يوم عمورية
مع أيام شهر رمضان المبارك تهلّ علينا ذكرى انتصارات المسلمين
في مشارق الأرض ومغاربها في سبيل نشر دين الله
- عز وجل -.
ومن هذه الانتصارات انتصار المسلمين على الروم في موقعة عمورية في رمضان سنة 223هـ.
فقد طمع "تيوفيل بن ميخائيل" ملك الروم في بلاد المسلمين، خاصة عندما علم أن جنود المسلمين جميعهم في أذربيجان يواصلون فتوحاتهم. فأخذ يعبئ الجنود، وخرج قائدًا على مائة ألف من الروم لقتال المسلمين، فوصل إلى حصن "زبطرة"، فقتل الأطفال والشيوخ، وخرّب البلاد، وأسر النساء وسباهن، وانتهك أعراضهن وحرماتهن، ومثّل بكل من وقع في يده من المسلمين.
وكان من ضمن النساء امرأة اقتادها جنود الروم للأسر، فصرخت هذه المرأة، وقالت: "وامعتصماه".
فلما وصل الخبر إلى "المعتصم" خليفة المسلمين استشاط غضبًا، وأخذته الحمية والغضب لله، وقال: "لبيك". وأخذ في الاستعداد، وجمع الجنود، وأعدّ العدة، وخرج على رأس جيش لنجدة المسلمين،
وعسكر بهم في غربي نهر دجلة.
وبعث "المعتصم" عجيف بن عنبة وعمرًا الفرغاني لنجدة أهل زبطرة. فوجدا أن الروم كانوا قد رحلوا عنها بعد الفواحش الكثيرة التي ارتكبوها بأهلها. ولكن المعتصم أصرّ على تتبع الروم وعدم الرجوع عن قتالهم، فسار إلى بلادهم، وسأل عن أقوى حصونها، فعلم أنها عمورية؛ حيث لم يتعرض لها أحد من القادة المسلمين من قبل، وأنها أفضل عند الروم من القسطنطينية نفسها، فصمّم أمير المؤمنين المعتصم على فتح هذه المدينة، رغم ما تلقاه من تحذيرات المنجمين وتخويفهم له من أن ذلك الوقت ليس وقت فتح عمورية؛ إذ قال له المنجمون: "رأينا في الكتب أن عمورية لا تفتح في هذا الوقت، وإنما وقت نضج التين والعنب". لكن المعتصم لم يستجب لهم، ولم يرضخ لخرافاتهم، وقرر فتح عمورية.
أقام المعتصم على نهر سيحان، وأمر أحد قادته وهو "الإفشين" أن يدخل بلاد الروم عن طريق "الحدث"، كما أمر "أشناس" أن يدخل عن طريق "طرسوس"، وحدد لهما يومًا يلتقيان فيه عند أنقرة. واجتمع الجيش عند أنقرة، ثم دخل المدينة، وسار حتى وصل عمورية، ونظّم المعتصم الجيش، فجعل نفسه في القلب، و"الإفشين" على الميمنة، و"أشناس" على الميسرة، وقام الجيش الإسلامي بحصار المدينة حصارًا شديدًا، حتى استطاع أن يُحدث ثغرة في سورها، فاندفع الجنود داخل المدينة، وحاربوا بكل قوة وشجاعة؛ حتى سيطروا على المدينة ،
وانتصروا على الروم.
وهكذا تم فتح أصعب الحصون الرومانية، مما كان له أكبر الأثر في نفوس المسلمين، حيث قويت معنوياتهم، وسهل لهم استمرار الفتوحات في شرق أوروبا.
كما أضعف هذا النصر من معنويات الروم، لأنه أظهر لهم قوة المسلمين وشجاعتهم،
وأنهم أصبحوا قوة لا يستهان بها، ويخشى الأعداء بأسها.
كذلك عايش بعض الروم الحياة الإسلامية، وأعجبوا بأخلاق المسلمين وطهارة سيرهم،
وعظمة دينهم، فدخلوا في الإسلام، بعد أن شعروا برحمته وعدله.
وقد خلّد الشاعر أبو تمام هذا النصر بقصيدة عظيمة، قال في أولها:
[poem=font="Simplified Arabic,5,orange,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/26.gif" border="none,5,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
السيف أصدق أنباء من الكتب
* * * * * في حدِّه الحـدُّ بين الجـدِّ واللعـب
وجاء فيها:
فَتْحُ الفتوح تعالى أن يحيط به
* * * * * نظم من الشعر أو نثر من الخُطَبِ
فتحٌ تَفَتَّح أبوابُ السماء له
* * * * * وتبرز الأرضُ في أثوابها القُشُبِ
يا يوم وقعة عمورية انصرفت
* * * * * عنكِ المُنى حُفّلاً معسولةَ الحَلَبِ
أبقيتِ جدَّ بنى الإسلام في صَعَدٍ
* * * * * والمشركين ودارَ الشرك في صبَبِ[/poem]