[align=center]
موقف الشخصية الإسلامية من المتغيرات العصرية
من المعروف أن العصر الذي نعيشه الآن هو أكثر العصور تغيرات،
في المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية والصناعية وغيرها من المتغيرات
وكل هذه المتغيرات تتأثر بجملة عوامل من أبرزها تطور العلوم والفنون والصناعات وليس وسائل المواصلات والاتصالات
وبعد العصر الذي أطلقوا عليه عصر النهضة الاوروبية أخذت هذه المتغيرات في العالم عموما ً
وفي عالمنا الاسلامي على وجه الخصوص شكلا ً حادا ً ، تناول مظاهر عديدة من حياة الناس .
لقد حملت الحضارة الغربية إلى العالم كله أو معظمه ألواناً من الإلحاد والنكوص عن الحق ،
والعودة بالإنسان إلى همجية الإستغناء عن الدين ، إذ نادى عدد كبير من المفكرين الغربيين بأنه لا داعي للدين ولا حاجة بالناس إليه.
وسواء أكان مبعث هذا الإلحاد هو موقف الكنيسة من الدين نفسه أو كان إنحراف الكنيسة عن الحق ، أو كان تحول الناس إلى المادة وكفرهم بما سواها ..
فإن الحضارة الغربية دون شك قد وقفت من الدين ـ أي دين ـ موقف الجحود والنكران .
ففي بداية القرن التاسع عشر الميلادي
وجه نابليون سؤالا ًإلى عالم فلكي مشهور عندهم هو (( لابلاس )) عن عمل القدرة الإلهية في تنظيم الأفلاك ؟ .
فكان جواب (( لابلاس )) : إنه لم يجد في نظام السماء ضرورة للقول بتدبير إله .
فكان هذا الفكر بداية طريق سعى فيه عدد غير قليل ممن اضلهم غرورهم ، وما حسبوه علما ً وهوعلى الحقيقة ليس بعلم .
وفي أخريات القرن التاسع عشر الميلادي في عام 1884 م كتب (( جيمس فتزستيفن )) يقول :ـ
(( إذا كانت الحياة الإنسانية في نشاتها قد استوفى العلم وصفها ، فلست ارى بعد ذلك مادة باقية للدين ... إلخ )) .
ومثل هذه الكلمات وغيرها هي التي بذرت بذور الشك في النفوس
إن هذا القرن العشرين الميلادي هو قرن الشك في النفوس وزعزعة الدين عن مكانه وتهوين شأن مكانته .
فلقد انتقل مفكروا هذا القرن من الإيمان بالدين ـ بعد أن جردوه من محتواه ـ إلى الإيمان بالعقل ،
فلما وقف بهم العقل عند حدوده ، انتقلوا إلى الإيمان بالعلم الحديث
ومن أهم هذه المتغيرات في مجالاتها المتعددة ما يلي :ـ
( 1 )
في المجال الإجتماعي
حدث تغير في بعض مفاهيم الأسرة وفي صلة أفرادها بعضهم ببعض ،
وهي تغيرات مارسها أصحابها باسم الحرية حينا ً وباسم التربية حينا ً وباسماء أخرى.
كما حدث تغير في الحياة الاجتماعية يحولها من صورة إلى أخرى ، ويتناول كل فرد من أفراد المجتمع .
فكان نصيب المرأة من هذا التغير كبيرا ً ، نال زيها وشكلها وأخلاقها وعاداتها ،
كما كان للرجل نصيب ليس باليسير ، تناول كذلك زيه وشكله وخلقه ،
وتناول الجار فانتقص من حقوقه ، وتهاون في واجباته ، وتناول ذي الأرحام وسائر أفراد المجتمع .
( 2 )
في المجال السياسي
كانت هناك تغيرات تناولت أنظمة الحكم ، وطبيعة العلاقات بين الدول سلما ً وحربا ً
وتناولت بشكل حاد وحاسم علاقة الحاكم بالمحكوم ،
وتكتلت الدول وراء مذاهب في السياسة والحكم حتى أصبح العالم كتلتين : غربية وشرقية ، وأصبح لكل منهما ذيولها واتباعها .
ولقد طحنت هذه المتغيرات السياسية الدول الصغيرة أو الفقيرة ، واتخذت منها الدول الكبرى اسواقا ً لاسلحتها ومبادئها وعقائدها ،
كما أصبحت بعض هذه الدول الصغيرة ضحيا حين تمردت على سادتها وكبرائها .
( 3 )
في المجال الفكري والثقافي
تعددت المتغيرات فتناولت عديدا ً من ألوان الفكر ومجالات الثقافة .
ليست في صالح الإنسان في حاضره ولا في مستقبله ،
والتي تقوم على الإلحاد أو على التهوين من شأن الدين وانعتاق الإنسان من أي قانون أو نظام
ومن الواضح أن هذه المتغيرات في الفكر والثقافة تنتقل سريعا ً إلى السلوك الفردي والإجتماعي .
( 4 )
في المجال الاقتصادي
حدثت متغيرات كثيرة ، ربما كانت أحدّ هذه المتغيرات وأعنفها وأقدرها على اصطناع العداوة بين الناس هو:ت
بروز الذهب التجاري الاقتصادي الذي يقول : إن ثروة الأمم تتوقف على ما تمتلكه من الذهب والفضة
إذ يتعين على الدولة أن ترسم سياستها الإقتصادية على الوجه الذي يؤدي ‘لى زيادة رصيدها من الذهي والفضة ،
فتدخلت تدخلا ً سافرا ً في الإقتصاد ، وبخاصة في القيود التي فرضتها على التجارة بقصد تحقيق فائض في الميزان التجاري
الذي هوومحور السياسة الاقتصادية بعامة .وحين برز هذا المذهب وأمور الدول تتقلب ما بين نظريات اقتصادية متعددة ،
تدعي كل منها أنها تحقق الرخاء للمجتمع .
إن المواجهة لتلك المتغيرات
إنما تتم على وجهها الصحيح
إذا روعيت القواعد العامة التالية :ـ
أولا ً
الإيمان والإقتناع بالأكتفاء بالرسالة والإستغناء بالنبي عليه الصلاة والسلام عن اتباع ماسواه اتباعا ً عاما ً ،
فقد أقام الله سبحانه وتعالى الحجة على خلقه برسله .
ثانيا ً
الإيمان بأن القرآن الكريم مستقل بنفسه ، لم يحوج أصحابه على كتاب آخر ،
بل اشتمل على جميع ما في الكتب من المحاسن وعلى زيادات كثيرة لم توجد في الكتب
ولهذا كان مصدقا ً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا ً عليه يقرر ما فيها من الحق والباطل ويبطل ما حرف منها وينسخ ما نسخه ..
والإيمان بأن السنة النبوية مفصلة للقرآن الكريم وموضحة له وكذلك سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
وأن المسلم لا غنى له عن كتاب الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
ثالثا ً
الإيمان بأن السعادة والهدى في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن الضلالة والشقاء في مخالفته
وأن سعادة العباد في معاشهم ومعادهم باتباع الرساله .
في ضوء هذه القواعد العامة التي ذكرنا ،
تستطيع الشخصية الإسلامية أن تواجه كل المتغيرات وأن تأخذ منها وتترك ،
وأن ترشدها وتسددها في إطار الاعتزاز برسالتها وكتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم
هذه الشخصيو الإسلامية العالمية التي تواجه تلك المتغيرات مراعية تلك القواعد العامة التي ذكرنا
لابد أن نضع لها تعريفا ً تتضح به مكنوناتها وأسلوبها في تلك المواجهة ،
فهذه الشخصية الإسلامية لابد أن تتصف بالصفات التالية :ـ
أولا ً
لابد أن تكون هذه الشخصية ملتزمة بأصول هذا الدين وفروعه وآدابه في كل سلوك تسلكه .
ثانيا ً
لاتوصف الشخصية بانها إسلامية عالمية إلا إذا كانت قد تربت على أدب القرآن والسنة النبوية .
ثالثا ً
هذه الشخصية الإسلامية لابد أن يملأها الإعتزاز بأنها وريثة أكمل منهج وأتم نظام ، وأنها التي أئتمنت على تبليغ دين الله إلى عباده
رابعا ً
لابد أن تكون هذه الشخصية الإسلامية على فقه بدينها وعلى علم بأمور هذا الدين .
خامسا ً
لابد أن تكون هذه الشخصية الإسلامية وهي تواجه هذه المتغيرات ذات نظرة موضوعية لها ،
يجب أن يكون الهدف هو أن تستقيم الحياة وفق شريعة الإسلام . دون أن يكون الهدف هو الأخذ من هذه المتغيرات أو الرفض لها مطلقا ً
أما الأسلوب الذي يجب أن تتبعه الشخصية الإسلامية في مواجهة هذه المتغيرات
فإنه يخضع كذلك لضوابط عامة منها مايلي :ـ
أولا
هذه المتغيرات في جميع المجالات الحياتية
يجب أن تعرض معطياتها في كل مجال على حده
ثم ينظر في هذه المعطيات أهي متفقة مع أصول الدين وفروعه وآدابه أم لا ؟
فإن كانت متفقة فلا بأس من الأخذ بها إذا كان ذلك في مصلحة المسلمين.
وإذا كانت هذه المتغيرات في أي مجال من مجالاتها تتصل بأمر من أمور الدين عقيدة أو عبادة ،
كان لابد من ترك العمل بها أو الأخذ منها مطلقا ً
لأن الدين عقيدة وعبادة أكمله الله واتمه ، ولا مجال لأحد كائن من كان أن يغير هذا الدين
وإذا كانت هذه المتغيرات في أي مجال من مجالاتها تتصل بأمر من أمور الدنيا نظر فيها
فإذا كانت تختلف مع شيء من أصول الدين وفروعه وآدابه تركت .
ثانيا ً
هذه الأمور الدنيوية التي انحصر فيها الأخذ أو الترك ،
ينبغي أن يعلم أن الإسلام ينظر إليها نظرة موضوعية
لا يحرم على المسلمين الأخذ منها مطلقا ً وإنما يجعل ذلك في الإطار الذي تحكمه القواعد العامة التي أشرنا إلى بعضها .
ثاثا ً
هذه الشخصية الإسلامية العالمية
يجب أن تنظر إلى جميع معطيات هذه المتغيرات
على انها جهود أفراد واجتهادات مجتهدين ، قد تخطيء وقد تصيب ، وقد توافق أصول ديننا وقد تخالفه .
وعندها يجب علينا الأخذ بالصالح النافع الموافق لديننا وترك الطالح والضار والمخالف لأصول هذا الدين الحنيف
مـنـقـو ل من ملفات قديمه من ارشيف شامل عام 1417 هـ
مع
اجمل المنى
شامل[/align]