رمضان الغرباء: محن و فتن.
بقلم هشام زليم المغربي.
بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.
رفض المسلمون المنصَّرون قسرا سياسة الدمج التي انتهجها فيليب الثاني فحافظوا على التعاليم الإسلامية الرئيسية التي ظلت تتوارثها سرّيا العوائل أبا عن جد: صوم رمضان, الزكاة, ذبح الحيوانات على الطريقة الإسلامية, الختان و بعض المظاهر الثقافية الإسلامية كطريقة اللباس و الجلوس؛ لقد أصبحت هذه العبادات سلاحا يواجه به المورسكيون سياسة طمس هويتهم الدينية و الثقافية التي أضحوا هدفا لها منذ بداية القرن 16 م.
اجتهد الأندلسيون في مراقبة هلال رمضان إمّا بشكل فردي أو على مستوى جماعات, اجتهاد دل على حرص هؤلاء الغرباء على صيام هذا الشهر المبارك لعلّ الله عز وجل يرحمهم و يغفر لهم و يعتق رقابهم من النار.
كان على الأندلسي الذي يعمل تحمل مشقتين: أولا التعب الجسدي, و ثانيا العذاب النفسي الناجم عن الخوف طيلة شهر كامل من وشاية أحد رفقائه به لدى محاكم التفتيش (1). هذه الأخيرة شكل لها صيام الأندلسيين لرمضان إخفاقا آخر في اقتلاع الإسلام من جذوره و انتصارا لأهل التوحيد فوق الأرض النصرانية.
لهذا اجتهدت أغلب محاكم التفتيش ما بين 1572 و 1610م في القضاء على هذه الفريضة الإسلامية, و لم تكتف بمتابعة من يصوم الشهر الفضيل فقط بل شنت حملة شعواء على المسئولين عن نشر هذه ''الجريمة العقدية'': كل من ثبت حثه لإخوانه المسلمين على صيام رمضان سيتم تسليمه لمحكمة التفتيش ثم للسلطات المختصة لتنفيذ حكم الحرق فيه (2(
خلال هذه الفترة سجّلت محاضر محاكم التفتيش الإسبانية 54 قضية لأشخاص حثوا على صيام رمضان, 24 امرأة و 30 رجلا, حُكِم عليهم جميعا بالموت حرقا, 40 منهم تمّ حرقهم فعليا.
لقد أظهرت محكمة تفتيش لوغرونيو Logrono –المُراقبة من قبل محكمة بلنسية – قسوة شديدة اتجاه أولئك الذين حاولوا إبقاء فريضة الصيام حية بين المورسكيين. فما بين 1577 و 1599 قضت هذه المحكمة بالموت على 84 مورسكيا ! (3), شكل رمضان بالنسبة ل 23 منهم سبب إدانتهم. و لم تبد السلطات الكنسية أية رحمة اتجاههم حيث نظر إليهم القانون على أنهم مرتدون. ثلاثة أرباع هذا العدد كن نساءا (17 امرأة بالتحديد) و قد عرف المفتشون جيدا حجم الدور الذي لعبنه في تمرير العادات الإسلامية بين الأجيال, فواجهوهن, في نهاية القرن 16م, بيد من حديد.
هذه الوحشية في التعامل مع المرأة المسلمة دلّت على حجم الدور الذي تكفلت بأدائه كصلة وصل بين الأجيال الجديدة و ماضيهم المسلم, فمجال عملها داخل المنزل مكنها من الحفاظ على الإسلام سرا, خاصة تلك العبادات المتعلقة بالطعام كالصيام و تجنب أكل لحم الخنزير...
في بلدتي أكيلار Aguilar و أكريداAgreda المتجاورتين, شكلت النساء طيلة 20 عاما محور الحياة الروحية و التقليدية الإسلامية. أغلبهن كنّ يفكرن مثل أرملة فرانثيثكو دي أركش Francisco De Arcos التي اعترفت أنه رغم المخاطر التي تتجشمها, يبقى رمضان الوسيلة الأكثر ضمانا للفوز بالحياة الآخرة و ''إنقاذ روحها'' (4). أخريات فعلن مثل مارية دي في Maria de Fee التي شجعت عائلتها على القيام بما تقوم به هي من واجبات دينية, و علّمتهم أدعية و أذكارا (5). لم تكن الوحيدة التي عملت على نشر عقيدتها. لقد نفذ المفتشون إلى داخل العوائل و وجهوا ضربات سريعة و دقيقة لمن كانوا نواة المحافظة على العبادات الإسلامية (6). و أوضح مثال على ذلك قضية مارية كليمنتيMaria Clemente (أوروسكا) التي أحرقتها محكمة تفتيش لوغرونيو بسبب إقناعها لأفراد أسرتها بالصيام في رمضان (7).
كما لا يجب إغفال الدور الذي لعبته النساء الكبيرات في السن في الحفاظ على التقاليد الإسلامية (8). لقد حرص أغلب الأندلسيين على صيام رمضان و أبوا إلا أن يقضوا هذا الشهر الفضيل في نفس المكان مقوّين بذلك المناعة العائلية و الدينية لحي بأكمله (9). في محضر إيزابيلا نافارا Isabella Navarra أخبر أحدهم بما يلي: ''كل مورسكيي الحي الجديد بأكريدا Agreda مسلمون, حيث تزامن شهر غشت مع رمضان فلم نرهم يأكلون طيلة اليوم'' (10).
داوم أغلب سكان أراغون و بلنسية الأندلسيون على صيام الشهر الفضيل. في هذه المنطقة كان عددهم كبيرا جدا إلى حد جعلهم مسئولين عن ارتفاع سعر السمك (11).
الأب داميان فونسيكاDamien Fonseca لم يخف تحسره على ارتفاع عدد المورسكيين الذين يصومون رمضان, و قال: '' لا يحافظون على صيام الكنيسة, لكنهم يؤدون الذي يأمرهم به القرآن, يصومون شهرا كاملا كل عام بدل صيام الكارسماcaresma, يمتنعون فيه عن الأكل طيلة اليوم إلا مرة في الليل, يعتقدون خطءا أنه في هذه الأيام تلقوا من يد الرب قرآن محمد...'' (.
و نختم بقضية الفلاح دومنغو دومليك Domingo Domalique الذي حظي في البداية بعفو من طرف محكمة التفتيش بسرقسطة في نونبر 1579, و كان قد اعتقل لأنه عاش كمسلم. سنة 1595 تمّ اتهامه بأنه محور الحياة الدينية ببلدة سابنيان Sabinan. لقد اعتادت طائفة من المورسكيين الاجتماع تحت إدارته يتدارسون كتبا باللغة العربية و يتلون دعوات و أذكار.تحت ضغط المفتشين , اتهمه ابنه ب ''الاجتماع في إحدى الدور مع عدة أشخاص, و بصفته معلما لهم تلى عليهم (أي المتهم) في كتب عربية طقوسهم الإسلامية الخاصة بهم...''. كما دعا دومنغو أبناء دينه لصيام شهر رمضان, و سهر بكل تفان على السير الجيد لهذا الشهر, حيث أكد غير واحد من الشهود أن: ''المتّهم كان أحد النظّارة ببلدة سابنيان الذين يخبرون بدخول شهر رمضان..''(13) . لقد تراكمت هذه المرة لدى محكمة التفتيش الأدلة على ''ردة'' دومنغو.
و في ربيع سنة 1595م تمّ تسليمه للسلطات المختصة التي لم تتردد في حرقه.(14)
الهوامش:
(1)المكتبة الوطنية الإسبانية.BNM ; VE 211/11.
(2) محاكم التفتيش التي اعتمدت هذا الإجراء هي : لوغرونيو, بلنسية, سرقسطة, طليطلة, كوينكا, يرينا و إشبيلية.
(3) انظر بحث للأستاذة الفرنسية جان فيدال بعنوان : Recherches sur les morisques ‘’relajados’’ par les différents tribunaux de l’inquisition espagnole. P 11-24
(4)الأرشيف التاريخي الوطني الإسباني.AHN , Inq lib 834. F° 262.
(5) الأرشيف التاريخي الوطني الإسباني.AHN , Inq lib 834. F° 421.
(6)مقتطف من بحث للأستاذ الفرنسي بيرنارد فانسان''La famille morisque’’''..ص 67-83.
(7) انظر موضوعي ''مارية كليمنتي دي أورسكا''
(8)معدل الأعمار بالنسبة لهؤلاء النساء هو 48 سنة.
(9) الأرشيف التاريخي الوطني الإسباني.AHN , Inq lib 834. F°622
(10) الأرشيف التاريخي الوطني الإسباني.AHN , Inq lib 834. F°421
انظر موضوعي ''المورسكيون, رمضان و السمك...''
(''Justa Expulsion de los moriscos de Espana'' للراهب الإسباني داميان فونسيكا. ص 94.
(13) الأرشيف الوطني التاريخي الإسباني.AHN , Inq lib 989. F°653
(14) المعلومات الواردة في الموضوع اقتطفتها من بحث للأستاذة الفرنسية جان فيدال بعنوان: ‘’Quand on brülait les morisques’’ ص 30-34.
كتبه هشام زليم المغربي.
قلت : إذا كان هذا حالهم من خوف وتعذيب لأجل أداء فريضة الصوم
فمابال بعضنا هداه الله يفرط في صوم رمضان أو يتهاون فيه أو يفسده باللغو
والسهر على القنوات الفضائيه والسهرات الفنيه والأفلام ... نسأل الله الهدايه والثبات