...
عنوان الموضوع جميل، وصياغتة جميلة، وترك محاور في نهايته هو مستخلص لما تريدين الحديث حوله...الموضوع كُتب بحرفية عالية أهنئك.
...
إننا حين نطرح سؤالاً مثل هذا، نتساءل بشكل أو بآخر عن هوُيتنا وأقصد بالهوية (مجموعة النظم، والمبادئ، والقيم الثقافية المستمدة من التراث الضخم...و التي تعتبر اللبنة الأولى في بناء مجتمع حضاري متقدم.!)
إننا أمة على مستوى المبادئ والقيم أمة من الطراز الرفيع، ولكن على مستوى السلوك_اليوم_ وعلى نحو مشاهد نبتعد كثيرًا عن تحقيقها على الأرض، وهذا يعتبر سببًا رئيسًا في تردي الحال، هذا الارتباك، يحيلنا إلى أسئلة مثل هذه الأنواع من الأسئلة (أين ضمائرنا؟ من نحن؟ لماذا صرنا إلى ذلك؟ هذه الأسئلة هي أسئلة عن الهوية لو تأملناها جيدًا، والهوية هي أشبه بالصحة، لا نسأل عنها، إلا إذا فقدناها، أو باتت مهددة..!
إننا لو كنا في حالة تقدم خلقي وسلوكي، _وقولي إن شئتِ_ حضاري..لما طرحنا مثل هذه الأسئلة، لأننا _حينها_ مشغولون بالمكاسب، ومبتهجون بالانتصارات...
إنه سؤال مشروع، ولكن مع ذلك مؤشر لاعتلال...!
إننا حين نشرع في إذكاء ضمير المجتمع، فينبغي ألا يغيب عنا أن المجتمع ما هو إلا مجموعة من الأفراد، وهؤلاء الأفراد يعيشون في بيئة متخلفة، ينتشر فيها الظلم، والجهل، والثقافة المهمشة، وأقصد بها الثقافة التي لا تعمل،
إنه من الواجب علينا إيجاد بيئة صالحة، وإلا أصبحنا نرسم في الفراغ، ونحرث البحر، ونصرخ في وادٍ...حينها لن تعمل المبادئ في الفراغ...
بيئة تنتشر فيها قيم عليا مثل: الإيمان والصدق، والعدل، إلخ إنها مسؤولية الجميع...
إنها مسؤولية المعلم بين تلاميذه، والخطيب من على المنبر، والإعلام بوصفه الموجه الأول للشعوب، وكذلك لا بد من إنشاء مراكز تحتضن الأرواح الصادقة المتطوعة، التي تقيم محاضرات عن أهمية الترابط الاجتماعي، وعن مراقبة الله عز وجل، وتذكر بالسلوك الحضاري الجميل الذي كان يسلكه السلف الصالح، وكيف كانت حياتهم كمجتمع متماسك، مبتعدة عن التهويل والمبالغة حتى لا نشعر أن استفادتنا من خبراتهم في حكم الممتنع...
إنه لا يمكن لنا أن نعمل على إيجاد مجتمع أقوى من أفراده...
وهناك مسؤولية تقع على عاتق المعلمين، فأزمتنا ليست تعليمية فحسب، وإنما أزمتنا هي تربوية بالدرجة الأولى، فما أجمل أن نغرس القيم الحقيقية _مدعومة بالقدوة، والعمل_ في نفوس الناشئة...
...
إن سؤالك عن الحد من تكاثرهم، سؤال جميل، وإنني أرمي بالمسؤولية الكاملة على المجتمع برمته، لا سيما المثقفين الذين يستطيعون إيقاظ الوعي المخدر لدى الناس، والذين منحوا ثقة العامة، ولا بد أن يكونوا أكفاء بحمل هذه الثقة، فليعملوا على تذكير الناس بأهمية مراقبة النفس مع الله، والصدق مع الذات، وإعطاء الحقوق، ويحرِّصون على أهمية القيم الروحية التي يمكن أن نحصل عليها عند تفانينا، وإخلاصنا...
وكذلك مسؤولية الأسرة، فإيقاظ الإحساس بالآخرين، وغيرها من القيم، تشيع في نفس الابن الإحساس بروح الجماعة، وبقيمته كإنسان صالح ينتظر منه أن يقدم واجبًا، ويساهم بشكل أو بآخر في نهوض مجتمعه...
هذا الحس لابد أن يكون هاجس الجميع، صغارًا وكبارًا، وفق ما يسمى بـ(نظرية الحبل المجدول) وهي تعني فيما تعنيه: مجموعة من الشعيرات الدقيقة، فالعمل الإيجابي من الفرد الواحد يزيد في هذا الحبل شعيرة تقويه، والعمل السلبي من أي فرد، يعني أن تنسّل من هذا الحبل المجدول الضخم شعيرة واحدة...وهذا ينسجم مع قول الله تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره)...
الموضوع جميل...تحية
...