آثار الران على الإنسان
الحمدلله وحده , والصلاة والسلام على من لانبي بعده , أما بعد:
فمما ينبغي أن يُعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولابد وأن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان , على إختلاف درجاتها في الضرر , وهل في الدنيا والآخره شر وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي.
روى الإمام أحمد عن جبير قال: لما فتحت قبرص , مر بالسبي على أبي الدرداء فبكى , فقلت: يا أبا الدرداء , مايبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك ياجبير , ما أهون الخلق على الله عزوجل إذا أضاعو أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك . تركوا الله فصاروا إلى ماترى.
وللمعاصي من الأثار القبيحة المذمومة والمضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لايعلمه إلا الله , فمنها: (حرمان العلم , فإن للعلم نور يقذفه الله في القلب , والمعصية تطفئ ذلك النور) , ومنها : (وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا توازنها ولا تقارنها لذة أصلاً , ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة , وهذا أمر لايحس به إلا من في قلبه حياة) , ومنها : (الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس , لاسيما أهل الخير منهم , فإنه يجد وحشة بينه وبينهم , وكلما قويت تلك الوحشة بَعُدَ منهم ومن مجالستهم وحُرم بركة الإنتفاع منهم) , ومنها : ( تعسير أموره عليه , فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه) , ومنها : (أن المعاصي تزرع أمثالها , ويولد بعضها بعضاَ , حتى يعز على العبد مفارقتها , حتى إن كثير من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها , إلا لما يجد من الألم في مفارقتها) , ومنها , (أن ينسلخ من القلب إستقباحها , فتصير له عادة , فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له كلهم , ولا كلامهم فيه) , ومنها : (أن المعاصي تفسد العقل , فإن للعقل نوراً , والمعصية تطفئ نور العقل ولا بد , وإذا طفئ نوره ضعف ولابد , فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع والآخر عاص , إلا وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل وفكره أصح , ورأيه أسد , والصواب قرينه) , ومنها : (أنها تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن) , ومنها : (أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه) , ومنها : (أنها تخون العبد أحوج مايكون إلى نفسه , فيخونه قلبه ولسانه عند الإحتضار , فربما تعذر عليه النطق بالشهادة)
المرجع : الداء والدواء , لإبن القيم
منقول