[frame="8 10"]تتواصل سلسلة رد الوفاء مع الجزء الخامس وهو بعنوان من قتل وداد
وللإحاطة القادم سيكون بعنوان (( همسة ألم ))
أمل التواصل من الجميع
مثل أي فتاة كانت وداد تحلم أن يكون لها بيت وأسرة صغيرة وبدأ الحلم يتحقق عندما تزوجت، وانتقلت. إلى بيت الزوجية. كان كل شيء يسير على خير ما يرام، وبدا أن شهر العسل لا نهاية له.
انقضت الشهور الأولى من الحياة الزوجية وبدأ ناقوس الخطر يقرع أبوابه، فحتى الآن لا توجد بوادر الحمل عند وداد، وبدأت الألسن المحيطة بالأسرة الصغيرة تتبادل الحديث عن هذه المشكلة وتضع الحلول المقترحة لها، فهذا رأي يطالب الزوج بالتريث والانتظار، وذاك يشدد على ضرورة استبدال الزوجة بأخرى قادرة على الإنجاب، ولم يخطر على بال أحد أن المشورة الطبية كانت أفضل الحلول لتجنب الأسرة الصغيرة خطر التفكك والانهيار.
وكعادة الأحاديث التي تنتشر في القرى انتشار النار في الهشيم فقد انتشرت قصة وداد في أوساط القرية بسرعة كبيرة وانبرت إحدى الجارات لمد يد المساعدة للفتاة المسكينة، كانت الشهامة تقضي بأن تذهب تلك الجارة بصحبة الزوجة إلى إحدى «المطببات» الشعبيات اللاتي ذاع صيتهن في علاج مثل هذه الحالات.
أصبحت الزوجة تصطنع الحجج والأعذار للخروج بصحبة جارتها كل أسبوع تقريبًا في بداية الأمر ثم امتدت الفترة الزمنية لتصبح كل شهر، ويبدو أن العلاج كان يعتمد أساسًا على مكونات طبيعية، وبقي الأمل يحدو الزوجة بحدوث الإنجاب ولكن الزوج بقي بعيدًا عن مسرح الأحداث التي بدا أنها ستطول أكثر فأكثر.
كانت الدورة الشهرية عند وداد تضطرب أحيانًا فتنقطع عدة أيام أو أسابيع، وفي بعض الحالات كانت تتباعد لأشهر عدة مما كان يبعث بعض الأمل عند الزوجة بحدوث الحمل الذي طالما انتظرته على أحر من الجمر، ورغم ذلك فقد تابعت الخطة العلاجية بناء على تعليمات المطببة الشعبية تلك.
ومع مرور الوقت بدا لوداد أنها سوف تقطف ثمار جهدها قريبًا، فها هي علامات الحمل بدأت تظهر عندها، سواء الغثيان أو القيء في بداية الأمر وكذا انقطاع الدورة الشهرية أو كبر حجم البطن، لذا أسرعت وداد لتبث لمطببتها الخبر السعيد وتشكرها على جهودها التي أثمرت في نهاية المطاف.
وفي بيت تناثرت قطع الأثاث فيه استعدت وداد للفحص من قبل المطببة التي بدأت تظهر عليها علامات الدهشة وهي تقوم بفحصها، ويبدو أن ارتباك المطببة أثار مخاوف وداد التي بادرت بالسؤال:
ـ هل هناك ما يدعو للقلق؟
ـ ...........
ـ هل حالة الجنين جيدة؟
ـ أعتقد أن الأمور تسير بشكل جيد.
ـ هناك مفرزات نسائية كريهة الرائحة تسبب لي إزعاجًا وقلقًا كبيرين واحمرارًا وحكة شديدة.
ـ سوف أصف لك بعض المراهم العشبية والمغاطس المناسبة وسوف تتحسنين بسرعة.
وعادت وداد بصحبة جارتها وعلامات الخوف تبدو على محيَّاها، ويبدو أن بطنها البارز لم يعد يبعث في نفسها السعادة والفرح، بل أصبح يثير قلقها ولذا قررت في نهاية المطاف أن تراجع إحدى الطبيبات المتخصصات في أمراض النساء لتقف على حقيقة الوضع الراهن ولترتاح من شكوكها التي أصبحت تقض مضجعها، خصوصًا بعد أن ضعفت شهيتها وأصبحت تعاني آلامًا عظمية تزداد كثيرًا عندما تأوي إلى فراشها فتزيد من خوفها وقلقها.
في غرفة الانتظار كان الكثير من النسوة ذوات البطون المنتفخة ينتظرن دورهن في الفحص، وفي غرفة مجاورة لغرفة الفحص كتب على بابها «غرفة الولادة» صدر منها صوت طفل صغير حرك مشاعر النسوة الموجودات ومشاعر وداد خصوصًا، وأشاحت وداد بنظرها إلى بطون السيدات المنتظرات دورهن ثم أخذت تتحسس بطنها، وشعرت بقشعريرة تسري في جسدها عندما لاحظت وجود بعض النتوءات أو التورمات الصغيرة على بطنها، وبدا أنها المرة الأولى التي تلاحظها وبدأت الوساوس تزداد لديها ولم يقطعها سوى صوت الممرضة تناديها لتدخل إلى غرفة الطبيبة.
على السرير الأبيض كانت وداد ترقد مستعدة للفحص وحكت وداد قصتها مع الطبيبة تلك وبالتحديد قصة المواد العشبية والطبيعية التي كانت تعالجها بها، وبعد أن لاحظت الطبيبة وجود نتوءات وتكورات على بطن وداد أسقط في يدها، فأسرعت في تنظيفها من بقايا المواد التي كانت محشورة أسفل بطنها وكادت الدهشة تفقد الطبيبة لسانها وفكرها عندما وجدت مواد غريبة من بينها الصوف وبعض الألياف وبدا أنها قد أصيبت بالعفن وسببت الالتهابات الجرثومية من جراء بقائها فترة طويلة، وأخيرًا وصفت لوداد بعض المضادات الحيوية المناسبة وطلبت منها أن تجري فحص من هذه التورمات الجلدية التي غزت البطن وأن تراجعها بالنتيجة في أقرب وقت ممكن.
أيام ثلاثة مرت ثقيلة على وداد، وهي تنتظر نتيجة الفحص النسيجي للتورمات البطنية، وفي اليوم الرابع كان الوجوم يخيم على غرفة الطبيبة وهي تفض الظرف المحتوي على نتيجة التحاليل بينما كانت وداد ممددة على سرير الفحص تنتظر معرفة ما كتب باللغة الأجنبية في التقرير، ونظرًا لصعوبة الموقف فقد سمحت للزوج بالدخول ليكون على بينة من تفاصيل مرض زوجته، وكانت نتيجة التقرير تشير إلى وجود سرطان في المبيض وحدوث انتقالات متعددة إلى الجسم، وهذا السرطان يسمى في عرف الطب بالدرجة الرابعة أو النهائية حيث لا يمكن استئصاله عن طريق إجراء عملية جراحية إذ لا بد من تحويل المريضة إلى المركز الرئيس في العاصمة لتطبيق جلسات شعاعية على الورم وانتقالاته لأنها الأمل الوحيد في وقف امتداد الورم الخبيث.
وبدا الطريق من القرية إلى العاصمة طويلاً جدًا، كانت الأفكار المحزنة والمخيفة تطرق ذهن الفتاة المسكينة طيلة الرحلة، وبدت الدموع محتبسة في المآقي وكأنها ترفض على استحياء أن تترك العيون الحزينة على أمل أن تقدم لها بعض العزاء في هذه المحنة التي أقحمت الفتاة فيها رغمًا عنها.
بدأ تطبيق المعالجة الشعاعية على ذلك الجسد النحيل، وخلال الجلسات الأولى حدث بعض التحسن ودب النشاط في ذلك البدن، ولكن سرعان ما عاد الضعف من جديد يضرب أطنابه.
وفي إحدى الليالي بدت وداد نشيطة من جديد، كانت البسمة لا تفارق شفتيها. تحدثت كثيرًا عن أيام طفولتها المليئة بلحظات السعادة وأعادت أمام مخيلتها شريطًا طويلاً من الذكريات، تذكرت أهلها، أمها وأباها، وزوجها، تذكرت البيوت الترابية والقباب الشامخة في قريتها الصغيرة، تذكرت ذلك الجدول الصغير الذي كان يروي شجرة السنديان الكبيرة الراسخة أمام البيت، نظرت إلى سقف الغرفة... أطالت النظر.
سالت دمعة كبيرة على الخدود الشاحبة... خفق القلب بشدة، ثم توقف للحظات... عاد يخفق بشكل مضطرب... ثم توقف بشكل كامل معلنًا نهاية مأساة حقيقية أصبح الناس يتداولونها بشكل يومي رافضين كل أساليب الشعوذة والدجل التي اتخذت من ضعاف النفوس مطية لها لتحقيق أهداف دنيئة ووضيعة[/frame].