للبيئة أثر فاعل في تكوين شخصية الشاعر , وينعكس ذلك الأثر على الشعر
وقد استطاع الأندلسيون رسم حروف الإبداع وإعادة الهيكلة الفنية الرائعة للشعر العربي 0
وحققوا قفزة هائلة في وقت ضعف فيه الشعر في عصور اتخذت الشعر تكسباً
متأثرين ببيئتهم الرائعة , فامتلكوا قدرات تعبيرية وفنية ساحرة نتاج لبيئتهم ومحيطهم الرائع !
يقول ابن زيدون الشاعر الأندلسي :
والروض عن مائة الفضي مبتسم .. كما شققت عن أللبات أطواق
إرغام قوي للحروف لتتوافق في ما يشعر به الشاعر لحظتها ، فهو يبدع
وتجود قريحته الشعرية عندما يقف أمام تلك المشاهد الخلابة من شروق الشمس فوق تل أو جبال 0
و غروبها بين ركام السحب ، ففي تلك اللحظات تعتلى مشاعر كثيرة والشاعر هو الوحيد
الذي يستطيع اخراجها ليتجلى الإبداع في المفردات الساحرة وفي شفافية المنظر وجماله
وعملية الإبداع والجمال المرتبطة بالبيئة وتأثيراتها الجمالية والنفسية تتطلب حسا عاليا
وشفافية رائعة لتعكس هذا التأثير ، وهذا ما ظهر لنا في معظم قصائد الأندلسيين .
انظر لهذا المثال على اختلاف البيئة واثرها في مفردات الشاعر
دخل علي بن الجهم وهو شاعر الأعراب القادم من البادية على الخليفة هارون الرشيد فأنشده مادحاً:
أنت كالدّلو لاعدمناك دلواً من كبار الدلا عظيم الذنوب
وأنت كالكلب في حفظك للودّ وكالتيس في قراع الخطوب
فهو لم يرَ في بيئته سوى الدلو والكلب والتيس فمدح بما رأه في بيئته كمثال للخير و الود والقوة
فأدرك الخليفة تأثّر مادحه ببيئته وأمر أن يُعتنى به ويثقّف ويأخذ بمباهج الحضارة
وبعدما تمّ له ذلك دخل على الخليفة فأنشده :
عيون المها بين الرّصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وأنشده : يا من حوى ورد الرياض بخدّه وحكى قضيب الخيزران بقدّه
دعْ عنكَ ذا السيف الذي جرّدته عيناك أمضى من مضارب حدِّهِ