أحدُهم : ليس الذكيُّ الفطِنُ الذي يستطيعُ أنْ يزيد أرباحهُ، لكنّ الذكيَّ الذي يحوِّلُ خسائره إلى أرباحٍ ﴿أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ .
وفي المثلِ : لا تنطحِ الحائط !!
والمعنى :
لا تعانِدْ منْ لا تستفيدُ منْ عنادِهِ فائدةً تعودُ عليك بخيْرٍ .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إذا لم تستطعْ شيئاً فدَعْهُ =وجاوِزْه إلى ما تستطيعُ[/poem]
وقالوا : ولا تطحنِ الدقيق ،
﴿ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ .
والمعنى :
أنَّ الأمور التي فُرغ منها وانتهتْ لا ينبغي أن تُعاد وتُكرَّر ؛ لأنَّ في ذلك قلقاً واضطراباً وتضييعاً للوقت .
وقالوا أيضاً – وهو مثلٌ إنكليزيٌ - :
لا تنشرِ النشارة .
والمعنى :
أي نشارةَ الخشبِ ، لا تأت وتنشرْها مرةً ثانيةُ ، فقدْ فرغ منها .
يقولون ذلك لمنْ يشتغلُ بالتوافهِ ، واجترار الهمومِ ، وإعادةِ الماضي ،
﴿الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
هناك مجالاتٌ للفارغين من الأعمالِ يمكنُ سدُّها ، كالتزودِ بالصالحاتِ ،
ونفْعِ الناسِ ، وعيادةِ المرضى ، وزيارةِ المقابرِ ، والعنايةِ بالمساجدِ ،
والمشاركةِ في الجمعياتِ الخيريةِ ، ومجالسِ الأحيَّاءِ ، وترتيبِ المنزلِ
والمكتبةِ والرياضةِ النافعةِ ، وإيصالِ النفع للفقراءِ والعجزةِ والأراملِ ،
﴿ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ﴾ .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ولم أر كالمعروفِ أمَّا مذاقُهُ=فحلوٌ وأماَّ وجهُهُ فجميلُ[/poem]
اقرأِ التاريخ لتجد المنكوبين والمسلوبين والمصابين .
وبعد فصولٍ منْ هذا البحثِ سوف أطلعك على لوحةٍ من الحزنِ للمنكوبين بعنوان : تعزَّ بالمنكوبين .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
اقرأ التاريخ إذْ فيه العِبرْ =ضلَّ قومٌ ليس يدرون الخبرْ [/poem]
﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ ، ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ﴾ ، ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ .
قال عمرُ :
أصبحتُ وما لي مطلبٌ إلا التمتُّعُ بمواطنِ القضاءِ .
ومعنى ذلك :
أنه مرتاحٌ لقضاءِ اللهِ وقدرهِ ، سواءٌ كان فيما يحلو له أو فيما كان مرّاً .
وقال بعضُهمْ :
ما أبالي على أيِّ الراحلتيْنِ ركبتُ ، إنْ كان الفقرُ لهم الصبرُ ، وإنْ كان الغنى لهو الشكرُ .
ومات لأبي ذؤيب الهذليِّ ثمانيةٌ من الأبناءِ بالطاعونِ في عامٍ واحدٍ فماذا عسى أنْ يقول؟ إنه آمن وسلَّم وأذعن لقضاءِ ربهِ ، وقال :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وتجلُّدي للشامتين أُريهمُ=أني لريبِ الدهرِ لا أتضعضعُ
وإذا المنيةُ أنشبت أظفارها =ألفيت كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ [/poem]
﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ .
وفقد ابنُ عباسٍ بصره فقال – معزِّياً نفسه - :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إنْ يأخذِ اللهُ منْ عينيَّ نورها=ففي فؤادي وقلبي منهما نورُ
قلبي ذكيٌّ غيرُ ذي عِوجٍ=وفي فمي صارمٌ كالسيفِ مشهورُ[/poem]
وهو التسلِّي بما عنده منَ النَّعِم الكثيرةِ إذا فقد القليل منها .
وبُترتْ رِجْلُ عروة بن الزبيرِ ، ومات ابنُه في يومٍ واحداً ، فقال :
اللهمَّ لِك الحمْد ، إنْ كنت أخذت فقدْ أعطيْت ، وإنْ كنت ابتليْتَ فقدْ عافيْت ، منحتني أربعة أعضاءِ ، وأخذت عضواً واحداً ، ومنحتني أربعة أبناءٍ وأخذت ابناً واحداً .
﴿ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً﴾ ، ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾ .
وقُتل عبدُاللهِ بنُ الصِّمَّةِ أخو دريدٍ ، فعزَّى دريدٌ نفسه بعد أن ذكر أنه دافع عنْ أخيهِ قدْر المستطاعِ ، ولكنْ لا حيلة في القضاءِ ، مات أخوه عبدُالله فقال دريدٌ :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وطاعنتُ عنه الخيل حتى تبدَّدتْ=وحتى علاني حالِكُ اللونِ أسودِ
طعان امرئِ آسى أخاهُ بنفسهِ =ويعلمُ أنَّ المرء غيرُ مخلَّدِ
وخفَّفتُ وجدي أنني لم أقلْ لهُ =كذبت ولم أبخلْ بما ملكتْ يدِي [/poem]
ويروى عنِ الشافعيِّ – واعظاً ومعزِّياً للمصابين - :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
دعِ الأيام تفعلْ ما تشاءُ=وطِبْ نفساً إذا حكم القضاءُ
إذا نزل القضاءُ بأرضِ قومٍ =فلا أرضٌ تقيةِ ولا سماءُ [/poem]
وقال أبو العتاهيةِ :
كمْ مرةِ حفَّتْ بك المكارِه خار لك اللهُ وأنت كارِهْ ؟كمْ مرةٍ خفنا من الموتِ فما متْنا ؟!
كمْ مرةٍ ظننا انها القاضيةُ وأنها النهايةُ ، فإذا هي العودةُ الجديدةُ والقوةُ والاستمرارُ ؟!
كم مرةٍ ضاقتْ بنا السُّبُلُ ، وتقطَّعتْ بنا الحبالُ ، وأظلمتْ في وجوهِنا الآفاقُ ، وإذا هو الفتحُ والنصرُ والخيرُ والبِشارةُ ؟!
﴿ قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ﴾ .
كمْ مرةٍ أظلمتْ أمامنا دنيانا ، وضاقتْ علينا أنفسُنا والأرضُ بما رحُبتْ ، فإذا هو الخيرُ العميمُ واليسرُ والتأييدُ ؟!
﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ ﴾ .
منْ علم أنَّ الله غالبٌ على أمرِه ، كيف يخافُ أمر غيرِه ؟! منْ علم أنَّ كلَّ شيءٍ دون اللهِ ، فكيف يخوَّفونك بالذين منْ دونِه ؟! منْ خاف الله كيف يخافُ منْ غيرِه ، وهو يقولُ :
﴿ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ ﴾ .
معهُ سبحانُهُ العزةُ ، والعزةُ للهِ ولرسولهِ وللمؤمنين .
معه الغَلَبَةُ ﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ ،
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ .
ذكر ابنُ كثيرٍ في تفسيرِه أثراً قدسيّاً :
(( وعزتي وجلالي ما اعتصم بي عبدٌ ، فكادتْ له السماواتُ والأرضُ ، إلا جعلتُ له منْ بينِها فرجاً ومخرجاً . وعزَّتي وجلالي ما اعتصم عبدي بغيري إلا أسخْتُ الأرض من تحتِ قدميْهِ )) .
قال الإمامُ ابنُ تيمية :
بـ (( لا حول ولا قوة إلا بالله ِ ))
تُحمل الأثقالُ ، وتُكابدُ الأهوالُ ، ويُنالُ شريفُ الأحوالِ .
فالزمْها أيُّ العبدُ ! فإنها كنزٌ منْ كنوزِ الجنةِ . وهي منْ بنودِ السعادةِ ، ومنْ مساراتِ الراحةِ ، وانشراحِ الصدرِ .
***************************************
الاستغفارُ يفتحُ الأقفال
يقول ابنُ تيمية :
إنَّ المسألة لتغلقُ عليَّ ، فأستغفرُ الله ألف مرةٍ أو أكثر أو أقلَّ ، فيفتحُها اللهُ عليَّ .
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾ .
إنَّ منْ أسبابِ راحةِ البالِ ، استغفار ذي الجلال .
رُبَّ ضارةٍ نافعةٌ ، وكلُ قضاءٍ خيرٌ حتى المعصيةُ بشرطِها .
فقدْ ورد في المسندِ :
((لا يقضي اللهُ للعبدِ قضاء إلا كان خيراً له))
. قيل لابن تيمية: حتى المعصية ؟ قال : نعمْ ، إذا كان معها التوبةُ والندمُ ، والاستغفارُ والانكسارُ .
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾
قال أبو تمامٍ في أيامِ السعودِ وأيامِ النحسِ :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
مرَّتْ سنونُ بالسعودِ وبالهنا=فكأنَها مِنْ قِصْرِها أيَّامُ
ثمَّ انْثنتْ أيامُ هجرٍ بعدها=فكأنها منْ طولِها أعوامُ
ثمَّ انقضت تلك السنونُ وأهلُها=فكأنَّها وكأنَّهُمْ أحلامُ[/poem]
﴿ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ ، ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ .
عجبتُ لعظماء عَرَفَهُمُ التاريخُ ، كانوا يستقبلون المصائب كأنَّها قطراتُ الغيثِ ، أو هفيفُ النسيمُ ، وعلى رأسِ الجميع سيدُ الخلْقِ محمدٌ ، وهو في الغارِ ، يقولُ لصاحبِه :
﴿لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ﴾ .
وفي طريقِ الهجرةِ ، وهو مطاردٌ مشرَّدٌ يبشِّرُ ****************ة بأنه يُسوَّرُ سواريْ كسرى !
بُشرى مِن الغيبِ ألقتْ في فمِ
الغار وحْياً وأفضت إلى الدنيا بأسرارِ
وفي بدر يثبُ في الدرعِ وهو يقولُ :
﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أنت الشجاعُ إذا لقِيت كتيبةً=أدَّبْت في هوْلِ الردى أبطالها[/poem]
وفي أُحدٍ – بعد القتلِ والجراحِ – يقولُ للصحابةِ :
(( صُفُّوا خلفي ، لأُثني على ربي )) .
إنها هِممٌ نبويَّةٌ تنطحُ الثريَّا ، وعزْمٌ نبويٌ يهزُّ الجبال .
قيسُ بنُ عاصم المنْقرِيُّ منْ حلماءِ العربِ ، كان مُحتبياً يكلِّم قومهُ بقصةٍ ، فأتاه رجلٌ فقال : قُتِل ابنُك الآن ، قَتَلَهُ ابنُ فلانة . فما حلَّ حَبْوَتَهُ ، ولا أنهى قصّتهُ ، حتى انتهى منْ كلامِه ، ثم قال : غسِّلوا ابني وكفِّنوه ، ثمَّ آذنِوني بالصلاةِ عليه ! ﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾ .
وعِكرِمةُ بنُ أبي جهلٍ يُعطى الماء في سكراتِ الموتِ ، فيقولُ : أعطوه فلاناً . لحارثِ بنِ هشامِ ، فيتناولونه واحداً بعد واحداً ، حتى يموتُ الجميعُ .
**************************************
الناسُ عليك لا لك
إنَّ العاقل الحصيف يجعلُ الناس عليهِ لا لهُ ، فلا يبني موقفاً ، أو يتخذ قراراً يعتمدُ فيهِ على الناسِ ، إن الناس لهمْ حدودٌ في التضامنِ مع الغيرِ ، ولهمْ مدىً يصلون إليهِ في البذلِ والتضحيةِ لا يتجاوزونهُ .
انظرْ إلى الحسينِ بنِ عليٍّ – رضي اللهُ عنهُ وأرضاهُ – وهو ابنُ بنتِ الرسولِ ، يُقتلُ فلا تنبسُ الأمَّةُ ببنتِ شفةٍ ، بل الذين قتلوهُ يكبِّرون ويهلّلون على هذا الانتصارِ الضخمِ بِذبحِهِ !! ، رضي اللهُ عنه . يقولُ الشاعرُ :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
جاؤوا برأسِك يا ابن بنتِ محمدٍ=مُتزمِّلاً بدمائِهِ تزميلا
ويُكبِّرون بأنْ قُتلت وإنما =قتلوا بك التكبير والتهليلا[/poem]
ويُساق أحمدُ بنُ حنبلٍ إلى الحبسِ ، ويُجلدُ جلداً رهيباً ، ويشرفُ على الموتِ ، فلا يتحرّكُ معهُ أحدٌ .
ويُؤخذُ ابنُ تيمية مأسوراً ، ويركبُ البغل إلى مصر ، فلا تموجُ تلك الجموعُ الهادرةُ التي حضرتْ جنازتهُ ، لأنَّ لهمْ حدوداً يصلون إليها فَحَسْبُ ، ﴿ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً ﴾ ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ ، ﴿ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً ﴾ .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فالزمْ يديْك بحبلِ اللهِ معتصماً=فإنَّهُ الركنُ إنْ خانَتْك أركانُ[/poem]
***********************************************
رفقاً بالمالِ « ما عال منِ اقْتَصَدَ »
قال أحدهُمْ :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
اجمعْ نقودك إنَّ العِزَّ في المالِ=واستغنِ ما شئت عنْ عمٍّ وعنْ خالِ [/poem]
إنَّ الفلسفة التي تدعو إلى تبذيرِ المالِ وتبديدهِ وإنفاقِه في غيرِ وجْهِهِ أو عدمِ جمعِه أصلاً ليستْ بصحيحةٍ ، وإنما هي منقولةٌ منْ عُبَّادِ الهنودِ ، ومنْ جهلةِ المتصوفةِ .
إنَّ الإسلام يدعو إلى الكسبِ الشريفِ ، وإلى جمعِ المالِ الشريفِ ، وإنفاقهِ في الوجهِ الشريفِ ، ليكون العبدُ عزيزاً بماله، وقدْ قال :
((نِعم المالُ الصالحُ في يدِ الرجلِ الصالحِ)) .
وهو حديثٌ حسنٌ .
وإنَّ مما يجلبُ الهموم والغموم كثرةُ الديونِ ، أو الفقرُ المضني المهلك :
(( فهلْ تنتظرون إلاَّ غنى مطغياً أو فقراً منسياً )) .
ولذا استعاذ فقال : (( اللهم إني أعوذُ بك منَ الكفرِ والفقْرِ )) .
و (( كاد الفقْرُ أنْ يكون كفراً )) .
وهذا لا يتعارضُ مع الحديثِ الذي يرويه ابنُ ماجة :
(( ازهدْ في الدنيا يحبّك اللهُ ، وازهدْ فيما عند الناسِ يحبُّك الناسُ )) .
على أنَّ فيهِ ضعيفاً .
لكنَّ المعنى : أن يكون لك الكفافُ ، وما يكفيك عن استجداءِ الناسِ وطلبِ ما عندهم من المالِ ، بلْ تكونُ شريفاً نزيهاً ، عندك ما يكفُّ وجهكَ عنهمْ ، (( ومن يستغنِ يُغنِه اللهُ )) .
وفي الصحيحِ :
(( إنك إنْ تَذَرُ ورثَتَكَ أغنياء ، خيرٌ منْ أن تَذَرَهُمْ عالةً يتكفَّفونُ الناس )) .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أَسُدُّ به ما قدْ أضاعوا وفرَّطوا =حقوق أناسٍ ما استطاعوا لها سدّا[/poem]
يقولُ أحدُهم في عِزَّةِ النفسِ :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أحسنُ الأقوالِ قولي لك خذْ =أقبحُ الأقوالِ كلاَّ ولعلْ [/poem]
وفي الصحيح :
(( اليدُ العليا خيرٌ من اليدِِ السُّفلى )) .
اليدُ العليا المعطيةُ ، واليدُ السُّفلى الآخذةُ أو السائلةُ ، ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ ﴾ .
والمعنى :
لا تتملَّق البشرَ فتطلب منهمْ رزقاً أو مكسباً ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ ضمِنَ الرزق والأجلَ والخلْقَ لأنَّ عزَّةَ الإيمانِ قعساءُ ، وأهلُه شرفاءُ ، والعزةُ لهم ، ورؤوسُهم دائماً مرتفعةٌ ، وأنوفُهم دائماً شامخةٌ :
﴿ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾ .
قال ابنُ الورديُّ :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أنا لا أرغبُ تقبيل يدٍ =قطْعُها أحسنُ منْ تلك القُبلْ
إنْ جزتْني عنْ صنيعِ كنتُ في =رِقِّها أو لا فيكفيني الخجلْ[/poem]
*******************************************
لا تتعلقْ بغيرِ اللهِ
إذا كان المحيي والميتُ والرزاقُ هو اللهُ ، فلماذا الخوفُ من الناس والقلقُ منهمُ ؟! ورأيتُ أنَّ أكثر ما يجلبُ الهموم والغموم التعلُّقُ بالناسِ ، وطلبُ رضاهمْ ، والتقربُ منهمُ ، والحرصُ على ثنائِهم ، والتضرُّر بذمِّهمْ ، وهذا من ضعفِ التوحيدِ .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فليتك تحلو والحياةُ مريرةٌ =وليتك ترْضى والأنامُ غضابُ
إذا صحَّ منك الودُّ فالكُلُّ هيِّنٌ=وكلُّ الذي فوق الترابِ ترابُ[/poem]
***************************************
أسبابُ انشرحِ الصَّدْرِ
أهمُّها :
التوحيدُ :
فإنهُ بِحسبِ صفائِهِ ونقائِه يوسعُ الصدرَ ، حتى يكون أوسع من الدنيا وما فيها .
ولا حياة لمُشركٍ وملحِدٍ ، يقولُ سبحانه وتعالى :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ .
وقال سبحانه :
﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ﴾ .
وقال سبحانه :
﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ .
وتوعَّد اللهُ أعداءه بضيقِ الصَّدرِ والرهبةِ والخوفِ والقلقِ والاضطرابِ ،
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
سُلْطَاناً ﴾ ،
﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ ، ﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ
صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء ﴾ .
ومما يشرحُ الصَّدْرَ :
العلمُ النافعُ ، فالعلماءُ أشرحُ الناسِ صدوراً ، وأكثرُهم حُبوراً ، وأعظمُهمْ سروراً ، لما عندهمْ من الميراثِ المحمديِّ النبويِّ :
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾ ، ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ .
ومنها :
العملُ الصالحُ :
فإنَّ للحسنةِ نوراً في القلبِ ، وضياءً في الوجهِ ، وسَعَةَ في الرزقِ ، ومحبةً في قلوبِ الخلْقِ ، ﴿ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً ﴾ .
ومنها :
الشجاعةُ :
فالشجاعُ واسعُ البطانِ ، ثابتُ الجَنَانِ ، قويُّ الأركانِ ، لأنه يؤولُ على الرحمنِ ، فلا تهمُّه الحوادثُ ، ولا تهزُّهُ الأراجيفُ ، ولا تزعزِعُهُ التوجساتُ .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
تردَّى ثبات الموتِ حُمْراً فما أتى=لها الليلُ إلا وهي مِنْ سندسٍ خُضْرُ
وما مات حتى مات مضرِبُ سيفِهِ=مِن الضربِ واعتلتْ عليه القنا السّمْرُ[/poem]
ومنها :
اجتنابُ المعاصي :
فإنها كدرٌ حاضرٌ ، ووحشةٌ جاثمةٌ ، وظلامٌ قاتمٌ .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب=وقدْ يُورثُ الذُّلَّ إدمانُها[/poem]
ومنها :
اجتنابُ كثرةِ المباحاتِ :
من الكلامِ والطعامِ والمنام والخلطةِ ،
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ ،
﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ ،
﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ ﴾ .
*************************************
فُرِغ من القضاءِ
سألَ أحدُ المرضى بالهواجسِ والهمومِ طبيب القلقِ والاضطرابِ ، فقال له الطبيبُ المسلمُ : اعلمْ أنَّ العالم قدْ فرغَ منْ خلقِهِ وتدبيرِه ، ولا يقعُ فيهِ حركةٌ ولا هَمْسٌ إلا بإذن اللهِ ، فلِم الهمُّ والغمُّ؟!
((إنَّ الله كتب مقادير الخلائقِ قبل أنْ يَخْلُقَ الخلْق بخمسين ألف سنةٍ)) .
قال المتنبي على هذا :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وتعْظُمُ في عينِ الصغيرِ صغارُها=وتصغرُ في عينِ العظيمِ العظائِمُ[/poem]
*********************************
طَعْمُ الحريَّةِ اللذيذُ
يقولُ الراشدُ في كتابِ ( المسار ) :
منْ عندَهُ ثلاثمائةٍ وستون رغيفاً وجرَّة زيتٍ وألفٌ وستمائة تمرة ، لم يستعبدْه أحدٌ .
وقال أحدُ السلفِ :
منِ اكتفى بالخبزِ اليابسِ والماءِ ، سلِم من الرِّقِّ غلا للهِ تعالى ﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ﴾ .
قال أحدُهم :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أطعتُ مطامعي فاستعبدتني=ولوْ أني قِنِعْتُ لكنتُ حراً [/poem]
وقال آخرُ :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أرى أشقياء الناسِ لا يسأمونها =على أنَّهمْ فيها عُراةٌ وجُوَّعُ
أراها وإنْ كانتْ تسُرُّ فإنها=سحابةُ صيفٍ عنْ قليلٍ تقشَّعُ[/poem]
إنَّ الذين يسعوْن على السعادةِ بجمع المالِ أو المنصبِ أو الوظيفةِ ،
سوف يعلمون أنهمْ همُ الخاسرون حقّاً ، وأنهمْ ما جلبوا إلا الهموم والغموم ،
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء
ظُهُورِكُمْ ﴾ ، ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{16} وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ .
************************************
سفيانُ الثوريُّ مخدَّتُهُ الترابُ
توسَّد سفيانُ الثوريُّ كومْةً منْ الترابِ في مزدلفة وهو حاجٌّ ، فقال له الناسُ : أفي مثلِ هذا الموطنِ تتوسَّدُ الترابَ وأنت مُحدِّثُ الدنيا ؟ قال : لمخدَّتي هذهِ أعظمُ منْ مخدةِ أبي جعفرٍ المنصورِ الخليفةِ .
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ ﴾ .
*********************************
لا تركنْ إلى المُرجِفِينَ
الوعودُ الكاذبةُ ، والإرهاصاتُ الخاطئةُ المغلوبةُ ، التي يخافُ منها أكثرُ
الناسِ ، إنما هي أوهامٌ ، ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ
يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ .
والقلقُ والأرقُ وقُرْحةُ المعدةِ : ثمراتُ اليأسِ والشعورِ بالإحباطِ والإخفاق .
***********************************
لنْ يضرَّك السبُّ والشَّتْمُ
كان الرئيسُ الأمريكيُّ ( إبراهام لينكولن )
يقولُ : أنا لا أقرأُ رسائل الشتمِ التي تُوجَّه إليَّ ، ولا أفتحُ مظروفها فضلاً عن الردِّ عليها ؛ لأنني لو اشتغلتُ بها لمَا قدَّمت شيئاً لشعبي ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ ، ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ ، ﴿ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ﴾ .
قال حسَّانُ :
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ما أبالي أنبَّ بالحزْنِ تَيْسٌ =أو لحاني بظهرِ غَيْبٍ لئيمُ [/poem]
المعنى :
أنَّ كلماتِ اللؤماءِ والسخفاءِ والحقراءِ الشتّامين المتسلقين على أعراضِ الناسِ ، لا تضرُّ ولا تُهُمُّ ، ولا يمكنُ أنْ يتلفت لها مسلمٌ ، أو أن يتحرك منها شجاعٌ .
كان قائدُ البحريةِ الأمريكيةِ في الحربِ العالميةِ الثانيةِ رجلاً لامعاً ، يحرصُ على الشهرةِ ، فتعاملَ مع مرؤوسيةِ الذين كالوا له الشتائم والسباب والإهاناتِ ، حتى قال : أصبح اليوم عندي من النقدِ مناعةٌ ، لقدْ عَجَمَ عودي ، وكبرتْ سني ، وعلمتُ أنَّ الكلام لا يهدمُ ولا ينسِفُ سُوراً حصيناً .
[poem= font="Simplified Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وماذا تبتغي الشعراءُ منّي =وقدْ جاوزتُ حدَّ الأربعينا [/poem]
يُذكرُ عن عيسى – عليه السلامُ – أنهُ قال : أحبوا أعداءكم .
والمعنى : أنْ تُصدروا في أعدائِكمْ عفواً عامّاً ، حتى تسلموا من التشفِّي والانتقامِ والحقدِ الذي ينهي حياتَكُمْ، ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.
((اذهبوا فأنتمُ الطلقاءُ)) ،
﴿ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ ، ﴿ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف ﴾ .
*************************************
0