اللُّغة العربيَّة لغةٌ خالدة، وذات بنية متماسكة، وهُويَّة تمتزج بالدَّم قبل أن تجري على اللِّسان...اعتراها شيءٌ من التَّشويه، والخدش...؛لأنَّنا نستمدُّ ثقافتنا اللُّغويَّة، وغيرها من أفواه المذيعين، والخطباء، والصُّحف والمجلات، والكتب التي لم تسلم من الهنات اللُّغويَّة، والإملائيَّة، ومن التَّراجم الضَّعيفة التي يعتمد فيها المترجمون على النَّقل الحرفي للكلمة، لا روح الكلمة، كقولهم_مثلاً_ (فلان رائع بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى)...وهل نستطيع، إذا تفوَّهنا بكلمة، أن نريد نصف المعنى أو ربعه؟...
وبعضُ المعلِّمين_للأسف الشَّديد_ ساهموا في إضعاف اللُّغة فاستخدموا العاميَّة بدلاً من الفصحى في إيصال معلوماتهم إلى تلاميذهم، فأوحوا إليهم_بغير وعي منهم_ أنَّ اللُّغة غير ذات قيمة مادامت المعلومة قد وصلت إلى الذِّهن بسلام، فخرَّجوا شبابًا يقاوم اللُّغة، ويعدُّها شيئًا ليس مهمًّا، ويقول بأنَّ الفكرة هي المبتغى، وما علموا أنَّ المعنى والمبنى شيئان متساوقان لا يستغني أحدهما عن الآخر!
وكذلك بعض اللُّغويِّين الغُيُر على لغتهم، رضوا بالخانة اللُّغويَّة التي ورثناها عن أسلافنا، وكأنَّ لغتنا جامدةٌ لا تقبل التَّهذيب أوالتَّجديد، ويأبون التَّقريب بينها وبين العاميَّة، ولا يرون بإيثار الكلمة الصحيحة التي تستعملها العامَّة!
ولا أكاد أبرِّئ التُّجار الذين يمارسون عبثهم في لغتنا، فهاهي إعلاناتهم تكتظُّ بها الشَّوارع، والصُّحف، والقنوات الفضائيَّة، فهم لا يعترفون إلا بالدَّراهم، والرِّبح الوفير، فشاعت الأخطاء الإملائيَّة والنَّحويَّة، فوصلوا ما همزته قطع، وقطعوا ما همزته وصل، وكنسوا زوايا جيوبنا، وأفسدوا لغتنا..!
وعامَّة النَّاس من أمَّة (اقرأ) أصبحت بحاجة إلى من يرشدها إلى القراءة، فانتصب بينها وبين الكتاب جدار جفوة، فمعدل ما يطبع من الكتب في العام الواحد في أمَّتنا العربيَّة (3000) كتاب، وهو عدد قليل قياسًا بعدد أبنائها الذين يبلغون ثلاث مئة مِليون نسمة تقريبًا، ومع هذا لا تكاد تنفد من الأسواق، وأصبحت حبيسة الأرفف، والمكتبات...!