عن سليمان بن عامر الضبي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور" رواه الترمذي وأبو داود، وعن أنس رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات فتميرات ، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء" رواه أحمد ومسلم في صحيحه وأو داود والترمذي وابن ماجة.
وهنا تظهر الحكمة النبوية الشريفة في الإفطار على مادة سكرية كالتمر قبل أداء صلاة المغرب، لأن التمر يحتوي على نسبة عالية من السكريات التي لا تحتاج إلى عمليات هضم معقدة لتتحول إلى مواد أخرى، كما يحدث في هضم النشويات ، ولذا فالمواد السكرية تعوض الجسم عن نقص السكري في الدم أثناء الصوم وتزيل كافة الأعراض الناتجة عن نقص السكر. () ومن حكم وفوائد الإفطار على التمر:
المعدة لا ترهق بما يقدم إليها من غذاء دسم وفير، بعد أن كانت هاجعة طيلة ثماني عشرة ساعة تقريبا ، بل تبدأ عملها بالتدرج في هضم التمر السهل الامتصاص ، ثم بعد نصف ساعة يقدم إليها الإفطار المعتاد.
1/ تناول التمر أولا يحد من جوع الصائم وإقباله على الطعام، فلا يقبل على المائدة بنهم شديد.
2/ المعدة تستطيع هضم المواد السكرية في التمر خلال نصف ساعة ، فإذا بالدم يزود الجسم بالوقود السكري الذي يبعث في خلاياه النشاط ، فيزول الإحساس بالدوخة والتعب سريعا. ()
وبهذا الخصوص يقول الإمام ابن قيم الجوزية : " وفي الفطر على التمر تدبير حسن لأن الصوم يخلي المعدة من الغذاء فلا يجد الكبد ما يجذبه ويرسله إلى القوى العاملة، والحلو أسرع الأشياء في الوصول إلى الكبد واحبها إليه، ولا سيما إذا كان البلح رطبا فيشتد قبوله إلى الكبد فينتفع به ويرسله إلى القوى العاملة بسرعة، وتعوض الجسم عنه نقص السكر في الدم أثناء الصوم وتزيل الأعراض الناتجة عن نقص السكر في الدم أثناء الصوم مثل عدم التركيز ، وعدم القدرة على الحركة ، والشعور بالضعف والكسل وزوغان البصر" . ()
الخلاصة :
إن الإسلام وبما يمثله من رسالة عالمية شمولية جاءت لنظم حياة البشر قد احتوى على جملة من الأسس والمباديء العامة التي تنظم تعامل الإنسان مع الغذاء من حيث ترشيد النظرة إليه والدعوة إلى الاقتصاد وعدم الإسراف في تناوله والاعتدال فيه، إلى جانب الحث على ضمان جودته وسلامته وعدم الغش به.
ولم يقتصر دور الإسلام على ذلك، بل تعداه إلى تأسيس نظام صحي وغذائي يضمن تحقيق سلامة الإنسان وحفظ صحته. كما وجه إلى ضرورة تأمين احتياجات الإنسان منه، وهو ما عرف يما بعد بالأمن الغذائي. وقد تضمن صوم رمضان وما يرافقه من آداب وأحكام حفظ صحة الإنسان وإبعاده عنه السمنة وما تبعها من أمراض تهدد حياته وتعرضها للخطر.
وقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية بذكر العديد من الأغذية الطيبة النافعة ، بالاضافة إلى ذكر الأطعمة المحرمة الضارة التي أثبت العلم الحديث خطورتها وضررها على صحة الإنسان وسلامته.
وقد حظيت مسألة الرزق بتكفل الله تعالى بها، فالاستقرار والاطمئنان من أعظم نعم الله تعالى لا تتيسر إلا بالأمن الغذائي، وعدم تبذيره والإسراف فيه ، لأن الانحلال الخلقي يسبق الإنهيار الإقتصادي العلاقة بينهما تلازمية ، قال تعالى : { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}.
وللمسلم نظرة خاصة للغذاء ، فهو لا ينظر إليه كما ينظر إليه غيره من ناحية شهوانية أو دنيوية ، وإنما ينظر إليه على أساس تعبدي يعينه على عبادة ربه تعالى ، كما قال صلى الله عليه عليه وسلم " نحن قوم لا نكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع" ، فالمسلم ليس بالنهم ولا بالشهواني فالغذاء عامل مساعد على القيام بالواجبات واسداء الحقوق الى أهلها " وإن لبدنك عليك حقا".