هناك مواقع على شبكة الإنترنت تبث كلاماً وسوراً على نسق القرآن، وليست قرآناً بهدف التشكيك، والتحريف، وزعزعة الإيمان به، كما يوجد عدد من القنوات الفضائية للطعن في الإسلام، فما الدور الواجب علينا نحن المسلمين أن نقوم به دفاعاً عن قرآننا وعقيدتنا؟..
كان ذلك هو التساؤل الذي طرحناه على عدد من الأساتذة المختصين بالقرآن الكريم وعلومه.. فماذا قالوا؟!
التصدي بقوة
في البداية يقول الدكتور العباس بن حسين الحازمي أمين الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه: إن الواجب الذي يجب على أفراد الأمة الإسلامية أن يقوموا به، أولاً: يجب على العلماء أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من البلاغ والبيان للناس، وعامة الناس في مثل هذه الظروف تتعلق أبصارهم وأفئدتهم بعلماء الأمة، والموقف الواضح البين الذي يجب أن يكون لهم، ثانياً: يجب على عموم الأمة عالمهم وعاميهم أن تزيدهم محاولات التحريف والتشكيك هذه إيماناً ويقيناً بصدق هذا القرآن، وأن تزداد صلتهم بهذا القرآن تلاوة وتدبراً وحفظاً وتفسيراً، يجب أن تتضاعف حلقات تحفيظ القرآن، ودروس التفسير، ومؤلفات علوم القرآن، ولقاءات تدبر القرآن عبر كافة الوسائل، سواء وسائل الإعلام (تلفاز - فضائيات - إذاعات - صحف - مجلات)، أو المساجد، والمدارس، وكافة المؤسسات.
نشر العلم الصحيح
أما الدكتور عصام بن عبدالمحسن الحميدان الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن فقال: إن الدفاع عن القرآن الكريم أمام حملات التشكيك والتحريف واجب على كل مسلم ومسلمة، وقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتابة القرآن الكريم عن طريق كتبة الوحي من الصحابة، وقام خلفاؤه من بعده بجمع القرآن الكريم، كل ذلك لحفظه من التحريف والتبديل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).
وأول من يحمل العلم أهل القرآن، وإذا لم يقم المسلمون بواجبهم تجاه كتاب ربهم حفظاً وتفسيراً، لتسلق كل جاهل ومبتدع، كما قال صلى الله عليه وسلم :(إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء، فإذا فني العلماء اتخذ الناس رؤساء جهالاً فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلوا)، ومواجهة الجهال لا تغني فيها الجهود الفردية، بل لابد من تضافر الجهود رسمياً وشعبياً للدفاع عن دستور المسلمين (القرآن الكريم)، ولو قام أحد الناس بمهاجمة دارك أو سيارتك أو أملاكك لقمت في وجهه، وأخذت حقك منه، ورفعت عليه قضية، وحاكمته إلى المسؤولين، فكيف بكتاب الله تعالى الذي هو حياتنا ومصيرنا؟!
وقبل أن أبدأ في ذكر الوسائل، لابد أن أشير إلى أن دأب أعداء الإسلام منذ بزوغ فجره التشكيك في القرآن الكريم، والطعن في الإسلام، وهذا هو عملهم الذي فرغوا أنفسهم له، فخير وسيلة للدفاع عن القرآن الكريم هي التمسك به، وتمثله في حياة المسلم، كما قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان خلقه القرآن)، فإذا كان كل مسلم يعيش القرآن في حياته، فلن تفلح أي جهود مهما بلغت في صرفه عن منهج حياته.
أما بقية الوسائل فهي كالتالي: أولاً: نشر العلم الصحيح، والتوعية الواسعة في أوساط المسلمين بالاعتقاد الصحيح وأصول الدين، لأن كل من يعمل المشككون في أوساطهم هم جهلة المسلمين الذين لا يعرفون عن القرآن الكريم إلا اسمه فقط، ولو أنهم فقهوا الإسلام لعرفوا الغث من السمين، والصحيح من الدخيل، ثانياً: الاهتمام بطباعة المصحف الشريف بأصوله المصححة، والتأكيد على الحفاظ على الرسم العثماني، وجهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف من أفضل النماذج في العالم لهذا الواجب، إن لم يكن أفضلها، ثالثاً: رصد المواقع والجهات التي تصدر ما يضاد القرآن الكريم، والتحذير منها على جميع الأصعدة، والتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي لحث الدول الإسلامية وغيرها على التصدي لهذه الهجمات، رابعاً: تشجيع الإعلام الإسلامي الهادف الذي يوصل الرسالة الإسلامية بشكل صحيح، وإنشاء مجلات خاصة بالقرآن الكريم، ودعم القنوات الفضائية المهتمة بالقرآن الكريم وعلومه، خامساً: دعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم التي يتعلم فيها الطلاب الرسم القرآني، ويحفظ النص كما أنزل، لأن المشكك لا يستطيع أن يقنع حافظ القرآن الكريم بخلاف ما يحفظه هو، ويحفظه جميع المسلمين، سادساً: تنظيم المؤتمرات التي يقدم فيها المتخصصون دراساتهم حول الشبه والدعايات، والأساليب التي يسلكها أعداء الإسلام للطعن في القرآن، سابعاً: قيام خطباء الجوامع بدورهم نحو القرآن الكريم، بالتأكيد على ما سبق، وتوعية المسلمين بما يستجد من بدع وحملات ضد الإسلام والقرآن.
مؤتمر عالمي
ويطالب الدكتور عبدالعزيز بن سليمان أبو صقر الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، لمعالجة مشكلة التطاول على القرآن، وتحريفه، ما يلي:
أولاً: عقد مؤتمر أو ندوة يشارك فيها كل مسلم يعنيه هذا الأمر، وتقدم فيها كل الاقتراحات العلمية الممكنة والمدروسة لمواجهة هذا التحدي.
ثانياً: إنشاء هيئة خاصة مستقلة صلب عملها متابعة المخالفات التي تسيء إلى الدين الإسلامي، ومتابعة ذلك مع الجهات المعنية.
ثالثاً: الاتصال بكل الوسائل الممكنة بالمحطات الفضائية والإذاعات والمواقع الإلكترونية التي يبدر منها أي إساءة للدين الإسلامي.
رابعاً: مخاطبة وزارات الأوقاف والمنظمات والهيئات الإسلامية الرسمية والشعبية لتتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن الدين والملة.
خامساً: مخاطبة جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة لإصدار قانون يجرم كل من يطعن الدين الإسلامي أو رسوله أو كتابه.
قضية قديمة متجددة
ويرى الدكتور فهد بن سعد الجهني أستاذ أصول الفقه بجامعة الطائف: أن محاولات النيل من الإسلام وتضليل المسلمين قديمة متجددة، وهي مما حكاه القرآن ليكون المسلم على يقظةٍ ووعي بما قد يتعرض له في دينه ومعتقده، فلا يضيق صدره ولا يشك في طريقه، بل يتيقن أن الله غالب على أمره وأنه لا يهدي كيد الخائنين.
ومن تلك النصوص قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، والذي يظهر من الآية الكريمة أن هؤلاء الكفار ليسوا حريصين على أن المسلم يدخل في دينهم، بل حرصهم على تشكيكه في دينه ومن ثم انتظامه في منهجهم وسلوكهم وطريقة تفكيرهم - والله أعلم -.
وما يظهر بين فترةٍ وأخرى من محاولاتٍ يائسة للنيل من كتاب الله ومحاولة مضاهاته بشيء من الكتابات التي تكتب على وفقه ورسمه، يأتي ضمن هذه السلسلة النكدة من الاعتداء والمكر ولكن المؤمن - ولله الحمد - لابد أن يطمئن ويتقين أن كتاب الله محفوظ ومصان من الخطأ والنقصان والزيادة، والذي ينبغي أن هذه المحاولات وغيرها لا تزيد المسلم إلا رسوخاً ويقيناً بهذا (القرآن) الذي نبأنا نبأ صدقٍ وحق بكيد أعداء الحق في كل عصرٍ وآن!
وفائدة أخرى مهمة: وهي أننا يجب أن ننصر قرآننا في نفوسنا أولاً، قبل أن ننصره من أعدائنا!، وذلك باستشعار عظمته وقوته وشدة تأثيره (والتي استشعرها الأعداء فكادوا له)، فنجتهد أن يكون القرآن جليسنا وأنيسنا وهادينا، وأن نكثر من تلاوته وحفظه ولا نتخذه مهجوراً.
نقلآ عن جريدة الجزيره