هيا لنتوب ..كفانا غفلة..
يا صاحب الخطايا أين الدموع الجارية ،
يا أسير المعاصي إبك على الذنوب الماضية ، أسفاً لك إذا جاءك الموت و ما..
أنبت ، والحسرة لك إذا دُعيت إلى
التوبة فما أجبت كيف تصنع إذا نودي بالرحيل و ما تأهبت ، ألست الذي بارزت بالكبائر
و ما راقبت ؟
أسفاً لعبد كلما كثرت اوزاره قلّ استغفاره ، و كلما قرب من القبور قوي عنده الفتور .
اذكر اسم من إذا اطعته افادك ، و إذا اتيته شاكراً زادك ، و إذا خدمته أصلح قلبك و فؤادك ..
أيها الغافل ما عندك خبر منك ! فما تعرف من نفسك
إلا ان تجوع فتاكل ، و تشبع فتنام ، و تغضب فتخاصم ، فبم تميزت عن البهائم !
يا من قد وهى شبابه ، و امتلأ بالزلل كتابه ، أما بلغك ان
الجلود إذا استشهدت نطقت ! اما علمت ان النار للعصاة خلقت ! إنها لتحرق كل ما يُلقى فيها ،
فتذكر أن التوبة تحجب عنها ، و الدمعة تطفيها .
سلوا القبور عن سكانها ، و استخبروا اللحود عن قطانها ،
تخبركم بخشونة المضاجع ، و تُعلمكم أن الحسرة قد ملأت المواضع ،
و المسافر يود لو انه راجع ، فليتعظ الغافل و ليراجع .
يا مُطالباً باعماله ، يا مسؤلاً عن افعاله ،
يا مكتوباً عليه جميع أقواله ، يا مناقشاً على كل أحواله ، نسيانك لهذا أمر عجيب !
إن مواعظ القرآن تُذيب الحديد ، و للفهوم كل لحظة زجر جديد ، و للقلوب النيرة كل يوم به وعيد ، غير أن الغافل يتلوه و لا يستفيد..
كان بشر الحافي طويل السهر يقول : أخاف أن يأتي أمر الله و أنا نائم ..
من تصور زوال المحن و بقاء
الثناء هان الابتلاء عليه ، و من تفكر
في زوال اللذات وبقاء العار هان تركها عنده ، و ما يُلاحظ العواقب إلا بصر ثاقب .
عجباً لمؤثر الفانية على الباقية ،
و لبائع البحر الخضم بساقية ، و لمختار دار الكدر على الصافية ، و لمقدم حب
الأمراض على العافية .
قدم على محمد بن واسع ابن عم له فقال له من اين اقبلت ؟ قال :
من طلب الدنيا ، فقال : هل ادركتها ؟ قال لا ، فقال : واعجباً ! انت تطلب
شيئاً لم تدركه ، فكيف تدرك شيئاً لم تطلبه .
يُجمع الناس كلهم في صعيد ، و ينقسمون إلى شقي و سعيد ،
فقوم قد حلّ بهم الوعيد ، و قوم قيامتهم نزهة و عيد ،
و كل عامل يغترف من مشربه .
كم نظرة تحلو في العاجلة ، مرارتها لا تُـطاق في الآخرة ،
يا ابن أدم قلبك قلب ضعيف ، و رأيك في إطلاق الطرف
رأي سخيف ، فكم نظرة محتقرة زلت بها الأقدام...
ياطفل الهوى ! متى يؤنس منك رشد ، عينك مطلقة في الحرام ،
و لسانك مهمل في الآثام ، و جسدك يتعب في كسب الحطام .
أين ندمك على ذنوبك ؟ أين حسرتك على عيوبك ؟ إلى متى تؤذي
بالذنب نفسك ، و تضيع يومك تضييعك أمسك ، لا مع الصادقين لك
قدم ، و لا مع التائبين لك ندم ، هلاّ بسطت في الدجى يداً سائلة ،
و أجريت في السحر دموعاً سائلة .
تحب اولادك طبعاً فأحبب والديك شرعاً ، و ارع أصلاً أثمر فرعاً ،
و اذكر لطفهما بك و طيب المرعى أولاً و اخيرا ، فتصدق عنهما
إن كانا ميتين ، و استغفر لهما و اقض عنهما الدين ...
من لك إذا الم الألم ، و سكن الصوت و تمكن الندم ،
ووقع الفوت ، و أقبل لأخذ الروح ملك الموت ، و نزلت منزلاً
ليس بمسكون ، فيا أسفاً لك كيف تكون ، و اهوال القبر لا تطاق .
كأن القلوب ليست منا ، و كان الحديث يُعنى به غيرنا ،
كم من وعيد يخرق الآذانا .. كأنما يُعنى به سوانا ..
أصمّنا الإهمال بل اعمانا .
يا ابن آدم فرح الخطيئة اليوم قليل ، و حزنها في غد طويل ،
ما دام المؤمن في نور التقوى ، فهو يبصر طريق الهدى ،
فإذا أطبق ظلام الهوى عدم النور..
انتبه الحسن ليلة فبكى ، فضج اهل الدار بالبكاء فسالوه
عن حاله فقال : ذكرت ذنباً فبكيت ! يا مريض الذنوب
ما لك دواء كالبكاء ..
يا من عمله بالنفاق مغشوش ، تتزين للناس كما يُزين المنقوش ،
إنما يُنظر إلى الباطن لا إلى النقوش ، فإذا هممت بالمعاصي فاذكر
يوم النعوش ، و كيف تُحمل إلى قبر بالجندل مفروش .
ألك عمل إذا وضع في الميزان زان ؟ عملك قشر لا لب ،
و اللب يُثقل الكفة لا القشر..
رحم الله أعظما ً نصبت في الطاعة و انتصبت ، جن عليها الليل
فلما تمكن و ثبت ، و كلما تذكرت جهنم رهبت و هربت ، و كلما
تذكرت ذنوبها ناحت عليها و ندبت ..
يا هذا لا نوم أثقل من الغفلة ، و لا رق أملك من الشهوة ،
و لا مصيبة كموت القلب ، و لا نذير أبلغ من الشيب .
إلى كم اعمالك كلها قباح ، اين الجد إلى كم مزاح ، كثر الفساد فأين
الصلاح ، ستفارق الأرواح الأجساد إما في غدو و إما في رواح ،
و سيخلو البلى بالوجوه الصباح ، أفي هذا شك ام الأمر مزاح .
فليلجأ العاصي إلى حرم الإنابة ، و ليطرق بالأسحار باب الإجابة ،
فما صدق صادق فرُد ، و لا اتى الباب مخلص فصُد ، و كيف يُرد من
استُدعي ؟ و إنما الشان في صدق التوية .
النظر النظر إلى العواقب ، فإن اللبيب لها يراقب ، أين تعب من
صام الهواجر ؟ و أين لذة العاصي الفاجر ؟ فكأن لم يتعب من
صابر اللذات ، و كان لم يلتذ من نال الشهوات .
حبس بعض السلاطين رجلاً زماناً طويلا ثم اخرجه فقال له :
كيف وجدت محبسك ؟ قال : ما مضى من نعيمك يوم إلا و مضى
من بؤسي يوم ، حتى يجمعنا يوم...
جبلت القلوب على حب من أحسن إليها ، فواعجباً ممن لم ير
محسناً سوى الله عز وجل كيف لا يميل بكليته إليه .
إحذر نفار النعم فما كل شارد بمردود ، إذا وصلت إليك أطرافها
فلا تُنفر أقصاها بقلة لشكر .
اجتمعت كلمة إلى نظرة على خاطر قبيح و فكرة ،
في كتاب يًحصي حتى الذرة ، و العصاة عن المعاصي في سكرة ،
فجنو من جِنى ما جنوا ، ثمار ما قد غرسوه .
يا طالب الجنة ! بذنب واحد أُخرج ابوك منها ، أتطمع في دخولها
بذنوب لم تتب عنها ! إن امرأً تنقضي بالجهل ساعاته ، و تذهب
بالمعاصي أوقاته ، لخليق ان تجري دائماً دموعه ، و حقيق أن
يقل في الدجى هجوعه .
أعقل الناس محسن خائف ، و أحمق الناس مسئ آمن .
لا يطمعن البطال في منازل الأبطال ، إن لذة الراحة لا تنال بالراحة ،
من زرع حصد و من جد وجد ، فالمال لا يحصل إلا بالتعب ،
و العلم لا يُدرك إلا بالنصب ، و اسم الجواد لا يناله بخيل ،
و لقب الشجاع لا يحصل إلا بعد تعب طويل .
كاتبوا بالدموع فجائهم الطف جواب ، اجتمعت أحزان السر
على القلب فأوقد حوله الأسف و كان الدمع صاحب الخبر فنم .
كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره ، و شهره يهدم سنته ،
و سنته تهدم عمره ، كيف يلهو من يقوده عمره إلى اجله ،
وحياته على موته .
إخواني : الدنيا في إدبار ، و اهلها منها في استكثار ،
و الزارع فيها غير التقى لا يحصد إلا الندم .
ويحك ! أنت في القب محصور إلى ان ينفخ في الصور ، ثم راكب أو مجرور ، حزين او مسرور ،
مطلق او مأسور ، فما هذا اللهو و الغرور !
بأي عين تراني يا من بارزني و عصاني ، بأي وجه تلقاني ،
يا من نسي عظمة شاني ، خاب المحجوبون عني ، و هلك المبعدون مني .
ألا رُب فرح بما يؤتى قد خرج اسمه مع الموتى ، ألا رُب معرض
عن سبيل رشده ، قد آن أوان شق لحده ، ألا رُب ساع في جمع حطامه ،
قد دنا تشتيت عظامه ، ألا رُب مُجد في تحصيل لذاته ، قد آن خراب ذاته ..
يا مضيعاً اليوم تضييعه أمس ، تيقظ ويحك فقد قتلت النفس ،
و تنبه للسعود فإلى كم نحس ، و احفظ بقية العمر ،
فقد بعت الماضي بالبخس ...
عينك مطلقة في الحرام ، و لسانك منبسط في الآثام ،
و لأقدامك على الذنوب إقدام ، و الكل مثبت في الديوان .
أذبلوا الشفاه يطلبون الشفاء بالصيام ، و أنصبوا لما انتصبوا
الأجساد يخافون المعاد بالقيام ، و حفظوا الألسنة عما لا يعني
عن فضول الكلام ، و اناخوا على باب الرجا في الدجى إذا
سجى الظلام ، فأنشبوا مخاليب طمعهم في العفو ،
فإذا الأظافير ظافرة .
يا مقيمين سترحلون ، يا غافلين عن الرحيل ستظعنون ،
يا مستقرين ما تتركون ، أراكم متوطنين تأمنون المنون..
وعظ أعرابي ابنه فقال : أي بني إنه من خاف الموت بادر الفوت ،
و من لم يكبح نفسه عن الشهوات أسرعت به التبعات ،
و الجنة و النار أمامك .
إن النفس إذا أُطمعت طمعت ، و إذا أُقنعت باليسير قنعت ،
فإذا أردت صلاحها فاحبس لسانها عن فضول كلامها ،
و غُض طرفها عن محرم نظراتها ، و كُف كفها عن مؤذي
شهواتها ، إن شئت ان تسعى لها في نجاتها..
علامة الاستدراج : العمى عن عيوب النفس ،
ما ملكها عبد إلا عز ، و ما ملكت عبداً غلا ذل ..
ميزان العدل يوم القيامة تبين فيه الذرة ، فيجزى العبد على
الكلمة قالها في الخير ، و النظرة نظرها في الشر ،
فيا من زاده من الخير طفيف ، احذر ميزان عدل لا يحيف ..
يا من أجدبت أرض قلبه ، متى تهب ريح المواعظ فتثير
سحاباً ، فيه رعود و تخويف ، و بروق و خشية ، فتقع
قطرة على صخرة القلب فيتروى و يُنبت .
قال بعض السلف : إذا نطقت فاذكر من يسمع ، و إذا نظرت
فاذكر من يرى ، و إذا عزمت فاذكر من يعلم .
قال سفيان الثوري يوماً لأصحابه : أخبروني لو كان معكم
من يرفع الحديث إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشئ ؟ قالوا :
لا ، قال ، فإن معكم من يرفع الحديث إلى الله عز وجل . .
كلامك مكتوب ، و قولك محسوب ، و انت يا هذا مطلوب ،
و لك ذنوب و ما تتوب ، و شمس الحياة قد اخذت في الغروب
فما أقسى قلبك من بين القلوب .نفــع الله بهـــا