[align=center]في صباح السبت 12/6/1427ه كنت في مكالمة مع الزميل المخرج مشبي بحاري أطمئن فيها على الزملاء في إذاعة الرياض وأتسقط أخبارهم بعد أن أصبحت بعيداً عنهم ببدني لا بقلبي، وإذا هو يعزيني في الزميل سعيد شوشة الثبيتي .. لم أصدق الخبر وقلت : لعلها مزحة ثقيلة من أحد الزملاء، وإذا هو يؤكد الخبر . لم أشأ أن أصدق رغم ثقتي بالأخ مشبي، فاتصلت بالزميل عبد العزيز الزاحم رئيس قسم الإخراج، وهو القسم الذي ينتسب إليه زميلنا العزيز سعيد شوشة ؛ للتأكد من الخبر، وياللفجيعة قال لي بصوت حزين ومؤثر: ما سمعته صحيح ولا حول ولا قوة إلا بالله . لقد توفي في الطائف إثر نوبة قلبية حادة رحمه الله ..
جلست في منزلي في ذهول غير مصدق وفي وجوم ظهر أثره علي وعلى كل من رآني ..، وتواصلت المكالمات من كل مكان ومن عدد من الزملاء والأصدقاء: د.محمد الربيّع، سعد الجريس، د.صالح المحمود، عبد الله الوشمي، د.سلطان القحطاني، مقعد السعدي، علي السبيعي ..وغيرهم يقدمون العزاء وقد عرفوا صلتي بالفقيد على مدى عشرين عاماً أو تزيد. والحق أن المخرج القدير سعيد شوشة الثبيتي رحمه الله رحمة واسعة من الرجال العصاميين الذين حفروا أسماءهم بقوة في إذاعة الرياض نحواً من ثلاثين عاماً، وارتبط اسمه بالبرامج الثقافية ؛ ولذلك يندر أن تجد أحداً في الوسط الثقافي لا يعرفه .
ولقد عملت معه في أكثر من برنامج، بل إن معظم برامجي أخرجها الأستاذ سعيد، ومنها : عالم الأدب من إعداد خليل الفزيع، من مرافئ التراث، الإذاعة في ضيافتك (رمضان 1419ه)، ضيف الأسبوع ومدته ساعة وأنتجت منه اثنتين وعشرين حلقة عامي ( 1419/1420ه)، الأندية الأدبية، وهو برنامج أنتج بمناسبة اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية عام 2000م . وقد سجلت منه اثنتين وعشرين حلقة وأذيع عام 1421ه، في محيط الأدب (رمضان 1423ه) .
أما أكثر البرامج التي أعتز بها وأخرجها المرحوم سعيد الثبيتي فهو برنامج «أسئلة في اللغة والأدب»، وهو برنامج أدبي مباشر مدته تسعون دقيقة أذيع في المدة من 1423 - 1426ه كل أربعاء، وقمنا بإنتاج ثمان وتسعين حلقة، واستضفنا فيها عدداً من أبرز النقاد والأكاديميين .
ولقد أنتجنا حلقتين من البرنامج في ربيع الأول من عام 1424ه في أستديو الدمام بإشراف الزميل العزيز سعد الجريس مدير الأستديو سابقاً في سبق يضاف إلى أسرة البرنامج حيث كانت الحلقتان أول بث مباشر على الهواء من الأستديو .
وكنا في هذا البرنامج نشكل فريقاً متناغما بحكم الاهتمام الثقافي الذي يجمعنا، وكان يعرف معظم الضيوف، ويندر أن أعرّفه على أحد ؛ مما يدل على صلته الوثيقة بالمشهد الثقافي والوسط الأكاديمي .
وثمة برامج أخرى جمعتنا مثل برنامج نسيم الصباح، وأهلاً بالمستمعين، وأبعاد ثقافية، وسواها مما تناولته في كتابي المحدود التوزيع «من أوراق مذيع » .
ولي مع أبي عبد الناصر ذكريات كثيرة، وروابط تجمعنا عديدة، فمما قربني إليه : ميله لإخراج البرامج الثقافية، وشغفه بالأدب وحبه للشعر، وولعه بالكتب، وجهله بالرياضة، ولم نختلف إلا في حبه للسهر وكرهي له !!
وبلغ من حبه للكتب أنه كان يقول لي حين يرى بين يديّ كتباً جديدة في الأستديو أستعد للتعريف بها في بعض البرامج : « أبا أمل أرجوك لا تنس أخاك ولا تتردد خذ لي نسخة من أي كتاب يهدى إليك !» .
ومن بين المخرجين الذين عملت معهم يكاد ينفرد من بينهم بالثقافة العالية والاطلاع الواسع، والمتابعة الجادة للأحداث الثقافية، إضافة إلى تمكنه من اللغة وحسه الموسيقي العالي، فلقد أعطاه الله موهبة في تذوق الشعر بحيث يدرك بسرعة فائقة ودون تردد كسور الأبيات ؛ ولذلك فقد أسندت الإذاعة إليه إخراج البرنامج الشهير «أوراق شاعر» عام 1417ه وأنتج منه عشرات الحلقات .
ومن طرائف هذا البرنامج، وتأكيداً لحبه للسهر وعشقه للعمل أنه اتصل في وقت متأخر من الليل بالشاعر سليمان بن عبد العزيز الشريّف يتابع معه تسجيل حلقات البرنامج، فاستيقظ الشاعر من النوم بسبب الاتصال، وفي اليوم التالي ولدت قصيدة طريفة يعاتبه فيها، ومطلعها :
يا سعيد الثبيتي كيف روعت بيتي
تتصل بي بنصف الليل والناس نيمه !!
ومنها (مع تحفظي على عاميتها) :
ياهواة القصايد جاكم الطير صايد
لكن الصيد ها المره حبارى هليمه
هذي أوراق شاعر ما تهز المشاعر
ما لها في مجال الشعر وزن وقيمه
إلى أن يقول :
الرجل من كلامه صقر وإلا نعامه والثبيتي بها المقياس فاز بقسيمه ومن تعامل معه فلا بد أن يقول : «سعيد ولد مخرجاً»، ففيه صفات المخرجين الرواد، وبخاصة سعة الأفق، والثقافة العالية، وقوة الشخصية، والالتزام والحرص الشديد على أداء العمل بإتقان ودون أخطاء .
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإنه على مشاغله العديدة لا يغيب عن مناسبة فرح أو ترح لأي من الزملاء، ولقد دعوته إلى مناسبات عديدة فلبى الدعوة وكان في مقدمة الحضور، ومنها مناقشتي في الماجستير والدكتوراه، وزواج أخي منصور، وغيرها من المناسبات .
ومع شهرة سعيد شوشة الثبيتي رحمه الله، فإنه زاهد في الأضواء، ولا تكاد صوره تنشر في الصحف، ويعتذر عن اللقاءات الصحفية ؛ ولذلك فإن الكثيرين، ومنهم زملاؤه في الإذاعة يجهلون تفاصيل حياته .
لذا أرى من الواجب الإعلامي أن نذكر جوانب من حياته، فلقد ولد في قرية من قرى الطائف، واسمها «وادي العيسى» ببني سعد عام 1375ه، وتعلم فيها التعليم الأولي، ثم انتقل إلى الطائف فدرس في دار التوحيد، بعدها واصل دراسته الجامعية في الرياض، وبالتحديد في كلية الآداب التابعة لجامعة الملك سعود - قسم الإعلام - ، وتخرج عام 1401ه حاملاً شهادة البكالوريوس في الإذاعة والتلفزيون، بعدها تعين في إذاعة الرياض مخرجاً وتدرج في المراتب حتى حصل على المرتبة العاشرة رحمه الله رحمة واسعة . وقد حصل على عدد من الدورات على رأس العمل، ومنها دورة في الإخراج في المملكة المغربية، ودورة في اللغة الإنجليزية في معهد الإدارة العامة بالرياض، ودورة في معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية .
وبعد، فأقدم للأسرة الإعلامية، وللزملاء في إذاعة الرياض بوجه خاص خالص العزاء والمواساة في الفقيد العزيز، وأسال الله له الرحمة والمغفرة، ولأسرته الكريمة الصبر والسلوان . {إنا لله وإنا إليه راجعون }.[/align]