لا ازيد على ما ذكر الاعضاء ولاكن استعير هذا المقال من الكاتب عبدالله بخير
ارجو القراءه بتمعن والحكم على الروايه وفي هذا المقال دلاءل على ان الكاتب ليس هي ولاكن؟؟؟؟
"بنات الرياض"
مقالة نقدية لـ : عبدالله بن بخيت
قرأت رواية بنات الرياض تأليف رجاء عبدالله الصانع (ثلاث وعشرين سنة). ثم أعدت قراءتها مرة أخرى ثم قرأتها مرة ثالثة. من طبعي قراءة الروايات الجيدة أكثر من مرة، بل أتذكر أني قرأت بعض الروايات أكثر من عشرين مرة، ومازلت مشتاقاً لقراءتها حتى الآن. لم أقرأ بنات الرياض أكثر من مرة بدافع الشوق، ولكن لأني وجدت مجموعة من الملاحظات الملفتة للنظر.
يلاحظ كل من قرأ الرواية أن هناك نصين مختلفين أحدهما مقدمة للآخر.
النص الأول أو المقدمة تلح على شيئين الأول أن هذه الرواية تشكلت من ثقافة الإنترنت الشبابية. والشيء الثاني وهو الأهم: الإعلان دون مواربة أن هذا العمل مليء بالفضائح وكشف أسرار البنات في مدينة الرياض.
إذا نحينا المقدمات النص الأول (الصاخب والفضائحي وحكاية الإنترنت) جانباً واكتفينا بقراءة متن الرواية (النص الأصلي) سنرى أن الرواية تقص علينا قصة خمس بنات (لا أربع) يعشن في الرياض. قمرة القصمنجي رمزاً للقصيم كما يعبر اسمها. وسديم الحريملي كرمز لنواحي الرياض ومشاعل (ميشيل) من أم أمريكية ومن عائلة لديها مشكلة طبقية. ولميس الجداوي (حجازية)، أما الخامسة فاطمة فهي من القطيف. لا يخفى عليكم طبعاً ما ترمز إليه. عندما نتأمل في تنويعة البطلات الثقافية سنرى أننا أمام نص يقدم لنا ممثلات لبنية المملكة الثقافية والمناطقية. انتقاء مدروس للشخصيات وليس مجرد هبقات شباب ورسائل إنترنت عفوية.
السؤال الأساسي الذي يطرحه القارئ بتلهف: ما الذي ستقترفه هذه الفتيات من جرائم وخروقات اجتماعية استناداً للمقدمة التي تقول: (سيداتي وسادتي أنتم على موعد مع أكبر الفضائح المحلية، أصخب السهرات الشبابية.. إلخ). هل نحن فعلاً في طريقنا أن نقرأ في هذه الرواية فضائح وسهرات صاخبة؟.
سألخص حياة كل واحدة من تلك الفتيات في أسطر قليلة لأرى إلى أي حد تعكس هذه المقدمة الخطيرة واقع القصة نفسها (المتن).
تبدأ قصة قمرة القصمنجي بالزواج من راشد (الذي لم تره قبل الزواج إلا مرة واحدة أثناء الخلوة الشرعية) ثم تذهب معه إلى أمريكا. استمرت تلبس الحجاب حتى في أمريكا. رغم نفور زوجها من ذلك. مع أن معاملة زوجها كانت سيئة لأسباب لم تفصح عنها الرواية جيداً إلا أنها بذلت كل ما بوسعها لإنقاذ زواجها الذي فشل في النهاية بسبب الرجل السيئ (التنبل). إلى آخر حياتها في الرواية لم نلمس أي شيء يشير إلى الفضائح التي وعدتنا بها المؤلفة في المقدمة. ونفس الشيء ينطبق على سديم الحريملي التي تبدأ قصتها بخطوبتها على وليد الشاري. خطبت بطريقة تقليدية تماماً ولم ترفض أو تحتج بل فرحت كما تفرح أية فتاة تقليدية في مثل سنها. أثناء خطبتها التي لم تطل لم تر فيها خطيبها ولم يراها. بقيت علاقتهما بالتلفون بموافقة والدها وتحت نظره حتى تم عقد القران ثم صارت تلتقي به وأخيراً منحته نفسها قبل حفل الزواج (زوجته على سنة الله ورسوله) فطلقها دون أن يعلم أحد بالسبب. سافرت وحدها إلى لندن. ولدفع الحزن تفرغت لقراءة سيغموند فرويد وكتب أخرى من العيار الثقيل. ثم التقت فراس وبعد عدد من الصدف أحبته حباً كبيراً لتنتهي الأمور بأن يتزوج غيرها. ورغم حبها الشديد له وولائها المطلق له وتفانيها (لم يلمس ظفر من أظافرها) حتى انتهت علاقتها به وانتقالها إلى ابن خالتها لم نقرأ في حياتها أي شيء مما وعدتنا بها المقدمة (أنتم على موعد مع أعظم الفضائح).
ولا تختلف لميس الحجازية عن صديقاتها في النظرة التقليدية للحياة. تعتبر أكثر البنات قدرة على التخطيط. التقت بخطيبها وهو زميل في العمل (مستشفى) وبعد مخطط محبوك دام أشهر نجح هذا المخطط وتزوجت. المهم لم نقرأ في حياتها أي شيء مما وعدتنا به المقدمة. (أنتم على موعد مع أعظم الفضائح).
أما فاطمة القطيفية رغم أنها لم توظف في النص كبطلة أساسية (لعل الدكتور القصيبي يشوف لها وظيفة في القطاع الخاص).. ولكن دورها الثقافي لا يختلف عن دور بقية البطلات. لمسة ضرورية لاستكمال المشهد السعودي الاجتماعي من الناحية الطائفية.
قرأنا خمسة أنماط من المجتمع السعودي ولم نر أي شيء يشي بأن هناك فضائح أو خروجاً على المألوف.. لم يرتكب في كامل النص سوى معصيتين لم تتكررا بعد ذلك. المعصية الأولى عندما شربت لميس الجداوية قليلاً من الشمامبين مع ميشيل في بيت ميشيل (أما النجديات فلم يتبلغنا منه ولا رشفة). والمعصية الثانية (لمن يريد أن يسميها معصية)، عندما ساقت ميشيل بالبنات (في السيارة المظللة) وأوصلتهم للمجمع التجاري. أما بقية الأحداث فكلها أحداث تقليدية تمارسها كل البنات في السعودية. من ناحية فنية لا توجد في العمل تفاصيل روائية وإنما محطات عامة (زواج طلاق سفر) تمهد لبث الرسائل الثقافية النقدية حول كثير من الممارسات الاجتماعية الخاطئة. تأتي هذه الرسائل من وجهة نظر ليبرالية متسقة مع المفاهيم الدينية. ليس وجود البطلات سوى ذريعة لانطلاق المواعظ الليبرالية. إذا استبعدنا المقدمات التي تنادي بالفضائح التي (لم توجد أبداً) سنقرأ نصاً ثقافياً موجهاً بعناية مكتوباً بحذر إنسان مجرب وليس نصاً شبابياً عفوياً. العمل ككل لا يقوم على أحداث وتفاصيل روائية وإنما على تقديم حادثة ثم شرح هذه الحادثة وتبريريها دينياً أو منطقياً في مواجهة التشدد الديني أو العادات والتقاليد القاسية. أحياناً يأتي النص بأسلوب جاد وأحياناً بأسلوب ساخر. أحياناً بلغة عامية وأحياناً بلغة فصحى وفي كل الحالات فالنص متمكن من أدواته اللغوية رغم الضعف الفني.
الذي أثار قلقي من بين هذا كله أن هناك استعراضاً معرفياً لثقافة إنسان عاش في الستينات أو السبعينات. ذكرتني الرواية بمؤلفين ومفكرين وفنانين كدت أنساهم: (ادغار ألن بو) (تي اس اليوت) (كازنتزاكي) (سيغموند فرويد) (إحسان عبدالقدوس) (بييار روفائيل) (يوسف السباعي) (يوسف وهبي) (ماري منيب) (محمود المليجي) إلخ. شيء رائع أن يكون لدينا كاتبة من مواليد الثمانينيات ميلادية بينما مفردات ثقافتها تنتسب إلى الستينات والسبعينيات. كاتبة تعتمد في بناء نصها (الشبابي) على مفردات ثقافة جدتها. هذا ما سوف نناقشه بتفصيل أكثر يوم الاثنين القادم. (جايكم خير) كما تقول الرواية.
بحثت في مقالي يوم أمس الأول في النصين اللذين تحتويهما رواية بنات الرياض لمؤلفتها رجاء عبد الله الصانع (ثلاثٌ وعشرون سنة)، وقد لاحظت أن النصين لا علاقة جذرية بينهما. يمكن وبكل سهولة حذف نص المقدِّمات التي تأتي قبل كل فصل دون أن يفقد النص قيمته أو موضوعه، بل بالعكس عند قراءة النص الأصلي دون قراءة الآيات الكريمات والأحاديث والحِكم والأقوال والقصائد والتهديد بالفضائح سنرى أن النص لا يتوفَّر أبداً على روح المغامرة الشبابية، وإنما كُتب بحذر الإنسان الوقور الذي يتحسّس خطواته.. مما جعل علاقة النص بالجيل الذي تتحدث عنه الرواية علاقة واهية، فالنص يُعبِّر عن ثقافة ووجدان وذوق إنسان عاش في فترة الستينيات أو السبعينيات. دعونا نتلمَّس مفردات النّص الثقافية والاجتماعية والفنية لنرى إلى أي مدى يصح كلامنا هذا.
في السنوات السبع أو الثماني الماضية صار الجوال لاعباً أساسياً في العلاقات الاجتماعية، كما أصبح لعبة صغار السن (من جيل المؤلفة) وهوايتهم الأولى ومحور علاقتهم.. كما أصبح اللاعب الأساس في العلاقات الغزلية بين الشبان في الأماكن العامة، لكن بمطالعة في هذه الرواية نلاحظ أن دور الجوال هزيلٌ جداً، بل إن البلوتوث وكاميرا الجوال وغيرهما من التقنيات المصاحبة غير موجودة على الإطلاق في النّص.
لنقرأ هذا المقطع الصغير من الرواية ونحلِّل دلالاته: (عادت إلى شقتها مستقلة الحافلة لتجد رسالة صوتية مسجلة من أبيها على هاتف الشقة. أخبرها بأنه رتَّب لها برنامجاً للتدريب الصيفي في أحد البنوك التي يتعامل معها....).
هذا الرسالة تدل على عقلية إنسان تربى على نمط الاتصال في السبعينيات. عندما كنا نترك رسالة على التلفون الثابت. في عصرنا هذا لا يمكن أن يتصل إنسان بإنسان على الثابت ويترك له رسالة. هناك شيء اسمه الجوال. لو دخلت جحر ضب لدخل وراءه. بل يفترض أن يكون بحوزته جوالان، أحدهما السعودي الدولي، والثاني المحلي البريطاني. جيل اليوم يكاد يُصاب بالصمم من الجوال.
أشرت يوم أمس الأول إلى ظاهرة غريبة في النّص. أن جميع الشواهد الثقافية تنتسب لجيل السبعينيات كأن المؤلفة عاشت وتشبَّعت بهؤلاء الكُتَّاب. أشرت إلى أن الرواية تستشهد بمحمود المليجي وماريا منيب ويوسف وهبي. هذا سيكون مقبولاً لو أن الرواية تستشهد أيضاً بفناني اليوم، لكن أن تتوقف عند شواهد الماضي شيء مثير للدهشة. العجيب في الأمر عندما أرادت الرواية الحديث عن الوسامة تركت الشباب من جيلها وراحت تستشهد بوسامة حسين فهمي نجم الستينيات والسبعينيات (ياود يا تأيل ياه يا مدوخني)...
لنقرأ هذا المقطع من النّص قبل أن ننتقل إلى ما هو أهم وأعجب. تقول الرواية عن إحدى البطلات: (وجدت في كتابات القصيبي والحمد الكثير من الأحداث والتلميحات السياسية التي ذكرتها بروايات يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس التي أدمنت قراءتها في مرحلة المراهقة) أي مراهقة هذه. إذا كانت البطلات في العشرينيات من العمر متى كانت تلك المراهقة؟.. بنت في أول العشرين من عمرها يُفترض أن تكون مراهقتها في التسعينيات وكتب السباعي وإحسان عبد القدوس اختفت قبل أن تُولد المؤلِّفة بعشرين سنة على الأقل.
إذا تجاوزنا الشواهد الثقافية وبحثنا عن الشواهد الغنائية (المطربين). وهي الأهم في نص يعلن من أول صفحة أنتم على موعد مع (... أصخب السهرات الشبابية.. إلخ) لكي نتتبع السهرات الصاخبة على ماذا تغنَّت. أول ملاحظة في اختفاء فناني العشر السنوات الأخيرة مثل: (نانسي عجرم ونجوى كرم وراغب علامة وجواد علي ووائل كفوري).. إلخ. اختفاء ثقافة الفضائيات برمتها في الوقت الذي تحتفل فيه الرواية بفناني السبعينيات، بل والستينيات مثل فيروز، وأم كلثوم، ونجاة الصغيرة، وعبد الحليم حافظ، وعبد الكريم عبد القادر، ومصطفى أحمد.
مَنْ يتذكَّر فناناً اسمه مصطفى أحمد؟ آخر مرة ظهر فيها مصطفى أحمد في التلفزيون كان بالأسود والأبيض. أي قبل خمسٍ وثلاثين سنة، كيف يرد في ذهن فتاة في العشرين من عمرها. كيف يمكن لنص يريد أن يقدِّم لنا سهرات صاخبة شبابية يتجاهل ضجيج الفضائيات الذي يتحكَّم في ذوق الشباب من الجنسين. يلغي من حياة شخوصه (نناسي عجرم، أليسا، جواد علي، وائل كفوري) إلى آخر المطربين والمطربات الذين يملؤون شاشات الفضائيات رقصاً وغناءً ثم يقيم سهرات صاخبة بذوق ما زال يتغنى بنجاة الصغيرة وعبد الحليم حافظ وعبد الكريم عبد القادر ومصطفى أحمد. وحتى على مستوى الأغاني الغربية لا تذكر الرواية سوى (بنك فلويد) وهذه فرقة انطفأت قبل أكثر من عشرين سنة والفنان باري مانلو من نجوم السبعينيات. أين (ففتي سنت وامينام وشاكيرا) من جيل المؤلفة وجيل البطلات أين هؤلاء عن رواية تعلن من أول سطر فيها وعلى رؤوس الأشهاد أنها ستُقدم (أصخب السهرات الشبابية).
عن أي الأجيال تتحدث رواية بنات الرياض؟ سؤال عجزت عن الإجابة عنه. الكاتبة عمرها ثلاث وعشرون سنة والنص عمره أكثر من خمسٍ وثلاثين سنة.